احمد الصراف

بداية سقوط المتاجرة بالدين

قام نائب سابق، ينتمي لسلف ما، قبل سنوات باستخدام نفوذه النيابي، كغيره من النواب، بالحصول على قطعة أرض كبيرة من الدولة في العارضية، مقابل إيجار رمزي، وسجل حق استغلالها باسم شركته الخاصة التي لم يزد رأسمالها على 250 ألف دينار. وتمكن، وأيضا بنفوذه السياسي والديني، من استخراج ترخيص بناء مجمع ضخم عليها يخصص لغرض وطني نبيل يتمثل في توفير ورش ومعارض لخريجي المعاهد التطبيقية! وبما أن الطبع يغلب التطبع، فقد قام النائب بتحويل شركته الخاصة لمساهمة عامة برأسمال 20 مليون دينار مدفوع منها نقدا 200 ألف دينار فقط، والباقي حصة عينية تمثلت في «حق الانتفاع» بمشروع المجمع الحرفي «الإنساني الوطني»! إلى هنا والأمر شبه عادي، مع التحفظ! ولكنه، وبكل نفوذه السياسي والديني وصلاته بالكبار، قام بتغيير الغرض من المبنى من مشروع وطني لخريجي المعاهد، إلى مجمع تجاري كبير! كما نجح بنفوذه، وخراب ذمم بعض كبار البلدية، وجهات حكومية أخرى، وهو الرجل الشديد التدين، كما يشي مظهره، بزيادة مساحة البناء الإجمالية من 111 ألف متر إلى 307 آلاف متر مربع، وهذا دفع الجهة الاستثمارية التي سوقت المشروع، الى تقدير قيمته بأكثر من 84 مليونا، والى بيع نصفه لمستثمرين آخرين! كما زادت قيمة المشروع مع قيام المستثمر بإضافة مبنى جديد له وزيادة عدد المحلات من 240 الى أكثر من 1500 محل، مخالفا بذلك كل شروط عقد الإيجار والتراخيص الأولية. كما استخدم نفوذه، مستغلا خراب الذمم، في تخفيض مواقف السيارات إلى 1090 موقفاً بدلا من 1740 المطلوبة من الدولة! ولم يتردد في إضافة مواقف لـ 784 سيارة أخرى خارج المشروع، وعلى أرض لا تخص المشروع أصلا!
كل هذه المخالفات المخيفة والمؤسفة وحتى الحقيرة لم توقف المشروع، الذي استمر شاقا طريقه محققا للمستثمر عوائد لم يكن يحلم بها، ولكن «شيئاً ما»، ربما له علاقة بـ«دهان السير» تسبب في سحب المشروع من المستثمر، فدخل هذا في نزاع قضائي مع هيئة الصناعة استمر لسنوات لينتهي أخيراً بصدور حكم التمييز بفسخ عقد المشروع ورفض الدعوى المقامة منه، وهنا حرم الرجل الوقور من تحقيق عشرات ملايين الدنانير من الربح السهل من المال العام، هذا غير انكشاف محاولته في استغلال حاجة الشباب لورش ومحلات، و«التكشيت» فيهم بعدها! وقد دفعت هذه الخسائر الكبيرة النائب السابق ليصبح معارضا شرسا للحكومة طوال سنوات نظر القضية، ممنيا النفس بأن الحكومة ستحاول كسب وده بتنازلها عن القضية، ولكن لم يحدث شيء من ذلك. ونحن بالرغم من كل انتقاداتنا للأداء الحكومي نشد على يدها في هذا الموقف، ونتمنى أن نرى موقفا يماثله يشمل كل المخالفات الكبيرة الأخرى، كمشروع اللجنة الأولمبية!

أحمد الصراف

سامي النصف

التجربة الخليجية أم العربية في الطيران؟!

بعكس العلوم الانسانية الاخرى من طب وهندسة وأدب وشعر وكيمياء وفيزياء مما تصنف بأنها علوم انسانية قديمة عمرها آلاف السنين وان تطورت تباعا مع الزمن، يبقى علم الطيران علماً حديثاً جدا لا يزيد عمره عن عقود قليلة، لذا لا يوجد الا قلة من المختصين فيه بالعالم ممن يستطيعون التعامل مع أموره الفنية والاقتصادية ..الخ.

****

وقد كان النظام التقليدي المتبع في شركات الطيران حتى بداية الثمانينيات هو الشركة المالكة لكل شيء فلديها هناغر للصيانة وشركات اغذية ومراكز تدريب واسواق حرة، واحيانا سلسلة فنادق وشركات تأجير سيارات، وبقي مثال الشركة الكبيرة موازيا لمثال الحكومة الكبيرة حتى وصلت الانسانية لحقبة الريغانية ـ التاتشرية المؤمنة بالحكومة الصغيرة وإلغاء القيود (DE-REGULATION) فتغير الحال وابتدأت تجربة تخصيص شركة الخطوط الجوية البريطانية على يد لورد كنغ التي قامت على فصل العمل الاساسي عن الاعمال المساندة وتحديث الاساطيل والتخلص من العمالة الزائدة وخلق مراكز ربح تدعم عملية «النقل الجوي» التي لا يزيد هامش الربح فيها بالعادة عن 1% وغيرها من امور عمل بها فيما بعد بالكثير من الشركات الاخرى.

****

وشهدت منطقتنا بعض تجارب التوجه للخصخصة الناجحة، وان لم يكتمل مسارها بالضرورة أي تسليمها للقطاع الخاص بل تم الاكتفاء بالتحول للربحية او حتى تحمل خسائر قليلة ومن الامثلة الناجحة تجربة «الملكية الاردنية» التي قام بإعادة هيكلتها فريق قاده سامر المجالي و«الميدل ايست» بقيادة محمد الحوت ومثلهما ما يقوم به الاخ مروان بودي في «الجزيرة»، حيث قام معطى الربحية على العمالة قليلة العدد وتأجير الخدمات بدلا من حيازتها والتشغيل بطائرات صغيرة على المحطات القريبة وهو ما ثبت نجاحه في وقت اختفت فيه شركات طيران عملاقة كانت تجوب العالم مثل «Twa» و«Panam» الاميركيتين وغيرهما.

****

في المقابل هناك تجربة «الاماراتية» و«القطرية» و«الاتحاد» التي تقوم على التركيز على خدمة بلدانهم وتسويقها كمراكز مالية في مشارق الارض ومغاربها أكثر من البحث عن الربحية السريعة، وان اعتمدوا على تشغيل كفؤ يقوم على طائرات حديثة قليلة استهلاك الوقود وعمالة قليلة، وان ما يتم فقده من ربح لدى النقل يعوضه ما يدفعه المستثمر او السائح في البلد وهذه بالطبع نظرية تتعارض وتتناقض مع نظريات الخصخصة السريعة حيث لا يقبل القطاع الخاص تقبل الخسائر الذاتية لاجل تربيح الدول.

****

آخر محطة:

1 – هناك قول لدى العرب يرى البعض انه حديث شريف والبعض الآخر انه قول مأثور نصه «خير الأمور أوسطها» أي ان الافضل ان تأخذ امرا بين الأمرين.

2 – وهناك قول لدى الانجليز نصه «Liberal Economy Is Good, But Ultra Liberal Economy Is bad» والترجمة المجازية لهذا القول هي ان الليبرالية الاقتصادية امر جيد، اما الليبرالية الاقتصادية المتوحشة التي لا قلب لها والتي لا تراعي الظروف السياسية والاجتماعية للبلدان فهي امر سيئ.. والله أعلم!

احمد الصراف

كلمة في هيئة صالح الفلاح

ورد في القبس في 6 مارس أن هيئة اسواق المال، التي يرأسها السيد صالح الفلاح، بمفوضيها ومستشاريها وقانونييها، ومن لف لفهم، احتاجت نحو سنتين لتفهم أنها غير قادرة على خصخصة البورصة، وفق قانونها! وأن سنتين كاملتين مرتا لفهم مواد قليلة جدا، وهذا مؤشر مقلق للغاية! وانتظرت بعدها لعدة أسابيع، بعد كتابة هذا الاتهام الخطير من القبس للهيئة، لأسمع ردا منها، ولكن لا متحدث عنها رد، ولا رئيس مفوضيها شغل نفسه بشرح الوضع، بالرغم من كم «الاتهامات» الصريحة والتقصير الفاضح الذي تضمنه المقال/ التقرير الذي غطى نصف صفحة، من الانتقادات المتعلقة بالاهمال والتجاوز، وما تسببت فيه قراراتها من ضياع ملايين الدنانير من المال العام من دون فائدة، على خبرات وخبراء! وبالتالي يحق لنا الافتراض بان ما ورد في التقرير صحيح، ولو في جزء منه! وهذا يعيدنا للنظر في الطريقة الغريبة التي تقوم فيها الحكومة باختيار كبار إدارييها. فقد عرض منصب رئيس مفوضي أسواق المال على 81 مرشحا من اصحاب الكفاءات، ولكن جميعهم رفضوا المنصب لوجود مثالب كبيرة في العرض! وبدلا من ان تعيد الحكومة النظر في شروط الوظيفة ومتطلباتها، قامت باختيار اسهل الطرق وعرض الوظيفة على من قبلها، وليس بالضرورة على الأكثر كفاءة!
وهنا أقر بأنني احترم الأخ صالح الفلاح، واقدر أفكاره الخاصة وانفتاحه، ويكفي أنه شغل عدة مناصب حساسة ماليا، ومع هذا لم تشب ذمته شائبة في يوم من الأيام. فقد عمل رئيسا، ممثلا للحكومة، في بنك الكويت والشرق الأوسط في الثمانينات، ثم اصبح بعدها، كما اذكر، عضوا منتدبا في الهيئة العامة للاستثمار، ليأتي وزير المالية في حينه (2003)، ويطلب إزاحته، وربما لعدم استلطافه! ليعين بعدها رئيسا للبورصة، وربما كان ذلك عام 2006! ثم تأتي الحكومة، وبعد مخاض طويل وعزوف كثيرين عن قبول المنصب، وتعينه رئيسا لهيئة مجلس مفوضي أسواق المال، لأنه ربما كان الوحيد الذي قبل بشروط العرض، علما بأن هيئة السوق جهة رقابية ذات صلاحيات كبيرة، وتتطلب من رئيسها قدرا كبيرا من الشفافية والأمانة، والبعد عن اي تعامل تجاري أو استثماري، وقدرة عالية على التطوير والتغيير والإبداع. وأستطيع القول، من خلال مواكبة متواضعة لمسيرة الرجل، أنه من كبار المؤمنين بنظرية «لا تعمل، لن تخطئ، لن تحاسب»! فعدم الحركة يؤدي غالبا لعدم لفت أحد له، ويبعد «الحساد»! وبالتالي ستكون الأخطاء الإدارية شبه معدومة! هكذا كانت سيرة السيد الفلاح في البنك، وربما في مختلف المناصب «المهمة» الأخرى التي تقلدها، اي دخول المنصب والبقاء فيه من دون حراك، ثم تركه كما كان دون أي تطوير أو تعديل! وبالتالي لن استغرب إن أعفي مستقبلا من وظيفة كبير مفوضي السوق، وعين وزيرا للمالية.. مثلا!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

تجربة الإسلاميين في المغرب

يدعي بعض غلمان العلمانية ان الاسلاميين فشلوا في اول تجربة لهم في الحكم، حيث عجزوا عن تدبير وادارة شؤون البلاد التي حكموها مثل مصر وتونس! واليوم سنبدأ سلسلة مقالات لتفنيد هذا الادعاء الباطل بالادلة والشواهد، ابتداء من تجربة حكم الاسلاميين في المغرب مرورا بتونس ثم مصر.
يكفي التيار الاسلامي في العالم العربي فخرا انه لم يصل الى الحكم الا عن طريق صناديق الاقتراع بعملية حرة ونزيهة، على الرغم من سيل الاباطيل التي ساقها عليه الاعلام الفاسد المعادي للدين ولكل من يتبناه، وهذا عكس عقود من الزمان حكمت فيها تيارات علمانية الدول العربية بالحديد والنار تارة، وبانتخابات صورية ومزيفة تارة اخرى، كانت نتيجتها مزيدا من التخلف والعيش في ظلام الجهل لعدة اجيال متعاقبة!
عندما بدأت رياح الربيع العربي تهب على المنطقة العربية نتيجة عصور من القهر والظلم عاشتها الشعوب ولم تعد تحتمل المزيد منها، بدأت العروش تتساقط واحدا تلو الاخر، وفرح المخلصون بهذا التغيير واغتاظ المبطلون الذين كانوا يقتاتون على موائد اللئام المنهوبة من اموال الشعب العامة، وارتعد المرجفون من اشباه الظلمة وناهبي مقدرات الامة، خوفا من هبوب هذه الرياح عليهم فتقتلع ما تبقى من ملكهم العضود! عندها توجه الشعب في معظم هذه الدول الى السجون ليخرجوا من كان فيها من مظلومين، تم تقييد حريتهم فقط لانهم قالوا كلمة حق عند سلطان جائر من اجل رفع الظلم عن شعوبهم المقهورة، ونقلتهم شعوبهم الى سدة الحكم عن طريق انتخابات حرة نزيهة شهد بنزاهتها العدو قبل الصديق! ولكن اهل الباطل لم يقبلوا بالنتيجة، لانهم تعودوا على العيش بين ظالم ومظلوم، لذلك سعوا لافشال اول تجربة في مصر عن طريق الاعلام المأجور وبلطجية فلول النظام السابق، وسنعود في مقال آخر للحديث عما يجري في مصر وكشف محاولاتهم اليائسة والفاشلة لاسقاط العملية الديموقراطية واعادة حكم العسكر!
المغرب اول دولة نأخذها كمثال على نجاح الاسلاميين في الحكم، عندما تكون الامور مستقرة ويكون الشعب بكل فئاته يحترم نتائج العملية الديموقراطية، ففي هذه الدولة المطلة على المحيط في اقصى العالم العربي غربا، لم يمنع الموقع البعيد رياح التغيير من الوصول اليها، لكن الملك هناك كان اذكى من غيره ممن سقط امام عينيه ولم ينفعه عسكره ولا معاهداته مع اميركا وولاؤه المطلق لها من السقوط في مهملات التاريخ، حيث بادر باحترام ارادة الامة، واعلن تنازله عن بعض صلاحياته التشريعية والتنفيذية التي اصبحت بيد مجلس نواب يتم انتخابه مباشرة من الشعب، واعطى للشعب اختيار رئيس الحكومة من حزب الاغلبية، بعد ان كان هو من يختار هذا الرئيس، وشيء طبيعي ان يفوز الاسلاميون المحسوبون على تيار الاخوان المسلمين بالانتخابات عندما تكون حرة ونزيهة لانها ارادة الشعوب!
قام الاسلاميون بتشكيل حكومة واشركوا معهم عددا من الاحزاب الاخرى مع قدرتهم بتشكيلها من دونهم، وعالجوا من اليوم الاول مشكلة الميزانية وحرية الصحافة وتنظيم حق التظاهر والاعتصامات ووضعوا آليات لتنشيط الاقتصاد، بدأت نتائجها الايجابية بالظهور، ووضعوا حلولا لمدن الصفيح التي تشوه جمال العاصمة، وبنوا مساكن لهم ووضعوا اللبنة الاولى لعلاج مشاكلهم مع جيرانهم الاسبان والجزائر وموريتانيا، وامور كثيرة لا يسع المجال لذكرها، وهم في بداية عامهم الثاني.
خلاصة القول ان الاسلاميين عندما يجدون ارضا خصبة ينجحون بالعمل الجاد المثمر الذي يؤكد مصداقيتهم ووعودهم لشعوبهم، ولكن عندما يجدون خصومهم حولوا ارضهم الى ارض «صبخة»، فانهم يحتاجون وقتاً لعلاج الصبخ واستصلاح الارض ثم زراعتها، الملك محمد السادس بعد الاصلاحات التي جاءت بالاسلاميين اصبح مجمعا عليه بعد ان كانت التظاهرات الاولى في الرباط تنادي «الشعب يريد اسقاط النظام»، والاسلاميون بدأوا بعلاج المشاكل الكبرى التي يئن منها المجتمع، واجلوا القضايا الاخرى الى ما بعد استقرار الامور، واصبح الناس يثنون على ادائهم ويتباشرون خيرا بهم، ولقد قدر الله لي ان اجلس مع وزراء الاعلام والمالية والتربية، واستمع الى خططهم المستقبلية لدفع التنمية في بلادهم، فأدركت ان هذا التيار لو يعطى الفرصة لفعل الاعاجيب، ولكن قدر الله فوق كل قدرة.

سعيد محمد سعيد

«أرزاق» شيوخ الطين!

 

لا يجب بأي حال من الأحوال، أن نشنَّ هجوماً ونقداً لاذعاً لمن يسمون أنفسهم (شيوخاً وعلماء طين) ممن يكسبون رزقهم من إثارة الفتن والنعرات الطائفية بين أبناء الأمة الإسلامية طالما أن رزقهم هذا يضمنه لهم ولي الأمر! فالأولى ثم الأولى أن توجه الانتقادات والأقلام والكتابات وتأليف الكتب والأبحاث والدراسات إلى أولياء الأمر الذين «يدسّمون» كل «شيخ طين» أجاد دوره في بث الفتن… أليس كذلك؟

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بتلقائية هو: «إذا كان أولياء الأمر من حكام الأمة لا يرتضون إثارة الفتن والعصبيات المذهبية ويشمرون عن سواعدهم بغضب ليحذروا من يقع في ذلك المستنقع من علماء الطين؛ لماذا إذن نجدهم في كل البلدان الإسلامية يسرحون ويمرحون ويقربهم هذا السلطان وذاك الوالي وهذا الرئيس؟ أليس للحكومات هنا دور مشجّع؟».

ومن بين الإجابات المقنعة ردّاً على ذلك السؤال، ما قرأته من أطروحات جميلة للباحثة والكاتبة والإعلامية السعودية نوال موسى اليوسف في حوار عميق مع مركز آفاق للدراسات الإسلامية، ففي تعليقها على قرار إغلاق القنوات التي تثير الطائفية، تشدد على أن ذلك القرار ليس كافياً لمنع استشراء الكراهية وإثارة النعرات الطائفية؛ وذلك لأن هذه الأزمة الطائفية منذ نشأت لم تتقهقر بفعل تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبفعل تطور المجتمعات الإنسانية في العالم الثالث وتطور الحضارات وإتقانها، بل إن هذه الكراهية قابلة للعديد من الاحتمالات التي يمكن أن تتعدّد السيناريوهات المستقبلية للأوضاع في العالم الثالث.

اليوسف وضعت السيناريو الأول وهو بقاء وازدياد قدرة ذوي النعرات الطائفية على السيطرة على زمام الأمور وخصوصاً من جانب المتطرفين والمتشددين، بالإضافة إلى عدم اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة الطائفية من قبل الحكومات في العالم الإسلامي. فالباحثة كانت مدركة لدور تلك الحكومات بل وأضافت اليها حالة فقدان الثقة بحكام ورؤساء الأنظمة العربية والإسلامية، وانخفاض درجة ومستوى القبول العام بهذه الأنظمة حول العالم العربي والإسلامي، وارتفاع وزن الجهاديين والمتطرفين نسبيّاً وخصوصاً لفئة القوى الإسلامية والفكرية والإعلامية المتشددة، وزادته أن موروث العالم العربي الثقافي لايزال رهين النظرة الأحادية للأنظمة الأحادية، والدين والمذهب الأحادي، والفكر والثقافة الأحادية، ولا يتعامل مع التعددية إلا من خلال الخطب وعلى منابر المؤتمرات والإعلام، وطالما بقيت هذه الأحادية؛ فإن تحقيق العدالة والمساواة بين السنة والشيعة وغيرهم من مكونات التنوع في العالم العربي والإسلامي سلبية في الوعي العربي، لكن هذا التغيير يمكن أن يحصل إذا كان هنالك وعي سياسي لدى الشعوب ولدى قادتها على الأمد القريب والبعيد. (انتهى الاقتباس).

النظرة الأحادية هي أيضاً ملاذ «شيوخ الطين» الذين أسهموا ولايزالون في مضاعفة البلاء في المجتمع الإسلامي، وهم عادةً يصفقون لأولياء نعمهم ولا ضير في أن ينكّلوا بالناس أشد التنكيل، ولعلني أشير إلى وصف شيوخ الطين أولئك من محاضرة قديمة للمرحوم الشيخ الشعراوي متوافرة على «اليوتيوب»

فيها من بين ما قاله (رحمه الله): «خطباء الفتنة الذين رآهم رسول الله (ص) تقرض شفاههم بمقارض من نار، فسأل: من هؤلاء يا جبريل؟، فقال هم خطباء الفتنة الذين يبررون لكل ظالم ظلمه، ويجعلون دين الله خدمة لأهواء البشر، وهؤلاء هم الذين يحاولون أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج الله، فهم يبررون ما يقع، ولا يدبرون ما سيقع… ذلك أن الدين ليس لتبرير أهواء البشر لكن الدين هو لتدبير أمور البشر.

إنهم، أي شيوخ الطين، من الخبث بحيث شجّعوا آخرين معهم للسير في ذلك الفكر الخبيث أيضاً، ليضاعفوا حريق الفتنة الطائفية في المجتمع ويستوردوا بضع أفكار تعينهم على ذلك.

المفكر البحريني علي محمد فخرو، في مقاله القيم: «الانتهازية السياسية في خدمة الفتنة الطائفية»، («الوسط»، 15 مارس/ آذار 2013)، قدّم نصّاً يختصر علينا المسافات: «أن ينجح أمثال المستشرق الصهيوني برنارد لويس في إقناع الدول الاستعمارية الغربية بالعمل الدؤوب لتأجيج الصّراع المذهبي العبثي السنّي – الشيعي فهذا أمر مفهوم ومنطقي! فمن خلال استبدال الصّراع العربي – الصهيوني بالصّراع الطائفي في داخل الإسلام، يعيش الاستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة في سلامٍ وأمن، ويزداد قوةً وتركيزاً في التربة العربية، ومن خلاله أيضاً ينشغل العرب عن المؤامرة الاستعمارية للاستيلاء على ثرواتهم والوجود العسكري والسياسي في أرضهم، وهكذا تكتمل حلقة إبقاء العرب في حالة ضعف وتخلُّف وتمزُّق، وإبعادهم عن مشاريع الوحدة العربية والاستقلال القومي والوطني وبناء تنمية إنسانية شاملة بالاعتماد على قواهم الذّاتية».

لكن حري بنا أن نتعمق فيما قاله فخرو لنعرف خبث مصدر أرزاق شيوخ الطين في قوله: «أن يمتدّ ذلك الفكر الاستشراقي الخبيث، وذلك المنطلق الخطر لأن يتبنّاه بعض العرب وبعض السَّاسة والمفكرين في مؤسسات المجتمعات المدنية، وأن تنفخ في تأجيجه باستمرار، فوق منابر المساجد والفضائيات التليفزيونية، أشكال من القوى السلفية المتزمتة دأبت منذ قيامها على تكفير من يخالف مدرستها الفقهية ومن تعتقد أنه لا ينتمي إلى جماعتها، أن يمتدّ بهذه الصورة المفجعة التي نراها ماثلة أمامنا وبهذا الانتشار الواسع؛ فإنه يصبح كارثة دينية وقومية وأخلاقية… لنتذكر أن الغرب لديه تجربة تاريخية غنيّة في حقل الصراعات الدينية والمذهبية بين مختلف كنائسه المسيحية، وخصوصاً بين الأتباع الكاثوليك والبروتستانت… لقد استمر ذلك الصّراع عندهم سنين طويلة، وقاد إلى موت الملايين، وأكل الأخضر واليابس وأفقر الأوطان والعباد. تلك التجربة هي التي يراد إحياؤها اليوم في أرض العرب والمسلمين». (انتهى الاقتباس).

إذن، ذلك الرزق الخبيث الذي يحصل عليه شيوخ الطين من أولياء أمرهم، يوجب أن ننظر إليه باشمئزاز ورفض؛ لأنهم يأكلون خبيثاً ويريدون لنا – عنوةً – أن ننصاع لأفكارهم الشيطانية… فتعساً لهم ولمن يمدهم بالمال.

سامي النصف

حقائق حول الأسطول الأميري

محزن بحق تفشي ثقافة سياسية فلسفتها أنه لا مانع من التضحية بالحقيقة في سبيل المناكفة أو التحريض أو النيل من الخصم، وإذا قُبل هذا النهج من شاب جاهل صغير السن عديم الخبرة فهل يقبل من مخضرمي السياسة في البلد؟! وأي دروس نرسلها لأجيالنا الواعدة والصاعدة عبر القبول بمثل تلك الممارسة؟!

***

أعداد طائرات الأسطول الأميري ليست سرا ويمكن الحصول عليها عن طريق المواقع الإلكترونية المختصة والتي يمكن للباحث عن الحقيقة ان يصل إليها بسهولة بالغة بدلا من الاستعانة بما تكتبه مواقع الإثارة والكذب والتحريض، كما يعلم بها الشباب الكويتي العامل عليها من طيارين ومهندسين ومضيفين وموظفين، إضافة الى تواجدها الدائم في الساحات المفتوحة للمطار.

***

وواضح من جدول الطائرات الزائف الذي تم نشره ان هناك تكرارا ومضاعفة لأعداد الطائرات لغرض في نفس يعقوب، كما ان هناك ادعاء غير حقيقي بتخصيص هذه الطائرة او تلك لهذه الشخصية او تلك، وقد لا يعلم البعض ان بعض طائرات ذلك الأسطول مصنوعة في الثمانينيات والتسعينيات، لذا فمن الطبيعي ان تتم عملية استبدال لها ولا يعتبر ذلك الإحلال الطبيعي إضافة للعدد الإجمالي بل هو عبارة عن وصول طائرة جديدة لتخرج محلها طائرة قديمة.

***

وطائرات أسطولنا الأميري هي من الأقل عددا واستخداما وتواضعا في تجهيزاتها مقارنة بمثيلاتها في الدول الأخرى، بتجهيزات عادية جدا، كما انها تستخدم لخدمة المواطنين كما تم عندما نقل السيد عبدالله النيباري على إحداها للعلاج في الخارج على اثر الاعتداء الآثم عليه او عند إحضار جثمان فقيد الكويت الكبير ورفيق درب السيد النيباري من الخارج ومئات الحالات المشابهة الأخرى، كما تستخدم طائرة صاحب السمو الأمير في رحلات الركاب العادية وفي حالات الإجلاء السريع للمواطنين، كما تم قبل سنوات من بيروت ودمشق، ولنقل المشجعين لمنتخب الكويت الوطني وجميعها أمور غير مسبوقة في الدول الأخرى.

 

احمد الصراف

الحرص أكثر من واجب

مع الغياب التدريجي للأمن وانحسار الطمأنينة من النفوس واضمحلال البراءة تدريجيا واستمرار ضعف الأداء الحكومي وفقدان الرجاء في تحسّن الظروف الأمنية، مع كل ما أصبحنا نعانيه من مشاكل البطالة والعمالة السائبة والتردد المميت في حل قضايا ومشاكل «البدون»، أصبح لزاما على كل فرد اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه ومن يحب وما يمتلك من اعتداء الآخرين! وهذا لا يتضمن فقط اتخاذ مختلف الاحتياطات السلبية، بل والتقدم خطوة والتصرف بإيجابية من خلال تعلم أساليب حماية جديدة تساعد في العيش بأمان أكثر، علما بأن كل ما سنتخذه من إجراءات سيؤدي حتما إلى رفع تكاليف المعيشة، وهذا ما كان يجب أن يحدث، لولا أننا أصبحنا مجبرين على القيام بالوظيفة الأمنية عن الحكومة، بتكاليف عالية، بدلا من قيام الحكومة بها بطريقة أفضل وأقل كلفة بكثير، ولكن ما العمل والأمل مفقود في تحسن الأداء الحكومي! ومن هذه الأمور مثلا التأمين ضد سرقة المركبات، وهو خطر لم تعرفه الكويت طوال تاريخها بمثل هذا الزخم الحالي، او تركيب كاميرات مراقبة، داخل البيت وخارجه، وغير ذلك من إجراءات أمنية قد تدفع البعض للضحك مثل مشاركة سكان الحي أو الشارع في مراقبته وإبلاغ السلطات الأمنية بأي شك في شخص أو جهة! ولكننا قريبا سنضطر للجوء لكل أو بعض هذه الأساليب لحماية «فرجاننا» أو أحيائنا السكنية وممتلكاتنا وطبعا أنفسنا من التعرض للأذى! ويمكن أن يلعب مرتادو المساجد دورا في تشكيل لجان الحي والعمل على مشاركة ببقية السكان في الأمر، وبالتالي يكون للمسجد دور اجتماعي مهم، بعد أن كان دوره مقتصرا على أداء العبادات فقط!
وهناك طبعا طريقة تكليف شركات أمن بحراسة المنطقة أو البيت، ولو أننا لا نحبذ هذه الطريقة التي لها محاذيرها! فما أصبحنا نسمعه من تعدد الجرائم الجديدة وتنوعها، حتى خارج الكويت، جعل الكثيرين منا يعيشون في قلق حقيقي أنساهم سنوات البراءة والأمان التي عاشوها لعقود. والأخطر من ذلك أن العيون انفتحت علينا، داخليا وخارجيا، فأصبح المواطن والمقيم في دول المنطقة هدفا لعمليات النصب والاحتيال والسرقة، فقد تعرّضت سيدة لعملية لطش كل ما كان في حقيبة يدها من نقد ومجوهرات، والتي كانت تضعها بـ«أمان» في الخزانة العلوية للطائرة، ولم تنتبه للسرقة إلا عن طريق الصدفة! وبالتالي يتطلب الأمر الحرص على عدم وضع أشياء ثمينة في الحقائب التي توضع في تلك الخزائن، أو على الأقل التأكد من أنها موضوعة في حقائب يصعب فتحها، ومع ضرورة تفقدها بين الفترة والأخرى. ومن الخطأ الافتراض بأن جميع ركاب الطائرة من الملتزمين بالقانون ومن الأمناء، ولو كانوا من ركاب الدرجة الأولى أو «رجال الأعمال»، فقد أصبح الخطر في كل مكان، ولا مأمن لأحد. كما أن وضع الحقائب اليدوية الصغيرة تحت المقعد لا يعني أن يد اللص لن تصل إليها، خصوصا في الرحلات الطويلة والاستغراق في النوم! وهنا يحق لنا القول أن زمن البراءة والأمان قد ولّى!

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

حوارات الوسمي

بدأ د.عبيد الوسمي بتدشين ندواته الجماهيرية الهادفة لتكوين «توافق وطني» بين الكتل والتجمعات السياسية لتوحيد الحراك السياسي من أجل تحقيق الإصلاح الوطني الشامل كما يراه الوسمي.

ومن المعلوم أن وتيرة الحراك السياسي بدأت تضعف نتيجة تشتت الجهود وتضارب الأهداف الإصلاحية أو حتى عدم الاتفاق على الوسائل التي من الممكن ان يتبعها الحراك السياسي.

ربما نجح الوسمي في الندوة الأخيرة «الحوار كيف؟ ولماذا؟» بتجميع كل أطياف المجتمع الكويتي بمختلف طوائفه الدينية والاجتماعية والسياسية، فحضور التيار الليبرالي ممثلا بعبدالله النيباري وهو من رموز المنبر الديموقراطي والذي شدد بدوره ـ على توحيد صفوف الحراك والسعي إلى إعطائه الزخم المنشود ليتمكن من تحقيق تغير سياسي من داخل النظام والدستور.

كما أن تنوع المحاضرين في ندوة الوسمي في حد ذاته يعتبر نقلة نوعية في العمل السياسي الكويتي، حيث تواجد في مكان واحد وتحت شعار «الحوار» من يمثل أقصى اليمين وهو حزب الأمة وأقصى اليسار الليبرالي وهو المنبر الديموقراطي الذي مازال يمثل وبدقة ضمير الليبراليين الكويتيين!

كما أن حضور د.حسن جوهر والذي يمثل وبكل جدارة صورة الرجل السياسي الشيعي الوطني الذي يعبر عن كل الكويتيين باختلاف مشاربهم، والذي أكد على ضرورة أن يشمل الحراك السياسي كل الدوائر الانتخابية وألا يقتصر على الرابعة والخامسة!

في الختام ـ وبعد نجاح الوسمي في عقد اجتماع «قوس قزح السياسي» في ديوانه ـ بات من المؤكد أننا سنكون على موعد في كل يوم أحد ـ إما بندوة أو محاضرة في سلسلة حوارات الوسمي، والتي نتمنى أن تنجح في إخراجنا من المأزق السياسي.

almutairiadel@

حسن العيسى

مأساة ثم… ملهاة

تمر بنا هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على الغزو الأميركي للعراق (أو تحرير العراق كما كنت أسميها) وأفردت الصحافة الغربية صفحاتها لتذكّرنا بعبر تلك الحرب التي كان ضحاياها عشرات الألوف من العراقيين ونحو خمسة آلاف جندي أميركي ومئات الألوف من الجرحى… السؤال الآن هل استطاع الغرب خلق دولة عراقية جديدة تقوم على أسس الديمقراطية الحقيقية والمساواة والشفافية، أم أنه فشل في العراق… وفي أفغانستان؟ الإجابة هي أن الفشل سيد الموقف، إذ تمت إزاحة نظام فاشي مرعب ليحل مكانه نظام طائفي بوجه ديمقراطي على الطريقة العربية، التي تعني استبداد مَن ركب جمل الأكثرية الشيعية ودهس الأقلية السنية، وصاحبه فساد مستشرٍ في دولة مقسمة واقعياً بين شيعة الجنوب وشبه دولة كردية في الشمال وسنة وسط يتقلبون على جمر التعصب القبلي بتحالفات وقتية مع جماعات "القاعدة"، تُنقَض مرة وتعود من جديد مرات أخرى… حسب مشاعر القهر الطائفي وتماشياً مع التراث التعصبي القبلي.
  الوحش الطائفي المفترس لم ينهض في العراق فقط، بل امتد إلى سورية اليوم (بشكل مقلوب) ولبنان، وسيمتد سعير النيران الطائفية ومشاريع التقسيم إلى جُل دول المنطقة التي ليس لها تاريخ يذكر في مفهوم الدولة- الأمة… لماذا تبرز تلك الاحتمالات…؟ وإذا كانت البداية الحقيقية لـ"ربيعنا" عام 2003 بإسقاط نظام صدام، ولم تكن حرق البوعزيزي نفسه في تونس إلا شرارة الانتفاضة العربية، فماذا تجابه دولنا اليوم. والكويت ودول الخليج لا تمثل استثناء من خطر الغول الطائفي ببركة الوعي الأصولي المتجذر بتلك الدول وغياب الرؤية عند قيادات المنطقة.
  كتب جورج الطرابيشي (هرطقات جزء 2) "… لم أضع أي رهان من طبيعة عجائبية يأتي عن طريق صندوق الاقتراع إذا لم يتحول بتحول عقلي في صندوق الجمجمة.."، ويقرر الكاتب أن التدخل الأميركي لم يقدم أكثر من المناسبة لانفجار الحرب الطائفية، ولكنه لم يكن عاملها على صعيد السببية.."، فالحالة الطائفية وحروبها المروعة استُهلت بموقعة الجمل، ثم صفين، وأخذت بعدها الكارثي في مأساة كربلاء حين قتل بصورة بشعة 72 من أهل البيت… وتمضي السنون المظلمة، وتصعد وتخبو نيران تلك الحروب لتصل إلى تلك الفقرة التي أقتبسها من المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية"… ففي صفر سنة ٤٤٣هـ وقعت الحرب بين الروافض والسنة، فقُتل من الفريقين خلق كثير، وذلك أن الروافض نصبوا أبراجاً وكتبوا عليها "محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر"، فأنكرت السنة اقتران علي مع محمد صلى الله عليه وسلم في هذا، فنشبت الحرب واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول، فقتل رجل هاشمي فدفن عند الإمام أحمد (ابن حنبل) ورجع السنة من دفنه فنهبوا مشهد موسى بن جعفر، وأحرقوا ضريح موسى (الكاظم) ومحمد بن الجواد وقبور بني بويه، وأُحرق قبر جعفر بن المنصور ومحمد الأمين، وأم زبيدة وقبور كثيرة…"، ويلاحظ الطرابيشي، أن الحروب الدينية استمرت في أوروبا ثلاثين عاماً من 1618م إلى 1648 وانتهت بصلح وستفاليا، أما حروب الشيعة مع السنة فاستمرت أكثر من٣٠٠ عام حتى سقوط بغداد.
  تلك كانت صورة تاريخية رسمها المؤرخ والفقيه السلفي السني ابن كثير، لا يمكن لومه على تعبيره بكلمة "روافض" في وصفه للشيعة، لأن فكره كان وليد زمنه وهو زمن الفتن، كما لا نلوم  مؤرخي وفقهاء الشيعة على تعبيرهم بكلمة "نواصب"، لأن فكرهم كان وليد ذلك الجذب الطائفي الغائر في تاريخنا العربي، لكن كيف هو الأمر اليوم، حين تقع سلسلة من التفجيرات للمراقد والتجمعات الشيعية في العراق وتحرق الكنائس، وتشرع حرب تحرير في سورية ضد نظام متوحش، تكاد تتحول إلى حرب طائفية لها صورها الكثيرة في لبنان والعراق، إضافة إلى مسخ المطالبة بالديمقراطية في البحرين وتحويلها إلى استقطاب طائفي، ومناقشات مجالس الأمة بالكويت التي تضج بتهم ومشاريع الطائفية، وتعلو نبرات أصوات شباب التوتير الصبغة الدينية المتشددة؟!
ألم يكن ماركس صادقاً في أن التاريخ لا يكرر نفسه عندما يكررها إلا ليحول المأساة إلى ملهاة؟"
  قبل ألف عام كانت مأساة، ونخشى أن يكون غدنا ملهاة… فهل يتعظ الطائفيون؟!

احمد الصراف

يا ذكرى ومحسن.. هل يعود الفضل إليكما؟

قال خبر مقتضب إن حملة تفتيش مفاجئة نظمتها وزارة الشؤون على مجمعات في حولي اسفرت عن تسجيل عدد من المخالفات! وحيث ان الخبر، بصيغته تلك، قد لا يكون مفهوما من البعض، فسنحاول هنا شرح ما يعنيه وخطورته. يتطلب استخراج ترخيص مزاولة مهنة، أو تأسيس شركة، تحديد مكان مزاولة العمل، وحيث ان نسبة من مؤسسي الشركات والأنشطة الفردية لا يهدفون الى المتاجرة العادية بها بل لتأجيرها للغير أو لاستخراج إقامات عمل عليها، وبيعها للراغبين في العمل في الكويت من مختلف الجنسيات، وتحقيق مبالغ كبيرة عليها. ولأن استئجار مقر يكلف الكثير أحيانا، فقد تفتقت أذهان «مافيا» الإقامات على اختيار مجمعات تجارية محددة وتأجير وحداتها، مقابل مبالغ بسيطة، على الراغبين في المتاجرة بالإقامات، وتزويدهم بعقد ووصل إيجار لاستكمال متطلبات الوزارة، ومن بعدها تبدأ عملية استخراج تصاريح العمل، وتبدأ بفراش ومحاسب وسائق وموظف ومندوب لتصل أحيانا الى المئات، وكل ذلك لشركة لا يتعدى حجم مقرها عن دكان صغير بعشرة أمتار مربعة! وقد تكونت على مدى السنين من الاهمال الحكومي وتواطؤ من «كبار» موظفي الوزارة، عصابات تعرف «الشؤون» و«الداخلية» الكثير عنها، ولكن لا تود جهة التحرك ووقف أنشطتها الإجرامية! ولا نظلم أحدا أو نبالغ إن قلنا إن جميع وزراء الشؤون والوكلاء الذين تعاقبوا على الوزارة في السنوات 25 الماضية على الأقل، وبمعيتهم كل وكلاء العمل وجيش المراقبين والمفتشين، كانوا جميعا، وعلى مدى أكثر من 25 عاما، على علم بوجود هذه الجهات المخربة ومقار الشركات الوهمية، التي تستخدم علنا لغرض استخراج تراخيص غير قانونية والإضرار الشديد بمصالح الوطن، ومع هذا لم يقم أحد من هؤلاء يوما بالمطالبة أو حتى بالتضييق عليها أو إغلاق ملفات اصحابها، وكل ما كنا نسمعه أو نقرأه هو «الكشف» عن عصابة هنا وغيرها هناك تتاجر بإقامات العمل، ولكن لم نسمع يوما أن مواطنا «أدين» بهذه الجريمة المخربة، ولا ندري لماذا كل هذا السكوت؟ فالوزراء كانوا يعرفون، ورؤساؤهم كانوا يعلمون بالوضع، وكل من اتبعهم من وكلاء مساعدين ومديري إدارات ومراقبين ومفتشين وموظفين عاديين وحتى فراشين كانوا على علم بوجود هذه المجمعات، ولكن لم تتحرك الوزارة إلا في أضيق الأحوال للقضاء على هذه الجريمة الواضحة الأركان والمعالم، وكان من الممكن أن نشاركهم السكوت عن هذه الجريمة وعدم الاعتراض على ما حل بنا من قلة إحساس بالمسؤولية لولا ذلك السخيف الذي «بط جبدي» بفكرة «كويتي وأفتخر»!
نتمنى أن يكون للوزيرة الجديدة ذكرى الرشيدي والوكيل الجديد محسن المطيري يد في قرار التفتيش الأخير على مجمع حولي. ونذكرهما بأن هذه المجمعات منتشرة في كل أنحاء الكويت ومعروفة لجميع العاملين في إدارة التفتيش، وإغلاق ملفات الشركات المستأجرة لمحلات فيها أصبح أمرا مستحقا، مع وضع أسماء أصحابها في «القائمة السوداء»! ويجب عدم انتظار تحويل إدارة العمل لهيئة مستقلة للقيام بهذه الضربة. بل تقع عليكما مسؤولية الحسم الآن، وهي خطوة صغيرة في رحلة الألف ميل للقضاء على جريمة المتاجرة بقوت البشر وتخريب السلم الاجتماعي وتحقيق الثراء على حساب المال العام!

أحمد الصراف