محمد الوشيحي

«الدولة العشّة»

كان برتبة نقيب عندما توفيت أمه الثرية فورث منها نحو سبعة ملايين دينار بالتمام والرفاه والبنين، على ذمة الزملاء، بخلاف الشركة ومشاريعها القائمة. لكنه على المستوى الشخصي لا يطاق. قال عنه أحد الزملاء مرة: «كلما شاهدت هذا المخلوق تصيبني كحة بالبلغم، كيف تحتمله زوجته؟»، شخصية نتنة من فصيلة خنازير السيرك الروسي. لو خيروك بين معاشرته ومعاشرة الجوع والعطش لاحتضنت الجوع والعطش وقبلت رأسيهما. ضعيف نفس. بطل العالم في الأنانية. للدناءة في عروقه مجرى، وللجشع في قلبه مزارع وغيطان. يفقد الذاكرة لو سمع عن إشاعة زيادة الراتب. يعرف بالتفصيل الممل المعل كم فلسا نقص من راتبه وكم فلسا أضيف إليه. كثيرا ما يدخل مكاتبنا ويسأل بجشع فاقع: هل اكتشفتم مثلي اختفاء ثلاثة دنانير من رواتبكم؟ فنجيبه: «لا، كلنا رواتبنا صاغ سليم، باستثناء راتبك أنت. لا تسكت عن حقك»، فيبدأ مشوار البحث والتحري عن الدنانير الثلاثة.
شكواه الدائمة من غلاء أسعار السيارات ومواد البناء وضرورة زيادة الرواتب، و، و، و، تدفعك للاعتقاد بأنه يسكن في ملحق في سكراب أمغرة… لم نكن نعرف بأنه مليونير قبل أن تأتي إحدى شقيقتيه لتقابل المدير وتروي له كيف جرجرها وشقيقتها للمحاكم على قضية الميراث، وتطلب تزويدها ببعض الأوراق! قال له أحد الزملاء مرة: شقيقتك تدّعي بأنك تطمع في حقها من الميراث، وأنك جرجرتها وشقيقتكما الثالثة للمحاكم، فهل يعقل هذا؟ فكان جوابه مختصرا شفافا: «هذيلا بنات كلب»! لعنه الله في كل كتاب وملّة، ما أحقره… «زقوم»، هي الكلمة التي تخرج من شفاهك مباشرة ومن دون شعور عندما يمر بجانبك.
ليس وحده هذا الدنيء من يستحق «الزقوم». حكومتنا تستحقها أيضا وبجدارة… حكومة تمتلئ خزائنها بالمليارات والدولة تعاني من جفاف في الحلق. زقوم بالملح والفلفل هذه المليارات… حكومة تتبرع للقطبين الشرقي والغربي والمحيطات الفوقية والسفلية بمحطات الكهرباء وأبناؤها يتكدسون في السيارات بحثا عن التكييف في حرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية. ولو عاتبتها على تقصيرها في حق مواطنيها لقالت لك ما قاله ذلك الخبيث عن أختيه! زقوم بالملح والفلفل هذه المليارات. آمين.
لا أحد يدري متى تظهر هذه الأموال من الخزائن لتقلب البلد رأسا على عقب، ولا متى يلبس الوزراء الخوذة وينزلوا للشوارع، ولا متى يزدحم مطارنا بالطائرات، ولا متى ننتقل من وضع «الدولة العشة» إلى دولة متطورة… باختصار، لا ندري متى يتسلم الأمر «أهل الأشناب»؟ لكن الأكيد أننا في وضعنا الحالي «ما حنا وجيه نعمة»، فتبرعي يا حكومة بملياراتنا كلها وخلصينا من هذه القصة. حاج بقى…. وزقوم. قولوا آمين.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *