د. شفيق ناظم الغبرا

الاختلاط في التعليم العالي… مخاطره وضرورة السماح به

إن قانون منع الاختلاط في التعليم العالي يجب أن يتغير لصالح السماح بالاختلاط، وذلك بعد أن جربت الكويت هذا القانون على مدى الأعوام، وتبين فشله الكامل من وجهة النظر التربوية والتطبيقية. في الوقت نفسه يجب ترك الباب مفتوحاً لمن يريد إقامة تعليم خاص غير مختلط بحيث تتوافر لجميع المواطنين والوافدين على اختلاف قيمهم الخيارات المختلطة المناسبة في التعليم في الكويت، إذ لا يعقل أن تكون الكويت قادرة على إرسال آلاف الطلاب والطالبات إلى جامعات مختلطة في جميع دول العالم، بينما تتشدد في التعليم الخاص والتعليم العالي الحكومي تجاه هذه المسألة في الكويت. إن التعليم الجامعي في الجوهر هو تحضير للشبان والشابات للعمل جنباً إلى جنب في بناء الوطن والمستقبل. فكل ما يقع بعد التخرج يستند على الاختلاط بين الناس رجالاً ونساء. إن التعليم العالي هدفه أن ينجح الشبان والشابات بتعلم كيفية التحدث أمام المجتمع كله، وفي كيفية قيادة مشروع أمام فريق مكون من الرجال والنساء. في الحياة المهنية تتعلم الشابة كيف تقود فريقاً من الشبان ويتعلم الشاب كيف يقود فريقاً من السيدات. أليس هذا ما حاصل على أرض الواقع؟ هكذا نتساءل ما علاقة التعليم بواقع الحياة؟
ولكن الذين منعوا الاختلاط تخوفوا أساساً من العلاقات الحميمة التي يمكن أن تنشأ بين الشابات والشبان بسبب الاختلاط في التعليم. ولكن عدم الاختلاط أو السماح به لم يغير من هذا الأمر. بل لو دققنا جيداً في هذه المسألة لوجدنا أنها لم تقل، بل ازدادت، وأن الاختلاط أو عدمه، لن يغيّر من هذا الأمر، وذلك بسبب توافر عوامل عدة أخرى تساهم في هذا الأمر، ومنها أثر التلفزة والإنترنت والموبايل والسيارة، إضافة إلى توجه الشباب والشابات إلى مزيد من الاستقلالية، وتغير الكثير من القيم في شأن العلاقة بين الجنسين. هذه العوامل بعضها مرتبط أيضاً بتأثيرات خارجية وأخرى داخلية، ولا علاقة للاختلاط بها. إن العلاقات الحميمة تبقى أمراً فردياً للغاية، ولا يمكن معاقبة مجتمع بكامله أو جيل كامل بسبب هذه العلاقات التي تقع في أكثر الأماكن فصلاً وفي أكثر الأماكن تحفظاً. إن الأساس في ما يقع أو لا يقع الجانب الأخلاقي ومدى الحصانة التي يملكها الشاب أو تملكها الفتاة. لهذا فحجة العلاقات الحميمة لا تصمد عند التمحيص. أما الحجة الدينية فهي الأخرى ضعيفة مثل سابقتها حجة عدم إعطاء المرأة حقوقها السياسية لأسباب دينية إسلامية. فديننا الإسلامي لم يمنع الاختلاط الذي يهدف للعلم أو العمل أو الإنجاز. بل إن الاسلام فرّق بين الاختلاط، وهو طبيعي، وبين الخلوة، وهي أمر آخر يقع بين اثنين بهدف مختلف.
إن الذين يتساءلون دائماً لماذا تأخرت الكويت وتقدمت دول خليجية عليهم أن يتساءلوا عن الجمود الديني والقانوني. لنتساءل ماذا تفعل دول عربية وخليجية وإسلامية مثل قطر أو الإمارات. لقد افتتحت في تلك الدول جامعات عالمية متميزة، مثل جورجتاون، وكورنيل، وكارنيغي ميلون، والجامعة الأميركية في الشارجه، وجورج مايسون. فهل قامت تلك الدول التي يتميز مجتمعها بالمحافظة بفصل الطلاب عن الطالبات؟ بل على النقيض نجد أن تلك الدول قد أمنت خيارات للجميع واعتمدت على بناء جامعات حديثة ومناخ طلابي مختلط.
إن الفصل ومنع الاختلاط يضر بالجيل الصاعد، فهو يزيد من تكاليف التعليم الجامعي، مما يرهق كاهل الأهل في الجامعات الخاصة، كما أنه يمنع الطلاب والطالبات في الجامعات الحكومية والأهلية من توافر الشعب المناسبة للتخرج. إن منع الاختلاط يخلق مناخاً بوليسياً، وكأنه لا هم للإدارة الجامعية أو إدارة المؤسسات الرسمية سوى متابعة هل تقف فتاة إلى جانب فتى أو تتحدث فتاة مع فتى، بينما يتحدث المجتمع كله إلى بعضه البعض خارج أسوار الجامعة. وهل من المنطقي أن نرى قسماً من مكتبة للطلاب وآخر للطالبات بين العلوم تدعو للوحدة وعدم التجزئة وعلى حصول المعلومات بلا حواجز. بل الأغرب أن تكون قهوة ستارباكس أو غيرها من أماكن التجمع خارج أسوار الجامعة ملتقى للطالبات والطلاب، بينما الجامعة مكان للفصل والخوف من التواصل.
الجامعة ليست سجناً. الجامعة تجمع بين الأجناس وبين الناس وبين العلوم والمعارف والخبرات لتخرج إنساناً أكان رجلاً أم امرأة، جامعاً في معرفته وتجربته، تواقاً للبدء في حياته العملية والحياتية. الجامعة تجمع ولا تفرق، تضم ولا تعزل، تفرح بتعليم طلابها وطالباتها أسس الحياة ومهارات النجاح.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *