د. شفيق ناظم الغبرا

عقدة التعليم المشترك وقانون الفصل في الكويت

نعيش في الكويت سيطرة غريبة للموروث، كما نفسره بصورته الشكلية، بعيداً عن الواقع بصورته الحقيقية. الحقيقة التي نعيشها في الكويت توشك أن تتحول إلى انفصام. فواقعنا مليء بمتناقضات كثيرة، ففي الشكل نتحدث عن فصل التعليم بين الأولاد والبنات في الجامعة، ومحاولة فصل التعليم في المدارس ذات المنهج الأجنبي، ولكن في الحقيقة نخلق تراجعاً في التعليم المشترك لصالح استمرار الاختلاط.  الشاب والشابة في المجتمع الكويتي يتحدثون في كل موقع خارج قاعات الفصل، عبر الإنترنت والهاتف النقال وليس في القاعات الدراسية. إنهم عملياً يتحدثون سوياً في الكثير من المواقع إلا في التعليم الحقيقي الهادف والمسؤول. هكذا بسبب هذا القانون الضعيف وغير الإسلامي نساهم في تراجع التعليم. بمعنى آخر إن عملية الفصل في الجامعات والتي تهدف إلى خلق فصل كامل في المجتمع بين الرجال والنساء قد فشلت، وهي في طريقها إلى التراجع، هي لا تتناسب مع العصر، كما أنها ليست من الإسلام في شيء. حتى في جامعة الكويت التي يقال إنها منفصلة، هناك حالة من التعليم المشترك، بعيداً عن أعين المجلس والحكومة والقانون، وذلك لضمان تخرج الطلبة الذين كثيرا ما يتأخر تخرجهم بسبب قلة الشعب المخصصة للشباب. المشكلة التي خلقها القانون ستزداد تعبيرا عن ذاتها وذلك بسبب عدم منطقية وعقلانية قانون الفصل. وهذا يعني حتمية سقوط القانون آجلاً أم عاجلاً بسبب عدم منطقيته وضعفه.
في البلدان الأخرى في العالم يقع التعليم المشترك في المدارس وفق احتياجاتها، والمدارس هي التي تقرر إن كانت تريد أن تكون مختلطة أم منفصلة، لا يوجد قانون يفرض هذا الأمر عليها. هكذا تحترم تلك المجتمعات حرية المجتمع في تقرير شكل التعليم الذي يريده وفق مواصفات تضمن الجودة. العقلانية التي تمارس في القانون العالمي حول التعليم المشترك لا تتناقض والإسلام، ولكن الذي يتناقض والإسلام هو التفسير الضيق للإسلام بصفته ضد الإنسان وطبيعته. الإسلام ليس ضد الدولة المدنية، وليس ضد الدولة التي تتخذ من العقل ومصلحة المسلمين في كل شأن من شؤون الدنيا مرجعية لها. الإسلام العصري لا يمكن أن تكون مرجعيته قوانين الدولة الإسلامية قبل مئه عام أو قبل ألف عام، بل يجب أن تكون مرجعيته قوانين الدولة اليوم التي تستند لدنيانا، ولظروفنا، واحتياجاتنا ولكيفية تعايشنا مع عصرنا بصفتنا مواطنين ومسلمين بما يسمح لنا بالتطور والارتقاء.
إن قانون منع التعليم المشترك هو أحد هذه القوانين غير العقلانية التي أقرها البرلمان الكويتي. وكما تؤكد تجربة الكويت وكل تجربة ديموقراطية لا يوجد ضرر من تجربة ما غير عقلاني وخاطئ، ولكن الخطأ الأكبر أن نستمر في سياسة ثبت فشلها، وثبت أنها لا تمنع الاختلاط بل تضر بالتعليم، وثبت أنها لا تصب في تطوير التعليم. بل ثبت أن هذه السياسة تساهم في تغريب الشباب والشابات عن الحياة التي سيمارسونها بعد تخرجهم. وثبت أن منع التعليم المشترك أمر مصطنع وغير حقيقي وان الاختلاط حاصل هنا وهناك، وفي البر والجو، وفي الجامعة، وفي السوق، والعمل، وفي البرلمان، و«المارينا» وفي كل مكان. الحديث عن منع الاختلاط وهم يراد من خلاله إضفاء شكل سياسي وديني على مضمون غير موجود. في هذا الكثير من التناقض وتأكيد لعقلية الانفصام التام بين ما نفعله وبين ما نقوله وبين ما نعلنه وبين ما نمارسه.
إن التحرك لإلغاء قانون الفصل هو تحرك إسلامي هدفه عقلنة القوانين وتحويلها لقوانين تساهم في تقدم البلاد وتطور تعليمها. أليس كل ما يساهم في تطورنا جزءاً لا يتجزأ من الإسلام؟ أليس الإسلام دين علم ونور ويسر وعدالة ودينا قادراً على التأقلم مع شؤون العصر وضرورات المرحلة؟ لماذا يأخذ البعض الإسلام باتجاه صراع مع الواقع والتطور والدولة المدنية؟

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *