محمد الوشيحي

أبشروا ببيض الصعو

 

بعد غياب طال قليلاً، عليّ أنا أكثر ممن سألوا مشكورين عن أسبابه، ها أنذا أعود لأمسك القلم الذي لم يعرفني للوهلة الأولى، فتمنّع وتدلّع، ثم قاوح، ثم في محله راوح، وحرنَ كما تحرن حمير البصرة، وفعل كما يفعل تجار البخور «البهرة» (1)، فلم يعرض بضاعته الثمينة أمامي كما اعتاد واعتدت، بل أشار إلى ما هو معروض للعامة وعابري السبيل وهو يتثاءب: «دونك المفردات هذه… التولة بربع»، فنهرْته ومن ياقة قميصه جررته: «يا ابن الكربون الملعون، هل أنا مضطر إلى إظهار بطاقتي المدنية كي تعرفني… افتح حقائبك المخبوءة، فلا شيء يميزك عن أبناء عمومتك الأقلام إلا ما في حقائبك التي لا يعرف طريقها إلا القلة، افتح خزائنك وانثر أمامي ثمينها، ولا تخف، فأنا من هواة الدفع نقداً وفوراً».
وبعد لأي شديد وتفحّص أشد… هداه الله ففتحها، فانتقيت وكتبت:
لطالما سمعنا عن سيطرة بعض اللصوص على الحياة السياسية، عبر خوضها والنجاح فيها بسهولة مهولة، أو عبر استخدام «الجراوة» التي تبرك عند أقدامهم كلما ضربوا بأيديهم على الأرض وهم يرددون لها: «قيس قيس قيس قيس»(2)، فيمسحون على رؤوسها، ثم يرمون لها العظام فتهرول لتلتقطها… كل هذا لتنبح تنبيهاً لهم أو دفاعاً عنهم.
ولطالما سمعنا عن غسل الأموال في الكويت، وكنا نظن أن القبض على «الغسالين» والرشاة والمرتشين في هذا البلد «مثل بيض الصعو»، نسمع عنه ولا نراه. وأنا أتحدث عن الكبار لا الصغار.
أما بعد أن نشرت جريدة «القبس» خبر النائبين اللذين حصلا على 25 مليون دينار (نحو ثمانين مليون دولار) بطريقة فيها «إنّ» فللموضوع تتمة. واللغة العربية تؤكد أن لـ»إنّ» اسماً منصوباً وخبراً مرفوعاً، لذا سيتحرك الناس بحثاً عن «خبر إنّ» بعد أن سئموا الحديث عن كان وخبر كان.
وكانت المعضلة هي عدم العثور على «إنّ»، أما بعد أن تم العثور عليها، ونُفضَ الغبار عنها، فسترشدنا هي بنفسها إلى «خبرها المرفوع».
لذا سيتحرك الناس احتفاء بـ«إن» واحتفالاً بها، والتحرك سيكون على اتجاهين متوازيين، طبعاً بعد التنسيق مع المحامين المختصين في أمور كهذه… الاتجاه الأول هو تقديم شكوى إلى الجهات المحلية المختصة، والثاني تقديم شكاوى إلى الجهات الدولية المعنية لتساعد الجهات المحلية، فربما كان مصدر الأموال خارجياً، أو له علاقة بالإرهاب، أو تبييض أموال المخدرات وغسلها، أو تجارة الرقيق، من يدري، أو لعله كنز عثرا عليه في كهف، أو أو أو… لا أحد يمكن أن يجزم إلا الجهات المناط بها التحقيق والتدقيق.
وأظن أن الجهات المحلية المعنية ستكون سعيدة بمساعدة الجهات الدولية لها في التحقيق.
على أن يواكب ذلك حملات إعلامية تنتشر في وسائل الإعلام، لحماية الكويت من الفساد وسوء السمعة. ونعتقد أن الحكومة، وتلفزيون الدولة، والجهات الرسمية كلها، ستقف في الصف الأول دفاعاً عن سمعة الكويت وحماية لها من الفساد أو الإرهاب أو غير ذلك، وستقود تحركاً يفوق تحركاتنا الشعبية. هكذا أظن، وإذا كنت أحلم فأيقظوني وسأردها لكم في مناماتكم.
على بركة الله بدأ التحرك مساء الجمعة الفارط، ولن ينفرط إلا بعد الوصول إلى خبر إن، وإلى البئر التي تضخ المياه الملوثة، وبعد أن نمسك «بيض الصعو» بأيدينا ونحتضنه على صدورنا ونحن نمسح دموعنا ونتمتم: «أخيراً».

(1) البهرة: جالية هندية من أكثر الجاليات أدباً وأمانة وصدقاً.
(2) قيس: تنطق بكسر القاف، وتقال بتكرار للكلاب الوفية لا الضالة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *