د. شفيق ناظم الغبرا

شرعية الاختلاط في التعليم

المعركة الراهنة بين دعاة التعليم المشترك والتعليم المنفصل مختلفة تماماً هذه المرة عن معركة الفصل في التعليم، والتي سبقتها بما يقارب العقد من الزمان. الفارق بين الاثنين كبير. فالمواجهة الأولى لفصل الطالبات عن الطلاب في التعليم العالي تمت في ذلك الوقت بدواعي فرض شيء غريب على المجتمع الكويتي، ألا وهو الفصل الشامل في التعليم الخاص والعام الجامعي الحالي والمستقبلي، بغض النظر عن إرادة أصحاب المشاريع التعليمية المعنيين بالأمر، والأهالي الذين يريدون لأبنائهم وبناتهم تعليماً مشتركاً، والطلاب والطالبات الذين سيتعرضون إلى هذا التغيير، أو رأي الأكاديميين وذوي الاختصاص. أما اليوم فالمسألة مختلفة فهناك فئة في الكويت أخذت على عاتقها أن تتبنى التعليم المشترك من دون أن تمس حق الآخرين في تعليم منفصل وخال من الاختلاط. بمعنى آخر ان حاملي لواء التعليم المختلط والمشترك اليوم يقرون بحق رافضي التعليم المختلط بفصل الجنسين في التعليم،  ولكنهم في الوقت نفسه، وهذا أساس حركتهم اليوم، يسعون إلى تأكيد حقهم في توفير التعليم المشترك والمختلط لمن يرغب في الكويت على صعيد المدارس وعلى صعيد التعليم العالي. إن حق الاختيار جوهري، فدعاة الفصل المطلق بين الطلاب والطالبات يريدون فرض رؤيتهم لأسباب سياسية على كل المجتمع حاضراً ومستقبلاً، بينما دعاة التعليم المشترك يسعون أساساً إلى توفير الحق في الاختيار من دون أن يمنع الآخرين من التمتع بعكسه.  في هذا فارق كبير بين الرؤية الأحادية وبين الرؤية التعددية.
إن فلسفة الأول الذي يسعى إلى الفصل الشامل في التعليم تنطلق من تفسيرات دينية. ولكن فلسفة الذين يريدون التعليم المشترك هي الأخرى تستند إلى انفتاح الإسلام على التعليم بأبعاده كلها أكان مشتركاً أو منفصلاً. هكذا بإمكان كل فريق أن يستند إلى الإسلام تاريخاً وديناً في تأكيد حججه. فلماذا تأخذ الدولة والسلطات تفسيراً دون آخر بما يؤدي للإضرار بالبلاد؟ ولكن لو قلنا بمنطق العقل ومصلحة التعليم ومصلحة الكويتيين في هذا الزمن والعصر، فمن الطبيعي أن نقبل بالتعليم المشترك بصفته رافداً أساسياً من روافد التعليم العالي والتعليم الخاص.  إن العقل لا يتناقض والدين كما أن السبب الذهني المقنع لا يتناقض والإسلام. ففي هذا النمط من التعليم ما يفيد، وبالتالي يجب القبول به على أساس أن كل ما فيه فائدة للمسلمين والمواطنين فهو من الإسلام ولا يتناقض معه.
إن رفض إرادة فئات واسعة من المجتمع ليست من الديموقراطية بشيء، حتى لو صوّت على ذلك كل نائب من النواب. فالديموقراطية تبقى عرجاء وشكلية إن لم تنجح بتقيد الغالبية المنتخبة بالدستور الذي يلزم كل مواطن كويتي بما فيه عضو مجلس الأمة، وثانياً تبقى الديموقراطية عرجاء، إن لم تنجح بعكس رغبات المجتمع كله بفئاته وأقلياته، خصوصاً في مجال الحريات الشخصية والفكرية والثقافية والاقتصادية. فالنائب عندما يأخذ موقعه في البرلمان لا يكون فقط إسلامياً أو ليبرالياً، كما كان الأمر أثناء حملته الانتخابية، بل يكون نائباً للمواطنين كلهم أكانوا من الليبراليين أو من الإسلاميين، مما يفرض عليه أن يجد معادلات وسطية تكون مقبولة للطرفين وتحمي حقوق الطرفين.
إلى متى سنبقى نتجادل في مسلمات تجادلت في شأنها الشعوب قبل عشرات الأعوام وحسمتها لصالح التعدد والقبول والتنوع؟ إلى متى نبقى أسرى الماضي من دون أن نبدع الحاضر ونسعى إلى المستقبل؟ إلى متى تعتقد فئة منا أنها قادرة إلى جر المجتمع إلى تنفيذ تصوراتها أكان ذلك باسم الإسلام أو باسم القومية؟ علينا أن نقبل بأن لكل منا قطعة رئيسية في الوطن، وأنه من حق كل منا أن يرى جانباً من تصوراته وأحلامه في بلاده، كما يحصل في دول العالم ذات الطابع الحضاري والإنساني. فليس من العدل أن تكون الكويت لفريق دون آخر. آن الأوان لتجديد الكويت من خلال حلول وسطية جوهرها وجود الجامعة المنفصلة إلى جانب الأخرى المشتركة، والمدرسة المنفصلة الى جانب المشتركة، وليكن من حق المواطن والمقيم أن يختار ما يتناسب وتقاليده وعاداته وتصوراته. على الدولة أن تقدم الخيارات، وفق ضوابط للجودة، لا أن تمنعها بطرق غير دستورية غير اقتصادية. علينا أن نسعى إلى هذا النمط من التعليم وأن نوفره لمن يريد، تماماً كما نوفر للمسيحيين كنيسة، وللشيعة حسينية ومسجداً، وللسنة مسجداً.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *