كما أشرنا سابقاً، فإن صحيفة المدينة أرست البناء الدستوري لكيان دولة متكاملة في شأن السلطة السياسية بتفرعاتها الثلاثة، وهي أيضا اتسمت بقيمتها التأسيسية، لكونها وثيقة أولى تشتمل على أساسيات الحقوق والحريات أو حقوق المواطنة.
فقد أرست هذه الصحيفة (هذا الدستور منذ السنة الأولى للهجرة، أي عام 623) حقوقاً متكاملة، هي:
حق المواطنة والانتماء إلى الوطن لجميع سكان المدينة دون غيرهم ممن ليسوا جزءا من هذه الدولة الجديدة «إنهم أمة واحدة من دون الناس».
متابعة قراءة دولة المدينة المدنية (6) وثيقة للحقوق والحريات
الوسم: دولة المدينة المدنية
دولة المدينة المدنية (5): البناء الدستوري
لا مشاحة أن «صحيفة المدينة» إنما هي وثيقة مرجعية دستورية، أقامت «سلطة سياسية»، وحددت «المدينة» الأرض لتسري عليها أحكامها، وأعلنت «الشعب» بكل مكوناته، وجسّدت «المواطنة» وعينت بها «الحقوق والواجبات العامة».
ونبرز هنا نوع وطبيعة السلطة السياسية التي أقامتها الوثيقة الدستورية الأولى في العالم، وهي «صحيفة المدينة».
فقد أوردت الصحيفة خمسة بنود مهمة تحدد تكوين وتنظيم السلطة السياسية التي تتولى إدارة الحكم في دولة المدينة على النحو التالي:
وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد.
وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد. متابعة قراءة دولة المدينة المدنية (5): البناء الدستوري
دولة المدينة المدنية (4): «صحيفة المدينة» أول وثيقة دستورية
وضع محمد (صلى الله عليه وسلم)، في أول خطوة لبنائه الدولة الجديدة، حجر أساس «وثيقة المدينة»، وهي أول وثيقة دستورية مكتوبة في العالم، تستجمع لها كل خصائص وأركان ما نسميه «وثيقة دستورية» في وقتنا المعاصر. ولا بد أن نسجل وندرك عظمة الإسلام وعبقرية رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم)، في خطوة وضع هذه الوثيقة، إذ لم يقل ولم يكتف. محمد (صلى الله عليه وسلم) بأنه نبي الله ورسوله، وهو يتنزل عليه الوحي بالقرآن الكريم، ليكتفي، ويقول إن «القرآن دستورنا»، وإن سنتي هي «دستورنا»، كما ينحو البعض لذلك، بل إنه رغم كل ذلك وعلمه وفضله ومكانته، التي لا يضاهيها «عالم» في الإسلام ولا يجاريها «فَق.يه» ولا يبلغها «حاكم»، وضع «صحيفة المدينة»، معلناً أنها «مرجعية الدولة الجديدة»، أي دستورها، مدركاً أنه يقيم دولة مدنية في المدينة يجتمع فيها كل الناس وسيلتحقون بها، مما يحتم أن تكون لها وثيقة مرجعية تؤسس «سلطة سياسية»، وتتحدد فيها معالم إقليم «الأرض» التي تسري عليها أحكامها «المدينة»، وتعلن من خلالها «المواطنة»، وتترتب بها «الحقوق والواجبات العامة» للشعب والمواطن، فكانت «هي تلك الوثيقة الدستورية المبهرة التي سبق فيها الفكر الإنساني مئات السنين»، جاءت وثيقة طوعية بلا صراع ولا معاناة، بإيمان حاكم منصف، لا بتفضل ولا منّة، جاءت عادلة متوازنة شاملة لم تنتقص حقا، ولم تهمل دينا أو فئة أو أقلية، بل كانت مجارية للواقع ومتجاوبة مع أوضاعه، فهي للمسلم مثل الكافر واليهودي كما النصراني، وسكّان الأرض الأصليين كما المهاجرين، والعرب كما غير العرب، والرجال كما النساء، فكانت بحق دستور «دولة المدينة المدنية». متابعة قراءة دولة المدينة المدنية (4): «صحيفة المدينة» أول وثيقة دستورية
دولة المدينة المدنية (3)
بعد أن استقرت ركائز دولة المدينة الجديدة، بدأت أولى خطوات بناء دولة مدنية متكاملة تلتزم مبادئ إسلامية وإنسانية وحياتية غير مسبوقة في تكريس فريد للدولة بمفهومها الصحيح، الذي أكد طبيعتها المدنية في شتى المناحي، وصارت نموذجاً للباحثين عن دولة الامن الشخصي والمشروعية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون.
متابعة قراءة دولة المدينة المدنية (3)
دولة المدينة المدنية (2)
((لقراءة الجزء الاول اضغط هنا))
محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن في أي لحظة من لحظات حياته مماثلاً لغيره من بني البشر، ففي تأملاته العميقة، بحثاً عن الحق، نزعة فريدة لشخصية مختلفة، وفي عزلته وتعبده في صومعته الخاصة في غار ثور قبل نزول الرسالة عليه، ما يكشف عن صفاء فطرة أصحاب البصيرة والعقول الراجحة، الذين هو على رأسهم صلى الله عليه وسلم، كما في حكمته الحاذقة بعلاقته بقومه ورجالات عصره ما حملهم إلى الثقة به والتقرب لنبل نزاهته وجلالة أخلاقه، وقبولهم له حكماً بينهم، لا يراجعونه في رأي، ولا يحيدون عما يقضي به أو يقول. فقد كانت تتكون فيه شخصية ربانية تتهيأ للقيادة وليست فقط للرسالة والنبوة، فقد انعكست حالة الانفتاح التي يعيشها أهل مكة وبنو قومه، والمتمثلة باستقبالهم للعديد من القبائل والشعوب في مواسم الحج للكعبة، وتقديم الخدمات لهم ورعاية مصالحهم، وأخذ ذلك أبعاداً إضافية في تجارة قومه مع شعوب وقبائل عديدة، في ما اشتهر في التعبير القرآني البليغ برحلتي الشتاء والصيف، في إكساب شخصه أبعاد التعايش المنفتح على الآخرين، والقادر على استيعابهم، والنجاح في القضاء على اختلافاتهم وصهرهم في نسيج واحد يعضد بعضه بعضاً.
متابعة قراءة دولة المدينة المدنية (2)
دولة المدينة المدنية
في خضم أحداث يومية مؤلمة متلاحقة تسيء الى الإسلام والمسلمين، ومع تعاظم حالات الفتنة المرتبطة بفهم وقصور لدى البعض بشأن الدين والدولة في الإسلام ومحاولة فرض الانفصام بينهما، أو عزل الدولة بغلاف ديني يقصيها عن الواقع لاستباحة دماء النفس الإنسانية واستباحة وهدم وإلغاء ما بنته الحضارات والأديان الأخرى بفكر متحمس منحرف، وفي خضم تكريس اجتهادات وتفسيرات فكرية لما هو الإسلام وما هي دولته اختلطت فيها مشاعر الاضطهاد والظلم واليأس وقلة الحيلة وضحالة في العلم الشرعي أو تسخير منحرف مقصود للدين بانتقاء مفاهيم محددة ووضعها خارج سياقها من أنصاف العلماء. ومع تزايد التحريض بحملات تسعى لهدم ركائز الإسلام والقضاء عليه تحت ستار محاربة التطرّف أو الإرهاب بتخطيط غربي وصنائع يشترك فيها بنو ظهرانينا من المسلمين بمجاميع متطرفة ومنحرفة كما هو بـ «داعش»، وتنادي التيار الليبرالي المستمر بطرح فكرتي الدولة الدينية والدولة المدنية على أنهما حقيقتان لا تلتقيان بدولة واحدة، أجدني ممسكا بقلمي ومجتهدا لبيان أن دولة المدنية أرسيت بالمدينة، كما كانت تماما دولة دينية وهما قد انصهرتا ببعضهما بعضا بأسس وحقائق لا تنفصم ولم تسم يوما لا بدولة الإسلام ولا دولة الدين، وإنما كانت دولة المدينة المدنية، وهو ما يتطلب مثل هذه الكتابة لبيانها تتابعا رفعا للبس وسوء الفهم والتشويه.
متابعة قراءة دولة المدينة المدنية