د. شفيق ناظم الغبرا

الديموقراطية في الكويت!

السؤال الذي يسألك إياه أي عربي من الإمارات أو قطر أو الأردن أو أي دولة أخرى: كيف هي حالكم في الكويت، ماذا يحصل عندكم؟ إن الاجابة على هذه التساؤلات بإقناع ليست بعملية سهلة، فالديموقراطية في الكويت تعيش مأزقاً يكرر نفسه عند كل منعطف. ولهذا أسباب عدة. فالكويت تتواجد في إقليم قلما تطورت فيه التجربة الديموقراطية بصورة حيوية وصادقة وحقيقية. ففي كل مكان مركزية شبه شاملة وأنظمة تهمش النخب والاختلاف. لهذا فالبيئة العربية المحيطة لا يوجد فيها نموذج ديموقراطي ناجح تستطيع التجربة الكويتية أن تستلهم إيجابياته، مما يعود ويجعل التجربة الكويتية واحدة من التجارب القليلة عربياً، كما يجعلها أيضاً تجربة متقدمة نسبة إلى غيرها من التجارب العربية.
من جهة أخرى، هناك في الكويت غضب كامن وسعي في الوقت نفسه إلى فرض رأي أحادي قلما يتصف بأنه ديموقراطي على بقية أفراد المجتمع(رغم أننا في دولة رفاه وفي واحدة من أفضل المراحل الاقتصادية). الغضب الكامن والفرض الأحادي يعبر عن نفسه بمواقف تحدٍ بين أعضاء من البرلمان وفئات من المجتمع، وبين البرلمان والمجتمع المدني وجمعيات النفع العام على الأمور الإسلامية، وبين الحكومة والبرلمان على الصلاحيات والبرامج، وبين أقطاب من الحكومة وأقطاب من خارج الحكومة. هكذا تعيش البلاد أزمة مستمرة من دون التوصل إلى استقرار جديد وسياسة متفق عليها. في هذا تبدو الديموقراطية الكويتية في حال انحراف عن مسارها بدليل بناء خنادق نفسية بين كل فريق وآخر، وبين كل جهة وأخرى، وبين كل لاعب وآخر.
إن الديموقراطية في الأساس تعبيرعن سعي فئات المجتمع الأوسع ونخبه المختلفة إلى المشاركة في صنع القرار وفي الحياة السياسية للبلاد. إنها في الأساس وسيلة لتوسيع دائرة النخبة، ووسيلة لتوسيع دائرة صنع القرار، ووسيلة للاحتكام إلى الشعب لإيصال آراء محددة وبرامج محددة وتصورات. الديموقراطية وسيلة للحوار والنقاش في الشأن العام وطريقة في تنظيم الحياة السياسية وفي فصل السلطات بحيث لا تكون ممركزة بيد أفراد قلائل أو فئات محدودة، وذلك بما يسمح للسلطة التنفيذية بممارسة مهامها، وبما يسمح للسلطة التشريعية بممارسة مهامها، والسلطة القضائية، وأيضاً الإعلامية، الصحافية والتلفزيونية، بممارسة دورها.
أجد نفسي أتفهم الغضب الذي يبرز في الكويت، وأحياناً في المجلس، وأحياناً في النقاشات المطروحة، ولكن هناك فارق بين أن نغضب من شيء وبين أن نتصرف في هذا الغضب بحيث يعيدنا إلى الوراء. هناك غضب يعبّر عن نفسه بما يتجاوز ما هو لائق وبما يضيف على التحدي. هناك نوع من الغضب قد يؤدي إلى عكس نتائجه وقد يضعف الديموقراطية. السؤال الأساسي: كيف نتعامل مع المطالب الشعبية، كيف نتعامل مع ما يبدو أنه غضب بين عدد من الفئات من دون أن يمنع هذا التنمية والتقدم والعمل وتلبية احتياجات الجتمع كلها؟
وأتساءل في الوقت نفسه: أين هي المسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه المجتمع من جراء فرضنا لوجهة نظر محددة ولمدرسة محددة في الممارسة السياسية؟ لنأخذ على سبيل المثال الفوز المهم للسلفيين في مجلس الأمة، فهو يمثل شيئاً يحق للسلفيين أن يفتخروا به. ولكن هناك فارق بين هذا الفخر وبين تحويله إلى رؤية حزبية ضيقة. فمجرد فوز السلفيين في المجلس لم يعد النائب البرلماني السلفي يمثل السلفيين لوحدهم، بل إنه يمثل الشعب كله والفئات كلها. فهو يمثل نفسه ويمثلني كمواطن، ويمثل المتدينين، ويمثل الوسطيين، ويمثل المدرسين والمدرسات، ويمثل الشباب، ويمثل الليبراليين. لهذا يصبح لزاماً عليه أن يسمع لوجهات النظر والحقائق كلها وللمواطنين كلهم، وللفئات كلها، حتى يكون قراره صائباً وتوجهه دقيقاً وتشريعه مفيداً للمجتمع. هذا الأمر ينطبق على من يمثل قبيلة أو طائفة أو فئة من الفئات. إن الاستماع إلى الآخرين والاستنارة بآراء عدة، قبل الإقدام على طرح تصور وموقف وتشريع جديد، أساسي لنجاح الديموقراطية. إن الاستزادة بمعاني وانعكاسات التشريعات على المجتمع والأفراد والمؤسسات أساسية لدور المشرع.
لنضرب مثلاً: لو فاز المرشح باراك أوباما في رئاسة الولايات المتحدة فهل يصبح ممثل الملونين في أميركا، أو ممثل الديموقراطيين فقط؟ سنجده يعدل من سياسته لكي يصل إلى وسط عام على جملة من القضايا الأميركية التي تعني الأميركيين كلهم. أما في حال سعيه إلى فرض وجهة نظره الأصلية بصفته ممثلاً للون واحد ورؤية واحدة فسوف يفقد الكثير ويسمم أجواء الديموقراطية الأميركية، كما فعل الرئيس بوش في أكثر من شأن خارجي وداخلي. إن المنتصر في الديموقراطية يصبح ممثل الجميع، ويجب أن يتحلى بالانضباط، لكي لا تعميه القوة ولا يعميه الفوز. في هذه الطريقة تتعزز الديموقراطية ووسطيتها وعقلانيتها ومرونتها.
إن فهم الديموقراطية على أنها قلاع تعيش كل فئة فيها لفرض أجندتها المعلنة وغير المعلنة يضرب الديموقراطية وينهي أساسها المتين، كما هو حاصل في مجتمعات ديموقراطية عدة في العالم. على العكس، الديموقراطية وسيلة لإيصال برنامج، ولكنها وسيلة لتخفيف الاحتقان ولجعل المنتصر يعي حدود الانتصار، ولجعل القوي يعي حدود القوة، ولجعل صاحب البرنامج ينظر في احتياجات ورؤى وأهداف الناس كلهم قبل أن يطرح برامج وتشريعات تلبي حاجة قطاع وتحرم قطاع، تحل مشكلة في مكان وتخلق مشكلة أكبر منها في مكان آخر. الديموقراطية لا تقوى إلا بالاستماع للآخرين والتحاور معهم والتوصل إلى تسويات حقيقية بين فرقاء مختلفين في الرؤى والتوجهات.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *