حسن العيسى

تنفخ بقربة مقطوعة يا جاسم

تقريباً لأكثر من ثلاثين سنة والاقتصادي جاسم السعدون يكتب في الجرائد ويعد تقارير «الشال» ويتحدث وينصح، لا بل يكاد يزعق لكن لا أحد يسمع، ربما لدينا سلطة في الحكومة والمجلس مشكلة من طرش، فلا جاسم السعدون ولا كثيرون غيره من المخلصين الناصحين نفع حديثهم، ولا أحد من «أهل الحل والعقد» ينصت لهم، أما الكويتيون فهم لاهون، لاهون يعدون الأيام والساعات متى تدخل جيوبهم مكرمة حكومية، لأن المناسبة هي ختان ابن واحد كبير أو غير ذلك من أسباب توزيع الثروة على العائلة الكويتية، وهم (أهل الديرة) أيضاً مشغولون متى تأتي مبادرة من ناحية مجلس النواب تصب في قالب إسقاط فواتير الكهرباء والماء كإسقاط القروض للقادرين وغير القادرين، أصبح واجباً مقرراً ويومياً للكثير من الأسر ملاحقة أخبار الهبات والمنح والكوادر والإجازات وغيرها في بلد مهما كثرت أموال أهله فالملل والسأم يقتلهم… سجن كبير يضج بالمساجين الممتلئة جيوبهم وليس لهم مكان يتنفسون فيه غير المولات ومطاعم «الجنك فود»!
صفحتان كاملتان في جريدة «الجريدة» قبل يومين ضجت بنقد مر لجاسم السعدون تحدث فيهما عن غياب التخطيط وغياب الرؤية عند أهل القرار «… ففجوة الاعتماد المتزايد على الحكومة زادت في صناعة الاقتصاد، والمالية العامة أصبحت أكثر اعتماداً على النفط، موظفو الحكومة أصبحوا أقل عملاً وأكثر رواتب…» والمشكلة عند جاسم وغير جاسم من الواعين هي «الإدارة، مجلس الوزراء يشكل لتوزيع المنافع على الوزراء بدلاً من خلق مجلس وزراء يحقق منافع للدولة…»! لكن أين صرنا اليوم؟ افتحوا أي جريدة أجنبية أو طالعوا أي محطة تلفزيون غير محطات «هشك بشك» العربية، ستجدون الأخبار والمقالات كلها تتحدث بالدرجة الأولى عن الأزمة المالية في أوروبا وأزمة التصنيف المالي والسندات للولايات المتحدة، تلك الدولة التي تصنع «مكوكات الفضاء» وليس تصريحات الهباء مثل حالنا. يقولون ويقلقون من القادم الذي يبدو مخيفاً لهم وللعالم، يقلقون قلق العقلاء الذين ينظرون إلى المستقبل ويتلمسون أخطاء الماضي، وهو ماضي تاريخ الجشع والأنانية، وكأن الفقراء عندهم وطبعاً في الدول الفقيرة سيدفعون أكثر الأثمان، لكن ماذا عنا، ماذا يقول حصفاء الديرة لو نزلت أسعار البترول عن 88 دولاراً، كيف ستوفر الدولة الرواتب وكيف ستتكفل السلطة «بدهان سير» هذا أو ذاك من نواب الهبش حتى يسكت، هل سنرهن الأرض وما عليها، أم أننا نظن أننا كابن نوح سنأوي إلى جبل يعصمنا من الطوفان… ما العمل؟
لا تقولوا هذا كلام ناس ممتلئة أرصدتهم البنكية… ولا يفكرون بالموظف «الغلبان» الذي تنهش من لحمه ديون الأقساط وغلاء الأسعار، ربما يكون هذا صحيحاً عند النفوس المنهكة، لكن ماذا لو فكرنا دقيقة واحدة في الغد وماذا سنصنع وماذا يخبئ لأبنائنا ذلك الغد المقلق؟… وهو قادم لا محالة كالموت وهو قدر الإنسان.