محمد الوشيحي

العداد و«السبع ولاد»

ولو أراد المصريون أو السوريون لحوّلوا بلديهما إلى محج سياحي ينظر إلى دبي وقطر كما تنظر الأم لابنتيها الصغيرتين، ودبي هي حديث سكان المريخ وزحل وعطارد، أما قطر فحديث سكان المريخ فقط، إلى الآن على الأقل. وهي موعودة بزحل خلال سنتين، سيقاتل القطريون لاختصارها إلى سنة… أقول لو أراد المصريون والسوريون ذلك لاستطاعوا، فلديهم من خدمات الطبيعة وكنوز الأرض ما يدفعك للتوجه إلى مكتب سفريات تعرفه ليؤمّن غرفة لك في الفنادق المشغولة بأكملها.
الأولى لديها الأهرامات، والآثار المعروضة هنا وهناك، والبحر والجبل، ونقاء المصري وبساطته. أما الثانية فهي النموذج الأرضي للجنة، عيّنة صغيرة منها (tester). لكنها في قبضة رئيس شاب تخصص في نثر الشعارات في الهواء الطلق. فهو حتما وقطعا وبالتأكيد سيحارب إسرائيل وأميركا وأوروبا، وقد ضبط ساعة المنبّه على موعد الحرب الذي لا يعرفه سواه، ووضع الساعة بجانب رأسه، لكن بطارياتها للأسف لا تعمل. إذاً فلا مانع من تأجيل الحرب وخنق الحياة في الداخل أيضا وتمضية الوقت في تفجير السيارات، لأن «اليد العاطلة باطلة» يا صديقي، ولا مانع كذلك من تأجيل تأهيل البنية التحتية وسن القوانين الذكية التي تفتح الباب على مصراعيه لدخول أباطرة السياحة العالميين ومعهم سلاسلهم الفندقية. هذا كله يمكن تأجيله بانتظار بطاريات المنبه. لكن المنبه اختفى، أين المنبه، من الذي سرقه؟ ليست سرقة يا صديقنا، نحن الإيرانيون أخذناه لتزويده بالبطاريات وضبطه على توقيت طهران. الجيب واحد.
عودة لمصر التي يرأسها إنسان واقعي اكتفى بحروب رفع شعاراتها الجميع ودفع هو وأهله فاتورتها، نقدا، بالدم المحلي. أدرك ذلك فوضع نقطة في آخر السطر.
إذاً الأمور مهيأة للسياحة وارتفاع دخل المواطن ودولة مصر. لكن آه. هناك مشاكل لا بد من معالجتها أولا، عداد التاكسي الذي تحول إلى «خلّي علينا سعادتك» و «أنا عندي سبع ولاد وأمي وأبويه عيانين»! أمر غريب، في لندن وباريس ودبي وفيينا وسائر بلدان الكرة الأرضية لا نعرف عدد أولاد سائقي سيارات الأجرة ولا صحة والديهم. في مصر فقط نعرف ذلك. الأغرب أن كل السائقين في مصر، أو غالبيتهم، لديهم «سبع ولاد» وأم وأب «عيانين». يبدو أن هناك مشكلة في الخدمات الصحية يجب معالجتها قبل استقبال السياح. اللهم أنت الشافي.
حكاية عداد التاكسي في مصر تكشف عن أمور كارثية تسببت في مقتل السياحة والتمثيل في جثتها؛ الاستهتار بالقوانين، استغفال السائح، تواطؤ شرطة المرور، و و و، فهرب السائح. كوارث تحتاج إلى تعديل شامل للمناهج الدراسية بدءا من رياض الأطفال وانتهاء بعمنا الفكهاني في آخر الشارع.
كارثة أخرى في مصر، يا رب عطفك ولطفك، جماعة الاخوان المسلمين. وهي جماعة تحتاج كي تنتشر إلى بيئة رطبة ومظلمة ومجاميع قليلة التعليم تسير خلف الروحانيات الخرافية. ومصر مستوفية الشروط، فالروحانيات تفيض لتنساب من أعلى الإناء، حابس حابس، مولانا سره باتع، وحياة سيدي أبو الرفاس… مصر منجم ذهب للاخوان المسلمين. الله حي.
رحمتك يا رحمن، هذا الشعب العظيم، شعب طه حسين والعقاد وكامل الشناوي وتوفيق الحكيم ومحمود السعدني ومحمد مستجاب ويوسف إدريس وفاروق الباز وزويل وغيرهم من العظماء، يتحد الاخوان المسلمون مع تجار السياسة ليدفعوه لضرب صدره في الموالد والاستغناء عن عداد التاكسي والادعاء بحاجته لعلاج والديه والصرف على أبنائه السبعة؟!
رحمتك يا رحمن، كم تحتاج مصر لتبهرنا وتلهب أكفنا بالتصفيق كما كانت؟ وهل نبدأ «البروسترويكا» باحترام عداد التاكسي أم بتعديل مناهج التعليم الدراسي بدءا من رياض الأطفال وانتهاء بعمنا الفكهاني في آخر الشارع؟ مدد يا مولانا.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *