د. شفيق ناظم الغبرا

الانتخابات الأميركية … أوباما رمز للتغيير!

متابعة المشهد الأميركي تحمل معها الكثير من الرمزية. رمزية تصالح أعداء الأمس من أجل هدف أسمى، ورمزية توحيد حزب ديموقراطي أعضاؤه بعشرات الملايين، ورمزية بروز أوباما بصفته الأميركي الأول من أصل أفريقي يصل إلى المرحلة الأخيرة في انتخابات الرئاسة. إن خطاب أوباما في ختام أعمال مؤتمر «الحزب الديموقراطي» أمام حشد من 85 ألف مواطن كان حدثاً تاريخياً لم تشهد الحملات الانتخابية السابقة مثيلاً له. هذا الحشد شكل رسالة كبيرة لـ «الحزب الجمهوري» والقوى المنافسة للديموقراطيين. ولكن خطاب أوباما كان هو الآخر متميزاً في طرحه لبرنامجه، ولرؤيته للولايات المتحدة وكيفية تميز عهده في السياسة الداخلية والخارجية. لقد حرك أوباما الحاضرين الخمسة وثمانين ألفاً، كما لم يحركهم زعيم أميركي يترشح للرئاسة من قبل. إن قدراته الخطابية، ووضوح خطابه، وطريقة تعبيره، ومضمون كلامه خلقوا حدثاً فريداً في السياسة الأميركية شاهده عشرات الملايين عبر محطات التفلزة في الولايات المتحدة والعالم. وتتواصل هذه الحال مع تعطش الأميركيين لشيء جديد ولتغيير كبير ووضع مختلف عن ذلك الذي عرفه الأميركيون مع الإدارة السابقة. بشكل أو بآخر هناك عوامل عدة تؤثر في ثورة أوباما: الاقتصاد الأميركي وتراجعه الكبير في الأعوام الثمانية الماضية، إضافة إلى تراجع موقع ودور وشرعية الولايات المتحدة على الصعيد العالمي وشعور الأميركيين أنهم فقدوا الكثير على الصعيد العالمي، إضافة إلى تنامي دور الأقليات في السياسة الأميركية.
وتبقى السياسة صانعة للمفاجآت، فحملة أوباما تتقدم الآن وسط جماهيرية كبيرة، وفي ظل وسائل مبتكرة وطرق خلاقة، بينما حملة ماكين هي الأخرى تسير إلى الأمام في ظل محاولة للاستمرار بالولايات المتحدة على الطريق ذاته الذي سارت عليه في الأعوام الثمانية الماضية. فحتى الآن لا يوجد ما يضمن فوز أوباما، ولا يوجد ما يؤكد فوز ماكين، فالفرص ستتساوى في هذه الانتخابات بين الاثنين، كما أن كل شيء متوقف على تكتيكات كل فريق واستراتيجيته الانتخابية في الولايات الكبيرة والصغيرة التي يتنازع الاثنان عليها، كما أن كل شيء متوقف على الناخب ونفسيته وشعوره يوم الانتخاب: فهل يصوّت لتغيير كبير أم لتغيير محدود على الصعيد العالمي والمحلي والاقتصادي وهل يشارك الشباب والأقليات بفعالية أم يتركون الأمر للقوى المحافظة؟ وتحت الظروف كلها ستكون الانتخابات الأميركية معركة كبرى تُخاض في كل مدينة ومنطقة من أجل صوت هنا وأصوات هناك، ولن تحسم المعركة إلا بفارق ضئيل بالأصوات.
أنصار أوباما يؤيدونه إلى أبعد الحدود، فالكاريزما التي يتمتع بها والقدرات الاستراتيجية تجعل أنصاره مؤيدين له بعاطفة قوية وبحماسة كبيرة. أما ماكين فمن معه يؤيدونه، خوفاً من البديل واحتراماً لتاريخه السياسي والقتالي العسكري، وليس بالضرورة تأثراً بشخصيته وقدراته على التعبير. الفارق بين الرجلين ماكين وأوباما أساسي. فأوباما يأتي من خارج الدائرة السياسية الضيقة ومن خارج النخبة الأميركية التقليدية التي تفرز الرؤساء، فهو يأتي من القاعدة، بينما ماكين يمثل النخبة التقليدية في العاصمة الأميركية التي اعتركت العمل مع الإدارات المختلفة ومع الأجهزة والأمن والجيش والكونغرس والقاعدة الانتخابية. لهذا، فهناك فارق بين مناخ أوباما السياسي وطبيعة الذين يدعمونه ويرون فيه التغيير الكبير وبين المناخ الذي يحيط بماكين والذين يدعمونه.
إن الولايات المتحدة تستحق أن يرأسها شخص بقدرات أوباما يأتي من خارج الدائرة الضيقة التي مازالت ترى العالم بعيون الحرب الباردة. أليس هذا أحد أهم أسس الديموقراطية، فعوضاً عن لجوء المعارضة إلى الانقلابات والثورات، تقع الثورة ويقع الانقلاب بالوسائل الديموقراطية والسلمية في ظل القوانين والدستور والحقوق ولفترة موقتة مدتها أربعة أعوام؟ أليس أساس الديموقراطية أن تتبدل النخب القديمة بأخرى جديدة، والجيل السابق بالجيل الجديد؟ أليس أساس الديموقراطية المقدرة على التجديد والتغيير مع تأمين الحماية والحقوق للفريق الذي يخسر في الانتخابات؟ إن انتخاب أوباما سيكون لمصلحة الفرد الأميركي، وذلك لما هو معروف عن برنامجه الذي يقضي بالتعامل مع المسألة الاقتصادية، والتخفيف من مخاطر تكاليف الحروب على الميزانية الأميركية. لقد صرفت أميركا في العراق وأفغانستان مئات المليارات التي كان من الممكن استثمارها بالتعليم والصحة والتنمية الأميركية، فأوباما سيكون حاسماً في سرعة التحرك بهدف عدم التورط في حروب متسرعة وسياسات غير مدروسة، وبالتالي عدم تحميل الولايات المتحدة عبئ احتلال دائم للعراق. إن انتخاب أوباما رئيساً سيكون، من جهة أخرى، سابقة تاريخية تؤسس لعلاقة جديدة بين الأعراق المختلفة في الولايات المتحدة وفي العالم، وسيتحوّل نجاح أوباما إلى مثل على الصعيد العالمي، لأنه سيكون قد تعامل مع واحدة من أعقد المسائل في العلاقة بين الأعراق وفي بناء التغيير.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *