المعروف عن الرئيس الأميركي في أيامه الأخيرة أنه لا يفعل الكثير ولا يقوم بأخذ قرارات كبرى، ولكن بوش بالتحديد يبدو أنه سيغيّر التقليد. إن خطابه الذي قدمه في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي العالمي في شرم الشيخ في أعقاب كلمة كل من الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني ملك الأردن كان خطاب حرب ومواجهة. كنت قد دخلت القاعة لاختبر فرضية: هل ستقدم الولايات المتحدة على مغامرة أو حرب جديدة في منطقتنا؟ الاجابة عن هذا السؤال بعد الاستماع إلى الخطاب ولغته وما قيل بين السطور يشير إلى أن الرئيس الأميركي يعد العدة لحرب جديدة في الإقليم، وأن الهدف الرئيسي من المواجهة المقبلة إيران. ومن الواضح من لغة الخطاب ومن الأوضاع على الأرض أن هذا السيناريو مازال ممكناً حتى في المرحلة الأخيرة من فترة الرئيس بوش. إذاً تقبل المنطقة على خطوات رئيسية في حرب جديدة في ظل استمرار للحروب القائمة في كل من العراق وأفغانستان وفلسطين. إن خطاب بوش يشير إلى أنه يعد العدة لاستخدم القوة وما يسميه الحرب الاستباقية لمنع إيران من امتلاك القدرات النووية ولتوجيه ضربات لقدراتها العسكرية وقدرات النظام بما ينعكس على لبنان والعراق وفلسطين وسورية. وسوف ينطلق التصور الأميركي من أن هذا التوجه سوف يضعف الأطراف كلها التي تعتمد على إيران وتستمد منها القوة. هكذا كان الخطاب خطاب مواجهة، كان خطاب حرب، وخطاب تحدٍ حتى للدول العربية الحليفة.
وفي خطابه تركيز على الديموقراطية ومقارنة بين الدول العربية وبين أميركا اللاتينية التي أقبلت على التحول الديموقراطي. بمعنى آخر قال بوش الكثير في خطابه مما قاله في السابق. ولكن ما أوقفني في هذا الخطاب اللغة المستخدمة، والشدة والتأكيد، والتركيز الأساسي على إيران.
إن الخطاب يثير التكهنات، كما يثير آفاق إقدام الولايات المتحدة على عمل عسكري ضد إيران خوفاً من أن تقدم إيران على عمل عسكري ضده في الأيام الأخيرة لعهده. فبإمكان إيران أن تحرك الأوضاع في العراق، وتحركها في غزة وفي بيروت لتعلن على الملأ فشل سياسة الرئيس بوش ووداعه خاسراً، بينما تستقبل رئيساً جديداً. لهذا فخوف الولايات المتحدة من سيناريو إيراني شبيه أكبر بالذي قام به «حزب الله» منذ أيام في لبنان يساهم في التعجيل بالمواجهة العسكرية وقيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة استباقية لإيران. من جهه أخرى، فإن خوف بوش من أن يفوز أوباما أو الديموقراطيون أصبح عاملاً أكبر في هذا الاتجاه. فالديموقراطيون لن يقدموا على عمل عسكري لإيقاف السلاح الإيراني النووي، وفي الوقت نفسه فإن ثمن الموقف تجاه إقامة دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة هو الآخر مرتبط بإهداء إسرائيل هدية أخرى: تحجيم القوه الإيرانية كما سبق وأن تمت عملية تحجيم وإنهاء القوة العراقية.
لكن القوة الإيرانية مختلفة، والولايات المتحدة لا تطمح إلى الاحتلال والإنزال. لهذا سيكون تركيز العمل العسكري الأميركي الاستباقي على المواقع النووية ومواقع الحرس الثوري ومواقع أخرى للنظام. الهدف الأميركي هو إضعاف النظام، وخلق حال من القلاقل تساهم في تراجع إيران الاستراتيجي وإمكانية تغيير نظامها كما حصل في أوروبا الشرقية مع نظام يوغوسلافيا بقيادة ميلوسوفيتش، وبطبيعة الحال سيكون الهدف الإيراني استباق هذا كله وتحمل الضغط الأميركي وتفادي الضربة والخسائر. الآفاق مفتوحة على مصراعيها، وما وقع في بيروت والجبل مع «حزب الله» عزز هذه الاحتمالات. ولكن هل تنجح الولايات المتحدة أم تفشل، هل يفتح هذا جروحاً جديدة ويدخل المنطقة في صراعات جديدة؟ يبقى هذا الأمر سؤالاً مفتوحاً لا إجابة واضحة عنه الآن.