حسن العيسى

مع آيمي

 ابتدأت ديان جونسن عرضها ونقدها لكتاب «آيمي شوا» (أميركية من أصول صينية) وأستاذة القانون في جامعة ييل الرصينة بعبارات اقتبستها من مذكرات الرئيس أوباما (أحلام من والدي)، فالرئيس يتذكر أن والدته حين كان طفلاً في إندونيسيا كانت توقظه الساعة الرابعة صباحاً، وتبدأ معه دروس اللغة الإنكليزية مدة ثلاث ساعات قبل أن يذهب هو للمدرسة وتغادر هي للعمل، وحين كان الصغير أوباما يبدي امتعاضه ورفضه لهذه القسوة التربوية، كانت ترد عليه: «هذه ليست رحلة متعة بالنسبة إلي أيها الشقي»… شدة وصبر انتجا لنا محامياً وأستاذاً عريقاً في كلية حقوق هارفارد، ثم رئيساً للولايات المتحدة…! لنعود الآن لعرض ونقد آيمي شوا في كتابها «معركة أنشودة الزفاف للأم النمرة»، فآيمي شوا تتحدث في هذا الكتاب عن تجربتها في تربية ابنتيها «لولا» و»سوفي»، واحدة عازفة كمان والثانية عازفة بيانو من الدرجة الأولى، وهما متفوقتان في الدراسة بمعدل لا يقل عن «اي» وهو القمة، وتستعدان للتقدم  لجامعة هارفارد، تمضي هذه الأم وتقرر أنه رغم مشاغلها كأستاذة قانون في «ييل»، إلا أنها تقضي ساعات طويلة يومياً مع ابنتيها، تدرس معهما مواد الرياضيات والتهجئة، ثم قراءة النوتة والعزف الفني، وتقرر الأستاذة «آيمي» انه عند الصينيين هي كارثة عندما تقل الدرجات عن الكمال، فمعدل «بي» غير مقبول أبداً، وبغير ذلك لن يكون لنا مكان تحت الشمس.
شغل كتاب آيمي جدلاً كبيراً في الولايات المتحدة، فالبعض امتدحها والبعض الآخر انتقدها وطالب بمحاكمتها بجريمة استغلال الأطفال. المعارضون الأميركيون يقولون إن طريقة آيمي في التعليم تقضي على روح المبادرة والاستقلال لدى الأطفال، والتركيز لأكثر من أربع ساعات على نوتة فنية فيه إرهاق شديد لعقل وروح الطفولة! ترد آيمي بأنه «ليس هذا وقت التنظيرات التربوية، فنحن كصينيين لا نكترث للدافع النفسي، وإنما نريد الجهد والنضال فقط، نبحث عن القوة وليس الضعف، اقلبوا العملة سترون أنه بالجهد الدؤوب سيبني الطفل ثقته بنفسه».
لن أمضي في عرض وجهات النظر «مع» أو «ضد» آيمي، فردها الأخير كان قاطعاً بمقولة: «انظروا أين وصلت الصين اليوم، وأين هي الولايات المتحدة؟ بالعمل والعمل الدؤوب فقط تعتلي الأمم المجد، وكنت سأتطرق إلى أزمة التربية في البيت الكويتي والخليجي، مثلاً هل سألنا أنفسنا في الماضي لماذا أبناء الفلسطينيين كانوا يحتلون المراكز الأولى في الثانوية العامة، واليوم أبناء مصر، رغم الظروف الصعبة لكل من الجاليتين، فلا دروس خصوصية، وأمهات (وهن الأساس التربوي) لن تجدهن يتسكعن في مولات الحداثة في «مدن الملح» أو يسرن برؤوس مائلة لليمين أو اليسار من طول المحادثات التلفونية، مجرد شقاء ومعاناة أنتجا هذا التحدي الكبير… إلا أنني تذكرت أن اليوم «كركيعان» وسأفتح الباب بعد قليل لأجد جيشاً من الأطفال تحيط بهم جيوش أعظم من الفلبينيات… قد تكون الأستاذة آيمي واحدة منهن، فكلهن من آسيا، ورحم الله أمهاتنا، وأجيال ما قبل حداثة النفط.

ملاحظة: تجدون عرض الكتاب ونقده في «نيويورك بوك رفيو» العدد الأخير.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *