محمد الوشيحي

أنيس… يجوع في مرابعه التيس

ما أكثر «التابوهات المحرمة» في عقولنا. لا نجرؤ حتى على التفكير، مجرد التفكير، في صحتها. أحد هذه التابوهات «أنيس منصور»، نقرأ إنتاجه ونحن نردد الآيتين الكريمتين: «حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا» و»قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا».
وكنت قد كتبت في صفحتي في «تويتر»: «مازلت مصراً على رأيي، أنيس منصور لا يجيد صياغة الجُملة»، وذكرت أسماء بعض الكتّاب العرب من ذوي الصياغة الجميلة، فكتبت «مستجاب، والسعدني، وعبدالرحمن الراشد، وصالح الشايجي، وسمير عطاالله، وأحمد الديين، وإبراهيم عيسى، وبلال فضل، وآخرين»، ثم أضفت إليهم: «السعودي محمد الرطيان والجزائري مرزاق بقطاش وغيرهما».
فانطلقت القاذفات عليّ من البر والبحر والجو، وراح بعض الغاضبين يتحدث عن ثقافة أنيس منصور، وعن عدد كتبه، وعن ذكرياته الممتعة وعلاقاته بالزعماء، وعن وعن وعن، وأيّد آخرون: «هو يسرق أفكار الآخرين… يكذب… يختلق…»، فقرأت آية الكرسي وأطلقت تنهيدتين وكرّرت: «حديثنا عن الصياغة، فقط الصياغة»، وثار جدل، فأيّدني مَن فرحت بتأييدهم، منذ لحظة انطلاق النقاش، واقتنع بعضٌ آخر، وخالفني السواد الأعظم.
وأنا أجزم أن كثيراً منا خرج من بطن أمه إلى كوكب الأرض فوجد اسم أنيس منصور يتكرر، فسارَ مع القافلة، دون أن يتوقف ليمعن النظر قليلاً. خلاص «أنيس منصور أفضل كاتب» إذاً «أنيس منصور أفضل كاتب». لم يقارنوه بمرزاق بقطاش، ولا بمحمد مستجاب، ولا بالماغوط، ولا بغيرهم ممن لم يحظوا بربع شهرته لبعدهم عن بلاط الحاكم.
يا قوم، لا علاقة للصياغة بالثقافة، لهذه بحر ولتلك بحر آخر. وللتدليل، يقول شاعر المحاورة السعودي حبيّب العازمي العتيبي: «إن حلّقت بالسما وإن وقّعت بالتراب / الأرض كيلو مربع والجبال أربعة»، وهو يقصد أن بعض شعراء المحاورة مهما حاولوا وادّعوا، لن يستطيعوا الوصول إلى مستوى الأربعة العظماء! فشبّه فن المحاورة بالأرض الصغيرة، وصوّر العمالقة الأربعة جبالاً تثبّت هذه الأرض، وهذا هو الإبداع في الصياغة والتصوير، وكان من الأسهل عليه القول بصورة مباشرة: «لن تستطيعوا منافسة العمالقة»، لكنه قدمها إلينا في طبق من فن وإبداع، فصفق له الشعراء وقوفاً وحواجبهم تلتصق بمنابت شعرهم، وامتدحوا صياغته لا ثقافته.
وبالعودة إلى أنيس، أرى جُمَله فقيرة جافة حافة، خالية من المحسنات اللغوية والصور البلاغية، في الغالب، رغم اختياره لمواضيع طرية خفيفة، كالمرأة والحماة والغناء والشعر والموسيقى، في حين نقرأ لزميله في الصحيفة ذاتها، السعودي عبدالرحمن الراشد، مقالات عن السياسة والحروب والاقتصاد، ومع ذا يقدمها لنا ليّنة بطعم الشوكولا تذوب في الحلق. وهنا يكمن الإبداع. وليغضب الغاضبون.
كذلك زميله الآخر سمير عطاالله، رغم أنه من كتّاب السلطان (على وزن شعراء السلطان ووعاظ السلطان) إلا أن جملته فاتنة تلهب قلوب العشاق وتسر الناظرين.
سيداتي سادتي، أنيس منصور يشبه الصومال إلى حد بعيد، أرضها غنية وشعبها فقير، وهو ثقافته عالية وصياغته فقيرة يجوع في مرابعها التيس، ويكابر مريدوه: «بل تشبع في مرابعه غرائب الإبل الجائعة».
وللناس في ما يعشقون مذاهبُ…