سعيد محمد سعيد

الحمار الذي يرى «الشياطين»!

 

لم يعد مستغرباً أن يكون لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهو يلعب لعبته في منطقة الشرق الأوسط مسنوداً بانكشاف استراتيجي من جانب حكومات ودول عربية واسلامية، أن يكون له الفقهاء “الناتويين” الذين يفتون للأمة وفق ما يشاء «الناتو»! وإن فكر أحد من علماء الأمة في الاعتراض أو قول كلمة حق خلاف ما أفتاه «ناته» أولئك، يصبح هو في مرمى نيران أشد بكثير من نيران «الناتو»، هي نيران مشايخ الطين الذين يصعدون بوجوه قبيحة، منابر فضائية ويزمجرون ويجمعون من (تحت ليه تحت) المليارات.

لست في مزاج الحديث عن ظاهرة مشايخ الطين من فقهاء (الناتو)، الذين يتبعهم المتعلم والجاهل للأسف دون نظر في طبيعة الأحداث وأبعادها، تماماً كما تتبعهم النطيحة والمتردية! فحين يصبح الأمر، الخطر، الظرف، المستجدات، الوقائع، مجريات الأمور، ليست في صالح الصهاينة – وأقولها صريحة – يهرع هؤلاء لإصدار فتاواهم الناتوية الخاصة، في الدعوة لسفك الدماء بين السنة والشيعة، وأولهم وأشدهم وأشهرهم في هذا الأمر… القرضاوي.

ثم يدفعون في اتجاه جمع التبرعات، ويا لها من تجارة مربحة! سكتم بكتم. أولئك الذين حشدوا ودفعوا وشجّعوا الناس على التبرع، فوجدوا أن من حملوهم الأمانة من مشايخ الطين، سرقوا التبرعات! وطارت الطيور بأرزاق بشر في بلدان شتى: سورية، ميانمار، فلسطين، الصومال وغيرها ينتظرون تلك التبرعات فلا تأتيهم، ثم يتبارى مشايخ الطين في التقاط صور بوجوههم القبيحة مع أسرة فقيرة هنا، وطفل مصته المجاعة مصاً، ليهرع بها إلى الإعلام والصحف: شوفوني تراني وجه من وجوه الخير والجهاد في سبيل الله! ويصفق المعتوهون.

البعض، ملأ الدنيا هذه الأيام بالمبشرات والقصص الرائعة التي لم يأت بها إلا من (جيبه)! والانتكاسة الكبرى، أن تلك المبشرات التي بثها في صدور الناس تتلاشي حينما يحدث العكس، فحين تُبشرهم بالنصر فيُهزمون! أو حين تُبشرهم بأن أولئك المرضى سيشفون وفق رؤية رآها في المنام، فيموتون في اليوم التالي! وهكذا تسير القصص التي تسبق حفلة…عفواً..حملة التبرعات لتجعل المبشرين يدفعون ما لديهم (فدوة)! وكم يشعر بأنه أحمق من دفع ذلك المال (لوجه الله قطعاً) لكن في الطريق الخطأ.. جزء أعمال فقهاء الناتو أيضاً.

اليوم (سبت)، وعادة تكون النفسيات متعبة، ولكني سأذهب معكم إلى شيء من الطرافة، هل تتذكرون قصة الحمار الذي يرى الشياطين؟ فقد انتشرت قبل سنين رسائل الكترونية، قبل فورة تطبيقات الهواتف الذكية، رسالة فيها هذا السؤال: «لماذا يرى الحمار الشياطين ويرى الديك الملائكة؟ والسائل ذاته يجيب بالقول أن النبي محمد (ص) قال في حديث، ونترك موضوع صحة الحديث وسنده وقوته وضعفه لأهل الإختصاص، قال فيه: «إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا».

لم تنته الرسالة، ففيها إضافة تتعلق بالاكتشاف العلمي المبهر في شأن قدرة الجهاز البصري المحدودة لدى الإنسان، والتي تختلف عن قدرة الحمير، وبدورها تختلف عن قدرة الديكة، وبالتالي فإن قدرة البصر لدى الإنسان محدودة لا ترى ما تحت الأشعة الحمراء ولا ما فوق الأشعة البنفسجية، لكن قدرة الديكة والحمير تتعدى ذلك!

وأيضاً، يأتي السؤال: كيف يرى الحمار والديك الجن والملائكة؟ والجواب كما في الرسالة، هو أن الحمير ترى الأشعة الحمراء والشيطان وهو من الجان خلق من نار -أي من الأشعة تحت الحمراء – لذلك ترى الحمير الجن ولا ترى الملائكة! أما الديكة فترى الأشعة البنفسجية والملائكة مخلوقة من نور – أي من الأشعة البنفسجية – لذلك تراها الديكة!

هنا، يمكن حل اللغز في هروب الشياطين عند ذكر الله سبحانه وتعالى، فالسبب، وفق الرسالة، هو أن الملائكة تحضر إلى المكان الذي يذكر فيه الله فتهرب الشياطين! حسناً ولماذا تهرب الشياطين عند وجود الملائكة؟ الجواب لأن الشياطين تتضرر من رؤية نور الملائكة. بمعنى آخر، يضيف المرسل، إذا اجتمعت الأشعة الفوق بنفسجية والأشعة الحمراء في مكان واحد، فإن الأشعة الحمراء تتلاشى .

أليس ذلك كشفاً مذهلاً؟ ألم نفهم الآن لماذا يزداد «نهيق الحمير» من بعض الأوساط السياسية والدينية في العالم العربي والإسلامي؟ سوّد الله وجهك يا (الريسيفر).

سعيد محمد سعيد

تهاون الحكومات… الخطير!

 

كلما ازدادت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط سوءاً، لجأت الحكومات وأبواقها الإعلامية إلى الهروب من الواقع وما يتطلبه من حكمة في معالجة تلك الأوضاع. وبدلاً من اجتياز أي أزمة أو اضطراب داخلي، تسعى بعض الأطراف إلى التحذير من جلب أزمات هناك في المحيط الإقليمي، إلى المحيط الداخلي!

هو أمر مضحك للغاية، أن تتخذ الحكومات العربية والإسلامية مواقف تظهرها في مظهر «البوق المخيف» وهي تصرخ وتحذر من انتقال الصدام الطائفي المتحرك في بعض البلدان إلى «بيتها»! وهي حين تقف عاجزة عن أن يكون لها دور إقليمي، تكتفي بالتحذير من مغبة وصول الصدام والتناحر والاقتتال الطائفي إلى محيطها الداخلي، في حين تنسى كثيراً أنها هي ذاتها، لديها آلتها الإعلامية الرسمية ومحركاتها الدينية الموغلة في الطائفية والفتنة، تشحن وتدير وتدمر ليل نهار بخطابات وبيانات واجراءات وممارسات طائفية هي تعلم – قبل غيرها – أنها مجرد ألاعيب خطيرة ستنعكس عليها يوماً ما.

ومن المضحك أيضاً أن تدعي حكومات وشخصيات وساسة ورموز كأمين عام منظمة التضامن الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو الذي تحدث في حوار عبر قناة «الحرة» يوم الأربعاء الماضي مكثفاً مخاوفه من انتقال صور الصراع الطائفي المدعوم من الغرب ومن الشرق.. في سورية، لبنان، العراق، باكستان، ميانمار وبضع بؤر هنا وهناك.. تدعي تخوفها من اجتياح مد طائفي – وفقاً للصراعات الممولة والمشجعة والمدعومة من الغرب والشرق كما أشرت – فيما لا ينبس ببنت شفة عن ممارسات الكثير من الدول الإسلامية القائمة على تأجيج الصراع الطائفي إعلامياً.

ذلك التهاون من جانب الحكومات ليس أمراً طارئاً أو جاء على حين غفلة، بل هو ممنهج وفق خطة لكل دولة ترعى الطائفية. ولعلني تناولت بشكل متعمق «حملات الشحن الطائفي» في الإعلام العربي في أبريل/ نيسان 2009. وقتها اختلفت مع مجموعة من الإعلاميين الخليجيين والعرب في شأن أسلوب ومنهج وخطاب بعض القنوات الفضائية الدينية في منتدىً إلكتروني، فهم، وأنا أحترم وجهة نظرهم قطعاً، يعتبرون ازدياد تلك القنوات فائدة للأمة، أما أنا، فلا أرى في غالبها إلا منطلقاً لشن حملات العداء المشحونة بالكراهية، ورأيت أنه من الجيد أن أعيد بعض ما كتبته في هذا الشأن آنذاك، ومنه أنه ليس من الضرورة بمكان إجراء استطلاع ميداني لتثبيت الفكرة، فيكفي أن تقرأ لمدة ساعة زمن الشريط الذي يتحرك في أسفل الشاشة لتعلم أن هناك مشاركة فاعلة من قبل مجموعات من المتشددين، من الطائفتين، كل يدعي حاكميته على الأمة.

ذلك الخطاب هو الأسوأ على الإطلاق، ولعل الكثير من الناس لا يعلمون أن مثل هذه النزاعات تصبح أجمل وأروع عندما يزداد عدد المشاركين فيها عبر خدمة الرسائل التي تدر مالاً وفيراً يملأ بطون القائمين على القناة، ممن يدعون «صدق الدعوة لله والدفاع عن الدين الإسلامي»، واليوم اتسعت لتشمل وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام الجديد.

كثيرة هي الصور القاسية التي تسود المجتمعات الإسلامية اليوم، في مقدمتها الظلم والتخلف والأمراض السياسية والثقافية والاجتماعية، ونزعات التعصب الطائفي والعرقي المقيتة، وتطغى عليها مشاكل وصراعات متعددة في مختلف ميادينه ومجالاته بما في ذلك ميدان الثقافة والفنون، وتبرز صورها المؤسفة في التضييق على حرية الفكر والنشر ومحاصرة الثقافة ومصادرة الرأي الآخر، وشن الحملات العدائية المشحونة بالكراهية والحقد الطائفي.

لا يمكن أبداً التغاضي عن تهاون الحكومات، وفي أغلب حالات تلك التهاون، يظهر الاتهام واضحاً بلا تبطين في أن بعض الدول تغذي هذا النوع من الحملات لإشغال الناس، ولذلك، ليس عجيباً أن يتفرغ ذوو النزعات العدائية، سواءً كانوا مشايخ وعلماء أم برلمانيين أم وعاظ سلاطين، ومعهم أولياء نعمهم من المستبدين أرباب الرأي الواحد والنفوذ والمال، ليضيفوا إلى الأمراض الاجتماعية ما يسهم في مضاعفة الداء والمرض في جسد الأمة.

قلت عبارة وأكررها دائماً: «لا تنمو الطائفية ولا تكبر إلا في ظل دول وحكومات ترعاها… وتحافظ عليها».

سعيد محمد سعيد

بحثاً عن «أصدقاء فلسطين»!

 

هذا العالم الذي نعيش فيه رائع للغاية، وأروع ما فيه، أن الغرب – قبل العرب والمسلمين – هب بقوة لإنقاذ الشعب السوري الشقيق! هنا، مجموعة من الدول شكلت «أصدقاء سورية»، وهنا وهناك، فتاوى للجهاد وحملات تبرع لا نظير لها، وبين كل هذه الانتفاضة الرائعة الصادقة الأمينة، سارعت العديد من الدول العربية والإسلامية إلى اللحاق بركب الأصدقاء… جميل جداً! لكن يا تُرى، ألم يكن بالإمكان إطلاقاً، وطوال ستة عقود، أن يخرج من هذا الرحم العالمي الرائع، ما يمكن أن يطلق عليه «أصدقاء فلسطين» أو «أصدقاء غزة»؟.

ربما يصبح الحديث عن قضية العرب والمسلمين الأولى (فلسطين) اليوم، نوعاً من أنواع الأحاديث المملة القديمة! ومع الإيمان التام بحق الشعب السوري، وسائر الشعوب العربية، في أن تعيش معززةً مكرمةً بلا ظلم ولا قمع ولا سفك دماء ولا مذابح من أنظمة قمعية أو جماعات مسلحة ممولة من كل حدب وصوب، أو تآمر دولي لتدمير الأوطان العربية والإسلامية وإشعال فتيل فتنة وتناحر وصراع دموي بين الطوائف والمكونات والتيارات… مع حق كل الشعوب في كل ذلك، يبدو في غاية الاستغراب ألا يحظى الشعب الفلسطيني ببضع أصدقاء يدافعون عنه ويتبرعون ويبكون في الفضائيات على مجازره ويهددون ويتوعدون الكيان الصهيوني، ويخاطبون الأمة بالتركيز على عدو حقيقي بدلاً من تركه وحيداً يطعنه القريب قبل الغريب.

بحثت طويلاً عن حملات «تجهيز غاز»، بالمال والسلاح والعتاد والخطب النارية والفضائيات ونماذج من أصحاب اللحى الذين يبكون بحرارة وإعلان الجهاد في فلسطين، فلم أجد إلا قائمة من القصائد والأناشيد الحماسية والخطب التي كانت، ولايزال بعضها، يكرر ويقول بخداع: «فلسطين سوف تعود إلى العروبة والإسلام»! بل وجدت من ينصح الأمة نصحاً شديداً صادقاً مخلصاً بدموع حرّى وقبضات مشهرة، بأن عدو الأمة الأشد والأخطر عليها، ليس هو الكيان الصهيوني! لا… بل نحن أبناء الأمة الإسلامية، بكل طوائفنا. نحن هم العدو الحقيقي، لذلك، يتوجب أن يُعلن الجهاد لسفك دماء بعضنا البعض، وبعد ذلك، حين نتخلص من أنفسنا، نتجه لمواجهة العدو الصهيوني! حتى بتنا نسمع من سياسيين عرب كبار ومشايخ طين وإعلاميين من قبيلة (طمبورها) كلاماً مؤثراً جداً، يريدون من خلاله إقناع الأمة بأن الهرولة للاستسلام والانبطاح للسياسات الأميركية والصهيونية لتفتيت الأمة من الداخل عبر خطة «الفوضى الخلاقة»، أفضل بكثير من أن نجعل قضية فلسطين حاضرة في وجدان أبناء الأمة جيلاًً بعد جيل. هنيئاً للصهاينة وأتباعهم من (النفر المهطعين) للخنوع، نخب الانتصار على أمتهم… لكن غيرهم من الأحرار، لن يكونوا «نعاجاً» أبداً مهما تكالبت عليهم أنياب سلالة بن غوريون.

لا يبدو من الأساس، أن هناك بقعة عربية إسلامية تحتاج، كما هي سورية، إلى مجموعة أصدقاء. ولعل السؤال المثير للدهشة حقاً: «هل يتحرك ضمير الأعراب تلقائياً حينما يتأثر ضمير الغرب؟ أم أن هذا الضمير، فعلياً، هو مسيّر وفق هوى القوى الإقليمية وما تخطط له في منطقة الشرق الأوسط؟». الإجابة الأقرب للدقة، هي أن ما تريده أميركا لضمان أمن «إسرائيل»، هو المحرّك الرئيسي وإن تباكى الأعراب!

سأضم صوتي إلى صوت مؤلف كتاب «إبعاد الفلسطينيين عن وطنهم… 1967 – 1993» لمؤلفه لبيب عبد السلام قدسية، لأطالب بتشكيل مجموعة أصدقاء فلسطين، وخصوصاً حينما قال انه ومنذ الإعلان عن قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، كان يسكن في المناطق التابعة للدولة اليهودية – بحسب قرار التقسيم – ما يزيد عن 243 ألف عربي في 219 قرية وأربع مدن هي حيفا وطبريا وصفد وبيسان، وقد هجر من هذه المناطق – في الفترة الواقعة بين قرار التقسيم حتى شهر يونيو/ حزيران 1948 – ما يزيد عن 239 ألف عربي، وأخليت ودمرت 180 قرية عربية تماماً! كما هجر سكان ثلاث مدن كبرى كلياً هي صفد وطبريا وبيسان، بينما بقي في حيفا 1950 فلسطينياً، وبالمقابل قامت المنظمات العسكرية الصهيونية بتهجير ما يقارب 122 ألف عربي من المناطق التابعة للدولة الفلسطينية، وأخليت ودمرت 70 قرية تماماً، وهُجّر سكان يافا وعكا بشكل كلي تقريباً، كما تم تهجير جزء كبير جداً من سكان مدينتي اللد والرملة. مهلاً، لم تنتهِ المأساة، فهي مستمرة في غزة حتى اليوم، لكن، واأسفاه، مات شعار: «أنقذوا غزة»… هيا يا جماعة وبادروا لتشكيل أصدقاء فلسطين.

وأجزم للجميع، بأن هناك من سيشتري آلاف البشوت بآلاف الدنانير، ولن تكون مرثيات الجهاد وإعلان النفير مسرحيات هزلية مضحكة على الفضائيات للضحك على عقول أبناء الأمة.

سعيد محمد سعيد

تريدون جرحى أم قتلى؟

 

في الوقت الذي لا تلوح فيه أية مؤشرات تدل على أن البلد تسير في اتجاه الخروج من الأزمة السياسية، ومع تزايد تعقيد التبعات الكبيرة لهذه الأزمة، ومع إهمال المبادرات التي تقدّمها وتسعى لها الشخصيات الوطنية المخلصة من الطائفتين الكريمتين ومن كل التيارات كمجموعة «اللقاء الوطني»، وجد أنصار التدمير فرصةً سانحةً لبث سمومهم حال قراءتهم نصاً مأفوناً يتحدث عن تشكيل «أصدقاء البلدية» لمواجهة «المخربين» في مدينة المحرق.

بالطبع، ليس هناك أدنى حدٍ للمقارنة بين المبادرات الوطنية الرامية إلى إنقاذ البلد والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وبين «حمير الطائفية» الذين يستمتعون بادعاء الولاء المزيف وينفخون في نار الفتنة، والذي بادر رأس من رؤوسهم لأن يتساءل عبر حساب التغريد (تويتر): «تريدون جرحى أم قتلى؟»! أي أن أصدقاء البلدية، أو أصدقاء العضو كما سنعرفهم بعد قليل، لا يجب أن يكونوا محصورين في مدينة المحرق العريقة بمواقفها المشرفة، بل يتوجب أن ينتشروا في كل مناطق البلاد! ولا يجب أن يكون دورهم ملاحقة المخربين أو الإرهابيين أو مطلقي الصواريخ العابرة للقارات الذين يستهدفون المرافق الخدماتية، بل، وحسب تساؤل ذلك المعتوه، يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد للقتل وسفك الدماء!

في موضوع العنف والتخريب والتحريق وقائمة طويلة من المسميات، وجدنا فشلاً كبيراً في تطبيق منهج «الشراكة المجتمعية»، وهو أسلوبٌ حضاريٌ لم ولن تنجح فيه أية دولة عربية أو إسلامية لأنها أصلاً لا تدرك ماذا تعني الشراكة المجتمعية ولا تريد أن تطبّقه بأسلوبه الصحيح الذي ينطلق من جهود ممثلين عن كل فئات المجتمع يضعون المشاكل والظواهر على بساط البحث ويناقشونها ويضعون لها الحلول.

وفي شأن الموضوع ذاته، بدا موقف القوى الوطنية المعارضة ومعهم الرموز الوطنية، الدينية والسياسية، وكذلك منهج ودعوات الناشطين الحقوقيين والاجتماعيين والإعلاميين، كلها تصب في رفض العنف أياً كان مصدره، وجاءت وثيقة القوى الوطنية «وثيقة اللاعنف» واضحةً في هذا المسار، لكن تكرّرت الدعوات التي تطالب كل أولئك بإدانة العنف، وشخصياً، لم أجد مسئولاً أو باحثاً أو برلمانياً أو خطيباً ممن يؤجّجون المجتمع بخطبهم الطائفية، يدعو إلى ضرورة دراسة أسباب ودوافع بروز ظاهرة العنف ومناقشتها من كل جوانبها ووضع الحلول لها، وكأن مجرد تكرار المطالبة بإدانة العنف، دون البحث في مسبباته وإيجاد الحلول، هو الحل!

ولعلني أتساءل في رسالةٍ إلى من يهمه الأمر: «هل تريدون جرحى أم قتلى وفق دعوات مجرمة مدمرة للوطن؟ أم تريدون شراكة مجتمعية حقيقية، ودور لمنظمات المجتمع المدني والقوى الوطنية لإنقاذ الوطن؟ هل تريدون خطباء ومغردين وإعلاميين يؤججون الوضع بنَفَسٍ طائفي كريه بغيض، لتحقيق مآرب شخصية؟ أم تريدون صوتاً معتدلاً مخلصاً يهمه الوطن وشعبه؟». وبما أن مسئولية السلطة والموالاة والمعارضة وكل فئات المجتمع الفاعلة والموثوقة تتعاظم يوماً بعد يوم للخروج من هذه الأزمة، فعلى السلطة أولاً، أن تطبق القانون بعدالةٍ، وعلى الجميع، وأن تفتح المجال للمخلصين من أبناء الوطن، وتلقم حجراً أولئك الذين يدعون أنهم حريصون على سلامة الجبهة الداخلية كذباً وزوراً من جهة، ويتحركون لاقتناص كل دعوة إلى الدمار وسفك الدماء من جهة أخرى.

وكان لافتاً أن أصوات المخلصين، من أبناء الطائفتين الكريمتين من أهالي المحرق ومن مختلف مناطق البلاد، ارتفعت لترفض بشدة جرّ المجتمع إلى صدام دموي طائفي، أياً كانت التسمية، وهو موقفٌ أظهر وعياً كبيراً يُسفّه الخطابات الإعلامية والصحافية التي تصل في سخافتها إلى حد جعل المواطن الشريف يتقزّز مما تطرحه من قذارات، وكأن هذه الصحيفة أو تلك حاوية قمامة تتقبل كل ما يلقى فيها. إلا أن أثر ذلك الموقف المشرّف من المخلصين كان كبيراً، ورسالتهم وصلت، ثم جاء تصريح عضو مجلس بلدي المحرق الأخ محمد عبدالله المطوع يوم أمس في الصحف، لينفي ما نشرته تلك الصحيفة التي قالت أنه «تم منح صلاحيات خاصة لأعداد من مواطني المحرق لوقف أعمال التدمير والتخريب المتصاعدة في المدينة.. وقد أصدرت بطاقات هويات لهؤلاء المواطنين تخوّلهم توقيف المشتبهين إلى حين وصول الشرطة، ويهدف مشروع «أصدقاء البلدية» الذي تم إطلاقه في مناسبة حضرها وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي إلى حماية الحدائق العامة والشوارع وشبكات الصرف الصحي ومحطات الكهرباء الفرعية من عبث المخربين». انتهى الاقتباس.

المطوع، عضو مجلس بلدي المحرق، في رده على ذلك الخبر، صحّح أولاً التسمية! فليس هناك شيء اسمه «أصدقاء البلدية»! بل «أصدقاء العضو البلدي»، وهم مجموعة من المساعدين المتطوعين للعضو البلدي لأجل إشراك المواطنين والأهالي وتفعيل «الشراكة المجتمعية» ولا علاقة له بوزارة البلديات فضلاً عن أية جهة أخرى! وإذا كان البعض قد اعتبر هذا التصريح «ترقيعاً»، إلا أن آخرين حملوه على حسن النية، لكن كان من المفترض أن يعلن المجلس البلدي هذا المشروع للرأي العام ويعرفهم به من خلال اللقاءات ووسائل الإعلام المتعددة، إذا كان فعلاً يرتكز على مفهوم الشراكة المجتمعية الصحيح، ولكونه (الخطوة الأولى على مستوى المملكة)، ما كان يجب أبداً أن يظهر للرأي العام (أولاً)، على أنه شكل من أشكال الفتك الشديد بالسلم الاجتماعي.

ترى، هل ستضع الجهات المعنية في اعتبارها، ووفق القانون، مساءلة كل من أثار هذه البلبلة المأفونة كونها «فعلاً مجرماً» يهدف إلى مضاعفة التأزيم في مجتمع لا يدري إلى أين يسير؟

سعيد محمد سعيد

هل تعرفهم «السُّلطة»… جيداً؟

 

بدايةً، من العار أن أوجه سؤالاً حول مدى معرفة (أبواق الفتنة) وجوقة الإعلام التطبيلي الهزيل بنخبة «اللقاء الوطني البحريني» التي عقدت آخر اجتماعاتها مساء الإثنين الماضي (13 مايو/ أيار 2013) بنادي العروبة، ذلك لأن فئة الأبواق والجوقة، تعيش حالة من الرهاب والفزع والتشكيك تجاه أية «نخبة بحرينية» مخلصة، تسعى لأن تضع تصوراتها بشأن آفاق الحلول الممكنة لإنهاء الأزمة في البلاد.

لكن السؤال موجّهٌ للسلطة: «هل تعرف من يكون أعضاء اللقاء الوطني البحريني؟ وهل تابعت تحركاتهم ودققت في أهدافهم؟ وهل يتسنى لها أن تشكك في نواياهم وهم أصحاب رصيد وطني مشرف؟». بالطبع، تعرفهم الحكومة جيداً، وتعرف أنهم شخصيات وطنية معتدلة واثقة مخلصة للوطن وللمواطنين، وهذا ما يدفع لسؤال آخر: «لماذا لا تدعم الحكومة مثل هذه المبادرة التي تتشارك فيها شخصيات بحرينية من كل الطوائف والتيارات والجمعيات؟»، يجمعها عنوان كبير لا تستطيع فئة الأبواق والجوقة أن تنال منه: كلهم أبناء البحرين الذين لا ينكر وطنيتهم وإخلاصهم إلا… الأبواق والجوقة ذاتها».

كنت منذ الوهلة الأولى التي وصلت فيها إلى قاعة كانو بنادي العروبة في تلك الليلة، مطمئناً تماماً إلى أنني لن أرى ولا وجهاً واحداً من وجوه الطائفية والفتنة والتشكيك في إنتماءات الناس وولائهم للبحرين، لأن الذين حرصوا على حضور اللقاء، أو الذين كانوا يأملون حضوره ومنعتهم ظروفهم، كلهم يُدركون جيداً بأن واجبهم الشرعي والوطني، يدفعهم لئلا ييأسوا أو يتراجعوا عن القيام بذلك الواجب مهما كانت المحبطات والمعوقات، وأنهم ليسوا أصحاب مصالح شخصية أو فئوية فينتظرون العطاء قبل وبعد أن يمارسوا العمل الوطني المزيف القائم على المتاجرة بعنوان «حب الوطن والولاء» كصفة تجارية مربحة وقودها بقاء الأزمة مستمرة.

حسب ما أعلنه عضو اللقاء الوطني المفكر البحريني علي محمد فخرو، فإن ذلك اللقاء، وهو الرابع، سبقته اجتماعات مطولة عقدتها لجنة تنسيق وضعت تصوراتها المستقبلية، ومع ذلك، كان لزاماً على اللجنة أن تعرض التصور (مكتوباً) على الأعضاء، وتفتح المجال للنقاش فيه بكل سعة صدر، فتثبت ما يتم التوافق عليه وتلغي ما يُجمع الأعضاء على رفضه، ولاشك في أن اللجنة التي وضعت التصورات بأعضائها الثلاثة المنتخبين والثلاثة الآخرين المعينين من جانب أعضاء اللقاء وهم: جميل العلوي، سعيد عسبول، شوقي العلوي، علي صالح، علي فخرو ونجية عبدالغفار… هم شخصيات بحرينية لعبت أدواراً في خدمة الوطن، لا تعرفها الأبواق والجوقة، ولهذا، كان من بين المحاور التي رصدها التقرير، السعي لجمع القوى السياسية في مجتمع البحرين المدني حول طاولة حوار فيما بينها للاتفاق على مطالب إصلاحية مشتركة، ومن ثم نقلها إلى المسئولين في الحكم. ولأن هذا الهدف «وصل إلى طريق مسدود» (حسب تقرير اللجنة)، فإنه لابد من البحث عن خيارات وتوافقات أخرى.

ولعل من أهم النقاط التي وضعت على بساط بحث اللقاء الوطني البحريني، تعرف (اللقاء ذاته)، وبعد استمزاج آراء مختلفة بعضها اقترح التحوّل إلى جمعية سياسية أو منتدى ثقافي، تقرر الإبقاء على التعريف الأصلي الذي تأسس عليه اللقاء الوطني: «هو عبارة عن التئام عدد من المواطنين، المشهود لهم بالاهتمام الجاد الواعي بقضايا الشأن العام والالتزام بالمواقف الوطنية المقدرة والمحترمة من جميع الأطراف المدنية والرسمية، وخصوصاً بالنسبة للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها البحرين حالياً، وهي المعايير التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند ترشيح أعضاء جدد للالتحاق باللقاء.

اللقاء الوطني البحريني لم يهمل في نقاشه توسعة قاعدة أعضائه، وكان لزاماً التأكيد على ضرورة توسعة هذا اللقاء ليضم كل الأطياف المجتمعية الراغبة في المساهمة في إخراج البحرين من الأزمة الحالية من جهة، وفي إتمام عملية إصلاح لانتقال البحرين إلى نظام ديمقراطي سياسي واقتصادي عادل قائم على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. ومن بين الأهداف أيضاً، إجراء حوارات مفتوحة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل طرحها على الرأي العام بشتى الأشكال أو إيصالها إلى المسئولين في الدولة، والتواصل والتعاون مع جميع الأطراف والجهات ذات العلاقة سعياً للمساعدة في الخروج من الأزمة التي تمر بها البحرين حالياً…

أليس كل ما يطرحه اللقاء الوطني يتوافق مع دولة القانون والمؤسسات والتحوّل الديمقراطي؟ أليس حريّاً بالحكومة، إذاً، أن تتبنى مثل هذه المبادرات وتدعمها؟ وأيهما أنفع للوطن وللمواطن: الاعتماد على إخفاقات الأبواق والجوقة، أم الاستناد إلى مرئيات عقليات بحرينية وطنية فذة تعلم الحكومة جيداً أنهم صادقون في توجهاتهم وجهودهم؟

على أي حال، فإن اللقاء الوطني البحريني، والجمعيات السياسية الوطنية ممثلة فيه، قادر على تقديم استراتيجية عمل واضحة المعالم، وليست من قبيل تكرار أهزوجة التآمر والتخوين وتفتيت المجتمع والرقص على عذابات الوطن.

سعيد محمد سعيد

أحوالُ «المواطن»… المُرعبة (2)

 

إذاً، هل في مقدور الحكومة زيادة الرواتب للمواطنين أم لا؟ الجواب: «الحكومة ترى شيئاً لا يراه المواطن»! على أية حال، لنرجع إلى يوم الأربعاء (27 مارس/ آذار 2013)، حين عقد وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة اجتماعاً مع لجنتي الشئون المالية بمجلسي الشورى والنواب… تمام. وكان ذلك الاجتماع مخصصاً لمناقشة رد الحكومة على مطالب النواب بزيادة رواتب موظفي القطاع العام 15 في المئة ضمن الموازنة العامة للدولة للسنتين الماليتين 2013 – 2014… تمام. والمعلوم أن الطلب رُفض بسبب ارتفاع الدين العام والفوائد عليه والتي ستصل إلى 180 مليون دينار سنوياً… تمام.

الحديث عن الدين العام، في غمرة الشوق العارم في نفوس المواطنين لسماع كلمة ولو «جبر خاطر» عن زيادة مرتقبة، جعل عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب محمود المحمود لأن يصرح بقوله: «وزير المالية لم يتحدث عن زيادة الرواتب عند السؤال عنها بل تحدّث عن الدين العام والعجز وفوائد القروض، في ردٍ واضح على رفض مطلبنا بزيادة الرواتب، وإن ردود وزير المالية أثارت سخط واستياء النواب؛ لأنها جاءت مخيبةً للآمال بعد كل هذه المدة من الانتظار».

النائب المحمود أيضاً، أعاد التذكير في تصريحه بمطالب «الفاتح» والتي منها إصدار أمر بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وموظفي القطاع الخاص وإنشاء صندوق يخصص لرفع رواتب موظفي القطاع الخاص، وأن يستفيد الشعب من الوفر الذي يحققه الدعم الخليجي لرفع مستواه المعيشي.

التعقيدات كثيرة، لكن، وكما نقول بالعامية: «المواطن… وين يصرف هالكلام كله؟»! ذلك أن المواطن يواجه مصاعب معيشية كثيرة لا حصر لها، والحديث هنا عن طبقة ذوي الدخل المحدود في ظل تآكل الطبقة الوسطى. وفي هذا الصدد، يشير الباحث عبدالحميد عبدالغفار في دراسته بعنوان: «الفقر… البحرين نموذجاً – مايو2007)، إلى أن زيادة عدد العاطلين «وليس معدل البطالة» وما يؤدي إليه من ارتفاع في عدد الفقراء واستمرار المعدلات العالية للتضخم وما تسببه من تآكل للطبقة الوسطى، ينجم عنه تكاليف اجتماعية مؤكدة وباهظة (انتهى الاقتباس). وبالطبع، استند كل ذلك إلى تحذير خبراء اقتصاديين واجتماعيين من حدوث هوة بين الطبقات الاجتماعية واتساع رقعة الفقر وتآكل الطبقة الوسطى غير المستقرة التي يعتمد عليها تماسك الهرم الاجتماعي، مع غياب المسوحات المعنية بتحديد حجم هذه الطبقة التي اتسعت في الطفرتين النفطيتين العامين 1974 و1997، بينما تآكلت في الطفرة الثالثة لتساهم في اتساع دائرة الفقر على رغم الاتفاق على ضرورة الاعتماد على مستويات الدخول للتصنيف.

بلا شك، فإن الحديث في نطاق الدراسات الأكاديمية، على رغم أهميته، لا ينبغي أن يجعلنا في منأى عن تشخيص الكثير من المشاكل التي يعاني منها المواطن يومياً. ومع شديد الأسف، فإن المجتمع البحريني، مع وجود الباحثين والمتخصصين، إلا أنه يفتقر لدراسات محلية تتعمق في مناقشة تأثير ضعف الأجور على الأمن الاجتماعي واستقرار الأسرة البحرينية. والأمر المقلق، أنه كلما تردت الأوضاع المعيشية، كلما أصبحنا على مشارف تبعات وانعكاسات سيئة بدءاً من تدهور تنمية الأسرة وانتهاءً عند بروز ظواهر تؤثر على استقرار الحياة في المجتمع وهي كثيرة كالعنف، السرقة، الخلافات الأسرية، التسرب من التعليم وربما قائمة أخرى من المشاكل التي لا نتمناها لمجتمعنا قطعاً.

حسناً، حينما يلجأ المواطن إلى البرامج الإذاعية وإلى صفحات الصحف المخصصة لنشر المشاكل والمعاناة، بل حينما يستخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت لطرح تلك القضايا التي تشمل الأجور، الإسكان، العلاج، تعطل المعاملات، الدراسة، أوضاع الأسر المعوزة وما يتفرع من تلك المعاناة، فإن الحاجة إلى استراتيجية وطنية سليمة لتحسين المعيشة المواطنين يلزم أن تأخذ مسارها الصحيح في التطبيق الفعلي. إن تصريحات الرفاهية في الإعلام يمكن أن تكون مدغدغة للمشاعر حيناً ما… لكنها تتحول إلى حالة من النقمة والغيظ والسخط أمداً ما، فهل تعجز الدولة وأجهزتها عن وضع تلك الاستراتيجية فعلاً؟

سعيد محمد سعيد

أحوال «المواطن»… المُرعبة (1)

 

«تشير بيانات دراسة حديثة إلى أن 70 في المئة من المواطنين في البحرين يشعرون بالرضا التام من أداء الأجهزة الحكومية التي تقدم خدماتها للجمهور. وفيما يتعلق بالخدمات الإسكانية، بلغت نسبة المواطنين الذين حصلوا على خدمات متكاملة حققت لهم الاستقرار 85 في المئة، أما نسبة المواطنين الذين أقروا بأنهم يحصلون على أجور عالية فقد بلغت 72.4 في المئة، وفي شأن ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة والرغبة في الحصول على دعم علاوة الغلاء، فكانت نسبة المواطنين الذين يعيشون ظروفاً صعبة هي 11.8 في المئة فقط».

تلك المقدمة من الخيال طبعاً! ولا أساس لها من الصحة إطلاقاً! إنما أوردتها من باب التخيل «الفنتازي» المؤلم بشأن أحوال المواطنين المُرعبة، ولربما، لو قمنا أيضاً، بطريقة فنتازية، وقلبنا النسب بشكل عكسي، لربما اقتربنا مما هو أكثر إيلاماً وفداحةً. لنقل مثلاً أن 70 في المئة من المواطنين غير راضين عن أداء الأجهزة الحكومية، وأن 85 في المئة من المواطنين ينتظرون خدماتهم الإسكانية، ونسبة 72.4 في المئة من المواطنين لا تكفي أجورهم لتغطية متطلبات الحياة، وأن نسبة 11.8 في المئة من المواطنين هم من يعيشون في بحبوحة من العيش! هل هناك من القراء ممن سيقر هذه النسب حتى لو كانت متخيلة؟ لربما… ولا عجب في ذلك.

لا بأس من أن نقترب من بضعة أحوال مُرعبة تعيشها نسبة كبيرة من المواطنين، وبالقطع لن نعتبر هذه الحالات أساساً علمياً لتحليل الوضع المعيشي في البلد، إلا أنه لا يجب أن ننكر أن هناك مشكلة معيشية كبيرة جداً يقابلها انعدام إجراء الدراسات الوطنية والأبحاث التي تكشف الواقع المعيشي للمواطن البحريني بشكل دقيق يمكن الاستناد إليه في خطط التنمية الاستراتيجية، وتقابلها أيضاً خيبات أمل متصاعدة من جراء رفض زيادة الأجور وتوسعة شريحة المستفيدين من علاوة الغلاء وتحسين فرص التوظيف..

تتضاعف وتتعقد حينما نطابقها بالتجاوزات المذهلة في المال العام التي ملأت تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية.

من تلك الأحوال المُرعبة، حالة الخوف والفزع الشديد التي تنتاب مواطناً وجد نفسه مفصولاً! وسواء كان ذلك الفصل قانونياً أم تعسفياً، فإن هناك قائمة من المصاعب تنتظره وخصوصاً إذا كان يعيش في مسكن مستأجر وعليه ثقل من الالتزامات المالية كأقساط القروض. وليس الأمل وردياً قطعاً في حصوله على بدل تعطل ينقذه مما ألم به، غير أن رحمة الله واسعة.

ولربما عمّ الحزن والكآبة منزل مواطن عاش وأسرته حلماً في الحصول على وحدة إسكانية أصبحت وشيكة، فطارت الطيور بأرزاقها وجلس يندب حظه ضارباً أخماساً بأسداس. ولا شك في أننا كمواطنين من درجة محدودي الدخل، نضيق درعاً حينما تتعطل السيارة التي ستكلف الكثير لتصليحها، ونحسب ألف حساب لمناسبات، هي في الأساس سعيدة مفرحة طيبة، كحلول شهر رمضان المبارك والأعياد والمدارس، لأن أزمة مالية شديدة في انتظارنا. وزد على ذلك، لا قدر الله، حينما يمرض فرد من أفراد الأسرة ويتطلب علاجه مصاريف لا تنفع معها إلا «الواسطات»، ومخاطبة فلان المسئول وعلانة المديرة والنائب فلتان والمحسن علان، عل بارقة أمل تظهر في الحصول على مساعدة مالية مهما كان حجمها.

أحبتي، تعرفون بالطبع كيف تكون حالة عائلة تحصل على المعونة الاجتماعية أو راتب تقاعدي أو تلك (المنحوسة)… علاوة الغلاء وقتما تتوقف أو تنقص أو تتعثر لسبب من الأسباب! ولكن السؤال الذي ليس من السهل الإجابة عنه هو: «هل من الصعب فعلاً أن يعيش المواطن البحريني ذو الدخل المحدودة حياة مستقرة آمناً على رزقه ولقمة عياله؟ هل تغني تصريحات المسئولين عن الرخاء والرفاهية وارتفاع دخل الفرد وتسمن والمواطن ذاته لا يشعر بها؟ أليس مؤلماً أن «نُعشم» المواطن بالمشاريع الضخمة التي ستعود عليه بالنفع وستنعكس إيجابياً على رفع المستوى المعيشي ثم لا يجد من ذلك إلا «الريش» كما نقول بالعامية؟ أين المتخصصون في التنمية؟ أين المستشارون؟ أين النواب الذين ملأوا جيوبنا بادعاء تفانيهم في تحقيق أمنيات وأحلام المواطنين؟ دعونا منهم فليس يأتي منهم إلا الهرج والمرج.

على أي حال، فإن واحدة من أكبر الصدمات التي حطمت آمال الكثير من المواطنين هي الحصول على زيادة نسبتها 15 في المئة، بعدما رفضت الحكومة طلب مجلسي الشورى والنواب تلك الزيادة ضمن الموازنة العامة للسنتين الماليتين 2013 و2014 باعتبار أن الدين العام والفوائد عليه سترتفع إلى 180 مليون دينار سنوياً! لذا، فإن الغالبية العظمى من المواطنين تريد جواباً مقنعاً: «هل يمكن للحكومة رفع الأجور في القطاعين العام والخاص أم لا؟»… الحديث سيكون طويلاً مستقبلاً.

سعيد محمد سعيد

هيا بنا… «تشليخ تايم»!

 

قبل عدة سنوات، عاش كاتب عمود يومي في أبواب أحد المنتديات الإلكترونية المليئة بالأسماء المستعارة، وصارت أبواب ذلك المنتدى وكأنها رافده الرئيسي الذي يستقي منه المعلومات والأفكار والمناقشات والمباحثات! فلا يكاد يمر أسبوع إلا واحتوت مقالاته على إشارات مذهلة لموضوعات أكثر إذهالاً يستقيها من ذلك المنتدى ويبني عليها… كان بالفعل كمن يحارب طواحين الهواء.

الغريب في الأمر هو: كيف أكل ذلك الكاتب الطعم الذي كانت تلقيه له مجموعة من الشباب المشاكسين بأسماء مستعارة، فيملأون رأسه بها ويحرقون أعصابه ويشتد وطيسه! فلا هو يناقش كاتباً معروفاً، ولا مؤرخاً ضليعاً ولا عالم دين له مكانة علمية واجتماعية! والأنكى من ذلك، كيف كان يصدّق ما يطرحه (الضاحكون عليه) دون استناد على أدلة أو قرائن وخصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الفقهية الخلافية والموضوعات السياسية التي كانت تفرض نفسها على الساحة؟

الطريف، أنه بعد صولات وجولات، امتدت لشهرين أو ثلاثة، كتب شابٌ من أعضاء ذلك المنتدى باسمه المستعار كالعادة موضوعاً جعل ذلك الكاتب يتوقف! لا أتذكر النص تحديداً لكن مفاده هو أن ذلك الشاب قال بما معناه: «عجيب هذا الكاتب الفريد… كنت ألقي له الشلخة تلو الشلخة والمعلومة المغلوطة تلو أختها وكان يأكل الطعم بسهولة! مسكين حتى ما يرجع إلى المصادر الوهمية التي أقدمها لكي يتأكد… كنت أتسلى عليه وخصوصاً حين أقرأ مقاله بعد أيام وقد أكل الطعم بغباء».

بالطبع، مع التطور المذهل في تكنولوجيا الحاسبات الآلية، والتسارع غير المسبوق في منتجات شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والوسائط التي تصبح قديمة بعد فترة وجيزة من ولادتها نظراً لتسابق الشركات والمبرمجين في إنتاج البرامج، تطورت أيضاً ممارسات الكذب والخداع والتضليل الإعلامي والاجتماعي لدى فئات مختلفة من البشر ممن لا يجدون أي رادع ديني أو أخلاقي يمنعهم من نشر سمومهم. غير أن المسئولية هنا، ومع اتفاقنا على أن ذلك الفعل منكر ومرفوض شرعاً وعرفاً وخلقاً ومهنةً، تقع على المتلقي نفسه!

إن المصفاة (الفلتر) المطلوبة هنا لا يمكن إنتاجها تقنياً لتركيبها في عقول الناس، بل الناس بإمكانهم وبكل سهولة، أن «يفلتروا» ما يقع بين أيديهم من معلومات وأخبار وصور حتى لا يصيبوا قوماً بجهالة؟ كيف؟

«تشليخ تايم»، وفق ما يستخدمه الشباب من تسميات وصفية للحالات التي هم فيها: «أكل تايم… رياضة تايم… يمعة الأهل تايم… الخ»، هي شكل سيئ للغاية من أشكال البذاءة والابتذال والقول الرخيص لدى شريحة كبيرة من صغار العقول والطائفيين والحقودين والكذابين الذين، وطبقاً لنفسياتهم الخبيثة، يستخدمون أحدث برامج التصاميم والتسجيل ليصبوا جام غضبهم على من يخالفهم في الرأي، بل وربما صبوا أحقادهم على بلدٍ بأكمله أو طائفة أو ملة.

وليس التشهير بالشخصيات، رجالاً ونساءً، بمن فيهم علماء دين ومثقفون وناشطون حقوقيون وسياسيون وإعلاميون وغيرهم بغريب، حيث تمتلئ مواقع الكترونية وشبكات تواصل اجتماعي ومنتديات بكم هائل من العمل الخبيث بغية الكيد والتسقيط وتشويه السمعة. وعلى أية حال، فالعمل السيئ يحيق بأهله، ورأينا كيف أن بعض الأسود وأبطال الكيبورد وبضع مغردين (من طراز مخرخشهم) قد عبثوا وشوهوا وأساؤوا إلى الناس… ثم ما لبثوا أن انفضحوا على رؤوس الأشهاد، وفي الساحة ذاتها، ساحة الانتشار التقني عبر الحاسبات والألواح الإلكترونية وأجهزة الهواتف الذكية.

اليوم، نشهد في المجتمع البحريني أشكالاً متعددة من العبث الإعلامي الإلكتروني بدءاً من حسابات تويتر والفيسبوك والانستغرام مروراً بالمنتديات الإلكترونية وليس انتهاءً إلى حد! جماعات شغلت نفسها بتركيب الصور وتغيير محتوياتها للإساءة إلى الصورة الأصلية وأصحابها… جماعات أخرى تتعمد اقتطاع مشاهد متلفزة لتحوّرها على اليوتيوب كذباً وتضليلاً وخداعاً. آخرون شغلهم الشاغل هو بث الأكاذيب عبر نصوص البث (برودكاست) في المجموعات العنكبوتية على الهواتف الذكية. الغريب، أن هناك من الفئات المثقفة والمتعلمة من تستقبل وتقرأ ولا تقتنع بما وصلها لكنها… تعيد الإرسال! ويتلقى إنسان محترم فاهم عاقل الأكذوبة ويقوم بدوره بنشرها، وهكذا يشارك البعض في نشر الخبيث! وليس أصعب من أن تجد كاتباً أو مثقفاً، أو سمهم ما شئت، وقد صدقوا واستندوا وعمموا تلك الأكاذيب وأضافوا إليها من بنات أفكارهم المنحرفة الشيء الكثير المقزز الكريه.

(تشليخ تايم)… موضة دنيئة ابتكرتها نماذج ساقطة من المجتمع لتضليل الناس وخداعهم ونشر القذارات السيئة، لكنهم نجحوا في أن يملأوا رؤوس من استعد لأن يرمي بكل مقاييس الدين والأخلاق والكرامة ليفرح بسقوطه في قذارتهم… بس يا جماعة، الحوبة ما ترحم.

سعيد محمد سعيد

شغل «عيال إبليس»… الباطل!

 

أتذكر أنني وأصحابي في القرية، عندما كنا في عمر السابعة والثامنة من العمر في فترة السبعينات (نتلصق) في منازل الجيران الذين لديهم جهاز تلفزيون! لقد كان القليل من الجيران لديهم ذلك الجهاز الساحر آنذاك، لهذا، فلا مانع لدينا أبداً من الالتزام بالشروط (الصعبة) لجارنا صاحب المنزل الذي يشترط علينا ألا ندخل مجلسه إلا بعد أن نستحم جيداً ونلبس ثياباً نظيفة ونلتزم الصمت! هنا، يضطر حتى «الأجلح الأملح» منا أن (يتسبح زين ما زين)… فجلسة مشاهدة التلفاز لا حد لها من المتعة، ويا ويله ذلك الذي يكتشف صاحب المنزل أنه استحم ولبس ملابس نظيفة لكنه لم يؤد الصلاة.

بالطبع، كان المجلس يضم رجالاً وشباباً وأطفالاً، لكن من المشاهد التي لا أنساها، أنه حين يبث التلفاز أغنية لأحد المطربين وتظهر فيها (راقصة)، فإن اللعنات تتصاعد على المطرب وعلى الراقصة! بل، أكرمكم الله، تتصاعد الصرخات والبصقات معاً وخصوصاً من المتدينين من الجيران: «غيروا المحطة لا بارك الله فيهم». هنا، حتى (اللوفرية) الذين (الود ودهم) أن يشاهدوا الأغنية حتى تنتهي، لا ينبسون ببنت شفة.

ولعلني أطابق اليوم ذلك المشهد بما يحدث في حال مشاهدة القنوات الفضائية الفتنوية التي تثير الطائفية وتنفخ في نار التفرقة! وتسعى بخبث مبرمج ممنهج مدروس لتأليب السنة ضد الشيعة والعكس… هنا، تتشابه المشاهد بين فئة من الناس الذين لا يقبلون بمثل هذه الأعمال الشيطانية البغيضة فيلعنون أولئك الطائفيين المسوخ الذين تظهر وجوههم القبيحة وخطابهم النتن وأفكارهم العفنة. هذا إذا كان من في المجلس أناس لا يرضون لأنفسهم النزول لمشاهدة أفعال (عيال إبليس)… أياً كانت طائفتهم وانتماؤهم! فيما بالطبع، هناك من يشعر بالسرور والراحة والسعادة وهو يشاهد تلك النيران تشتعل، بل ويتمنى أن تزداد وتتضاعف ويحمى وطيسها وهو في الوقت ذاته، يرفع صوته بالتكبير والدعاء والابتهال إلى الله لأن ينصر الله المسلمين على المسلمين!

على أية حال، فأنا من الناس الذين يؤمنون تماماً بأن الممارسات الطائفية المدمرة للمجتمعات، لا تنشأ وتكبر وتتضخم وتتعقد إلا إذا كانت الدول والحكومات ذاتها تسمح بمثل هذه الخطابات وهذا المد الإعلامي الشيطاني، وتجمد القوانين المجرمة لمثل هذه الأفعال لتصبح هي طرفاً في مخطط تدميري متعدد الأوجه لا يستقيم ولا يستمر إلا باستمرار الإعلام الطائفي! وفي ذلك تطبيق لمقولة «فرّق تسد»، التي لم تعد خاصة بالقوى الاستعمارية، بل تحوّلت إلى منهج واضح تغذيه بعض الدول والحكومات العربية والإسلامية، تسانده في ذلك منظومة إعلامية كبيرة مدعومة بالمال والامكانات، من الدول ذاتها التي تعشق الطائفية، ومن أطراف أخرى أولها الكيان الصهيوني الذي أوصى مؤتمره الثالث عشر (هرتزيليا) الذي انعقد في مارس/ آذار الماضي بضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي، وتشكيل محورين من دول المنطقة: سني وشيعي! (أنظر مقال: «هرتزيليا تثمن جهود الطائفيين»، «الوسط»، 7 أبريل 2013).

شغل «عيال إبليس» الباطل ذاك، في تفتيت المجتمعات الإسلامية بالحراب المسمومة لإشعال الصراع الديني والاجتماعي والسياسي بين السنة والشيعة، له روافده من الخارج والداخل، إلا أن ثمة فقرة أود إعادتها نصاً من المقال المذكور وهي: «لكن، كل ذلك المخطط التآمري الخطير المستمر منذ عقود، يمكن أن يسقط بسهولة! فإذا كانت حكومات العالم الإسلامي متيقنة من أن الصهاينة أعداء لهم، فلا يتوجب عليهم احتضان ورعاية وتسمين (حمير الطائفية) ليقوموا بدورهم الخبيث، ويلزم ألا تكتفي تلك الحكومات بالتصريحات الصحافية والإعلامية الاستهلاكية تحت عناوين الأسرة الواحدة والوطن الواحد وحقوق الجميع المتساوية بصيغ مجوفة من ناحية، ثم تترك الحبل على الغارب لرؤوس الطائفية لأن تتآمر ضدهم مع الصهاينة، وهي سعيدة فرحة مسرورة»، (انتهى الاقتباس). مع إضافة يسيرة أطرحها هنا، وهي ان التصدي للأفكار الطائفية الوضيعة، حتى وإن كانت مدعومة من الحكومات، يلزم أن تتشكل كموقف شخصي مني ومنك ومنهم ومنكم ومن أولئك… كل ذلك يعتمد على الفكر المعتدل في الحياة اليومية، والممارسة المستمدة من الخلق الإسلامي في التواد والتآخي، وليست صنيعة عيال إبليس في النزاع والتصارع.

ولهذا، من الصعب أن يشعر (عيال إبليس) بالطمأنينة حين ينتشر – على سبيل المثال – خبر زواج مواطن سني من شيعية، أو زواج سنية من شيعي! وقد علم الكثيرون بقصة تأجير صالة أفراح لزواج مواطن سني من مواطنة شيعية في الفترة الأخيرة، فما كان من أولئك الموتورين بجحيم العمل الشيطاني إلا أن أقاموا القيامة ورفعوا الرماح الطائفية وهدّدوا وتوعدوا، بل تبرع بعضهم وبادر لعمل (هاش تاق) على حساب التغريد تويتر، منزعجاً متذمراً متشيطناً وكأن سيده الشيطان انفجر غيظاً مما حدث.

إن التقارب وتعزيز العلاقات بين المواطنين السنة والشيعة في كل المجتمعات، يسقط عمل (عيال إبليس)! فالثمرة التي ينتظرونها بفعلهم الخبيث هي المزيد من الصدام والصراع والتدمير للسلم الاجتماعي، ولأن المجتمع البحريني، وفي مراحل متعددة من تاريخه، مر بأزمات كثيرة وتعداها، لا بفضل أفكار (حمير الطائفية)، بل لجهود المواطنين الأخيار الأصيلين المعتدلين من أبناء الطائفتين الكريمتين، ممن يضعون الخلق الإسلامي ومصلحة الوطن وسلامة جبهته الداخلية للوطن فوق كل اعتبار. أما شغل (عيال إبليس)، فكلما استمر وتعفن، تعفنت معه عقول وقلوب ونفوس… الأقرب لها (برميل الزبالة)… أعزكم الله.

سعيد محمد سعيد

حسناً… اسمع «ويش يقولون»!

 

لست أذهب هنا إلى تصحيح قائمة من المفردات والمصطلحات والتسميات التي انتشرت في المجتمع البحريني منذ اشتعال الأزمة، ذلك أن معانيها معروفة مشهورة لكل من ينطق العربية، ولست اتجه إلى المقارنة بين المعنى الأصلي والمعنى «المستخدم» خلاف الأصلي، فكل مفردات لغات العالم يستخدمها صاحب الخلق في مكانها، ويتلاعب بها الفاسد كيف شاء، إنما هي مفردات، أراها تستحق التأمل… هنا نماذج منها:

* الخونة: من السهل أن تصف الآخرين بالخيانة! ومن اليسير أن تلصق تهمةً كبيرةً كهذه بمن تختلف معهم، لكن من أعقد المصاعب أن تثبتها، فكلمة الخونة أصبحت في بلادنا تستخدم ضد قوى المعارضة الوطنية وضد شريحة كبيرة من المواطنين، وفي الوقت ذاته، لا يمكن لأحد أن يوزع مفردة «الشرفاء» على من يشاء. في البحرين، وهذه وجهة نظري، ليس فيها خائن للوطن وفق أهواء فلان وعلان.

* أذناب إيران: ويستمد منها أيضاً الطابور الخامس والسادس والعاشر والألف، ولربما وجد البعض راحة وسعادة وهو يصف مكوناً وطنياً، وفقاً للانتماء المذهبي والعقائدي، بأنه تابع وموال وخادم لإيران، تسهيلاً لسلب حقوقه واستهدافه، لكن ذلك ما لا يمكن لأي دولة قانون أن تقبله، وإن قبلته فهي الراعية لنشره وترسيخه، وإن فعلت فإنها هي من تعبث بالسلم الاجتماعي والنسيج الوطني. ويحضرني هنا المقال الذي انتشر في الأيام الماضية للكاتب والأكاديمي السعودي عبدالرحمن الوايل في صفحته على الفيسبوك، الذي أشار فيه إلى حوار مع أحد الشباب الذي تأسّف على أن يكون 70 في المئة من العاملين في صرح طبي هم من الشيعة! فسأله: «وما مؤاخذتك على الشيعة الذين يعملون معك في هذا الصرح الطبي الوطني، أليسوا هم من مواطني المملكة، ويعملون في صرح وطني؟ فأجابني بكل ثقة غبية: بلى؛ ولكن ولاء الشيعة ليس للوطن. فسألته: إذا لم يكن ولاؤهم للوطن، فلمن يكون إذاً؟ فأجابني بكل تأكيد أحمق: بأن ولاءهم لإيران. فسألته وكيف توصّلت إلى هذه الحقيقة، هل شققت عن قلوبهم، وتأكدت أن ولاءهم هو لإيران وليس لوطنهم؟ فأجاب كالعارف والمتمكن من ظواهر الأمور وبواطنها: بأنهم يؤمنون بولاية الفقيه؛ أي ان ولاءهم لخامنئي، أي لإيران! وقبل أن أدخل في تفكيك هذه الأطروحة الحمقى واللاوطنية، أريد أن أورد قصة، علها توضح أهمية جمع الولاءات الوطنية لا إهدارها».

* المجوس: لها ذات الارتباط بالعقول الطائفية والنفسيات المدمرة، وليس القصد أن هناك في هذا الكون مجوساً لا يعبدون الله سبحانه وتعالى، بل تستخدم لإخراج (مسلم ينطق الشهادتين) من ملة الإسلام ونسبته إلى ملةٍ أخرى، وبهوس الإذعان الشيطاني، يطيب لأولاد إبليس استخدامها بتلذذ.

* صفويون: هي تعبير كبير عن الجهل المذهل لمن لا يعرف الصفوية ولا نشأتها ولا نسبها ولا دولتها! وإلا لو كان من يستخدمها يعرف جيداً معناها لربما وجد أنها (تعنيه هو لا غيره!)، وتسري أيضاً هذه الكلمة في خطب (مشالخ فتنة) وأصحاب أقلام مدادها كريه، يتفننون في الحديث عن النسيج الوطني والوحدة والتماسك والأسرة الواحدة.

* تطهير: لك أن تفهمها بعدة معان، لكن أبرزها بحسب من ينشرها في المجتمع البحريني والخليج والوطن العربي تعني: أن تصب جام غضبك على من يخالفك في المذهب أو يعارض الدولة أو يطالب بحقوقه أو يعبر عن رأيه، فلذلك هو يستحق «التطهير» من كل الحقوق الإنسانية والشرعية والوطنية.

* الانقلابيون: كالطلقة الهائجة، يطلقها بلا مهارة في التصويب والتسديد، من يتغنى بالوطنية والإخلاص للوطن بشكل زائف، ليجد لنفسه مكاناً من الأعطيات والمصالح الشخصية، ولينفث ما لديه من سموم.

* أهل الدوار: مكوّن من الوطن اختاروا دوار اللؤلؤة أو دوار مجلس التعاون الخليجي (تقاطع الفاروق حالياً)، يمثلون شريحة المعارضة بمطالبها التي لا تخفى على أحد، والوصف اليوم يستخدم ليختصر كل المفردات أعلاه: خونة، انقلابيون، مجوس، أولاد متعة، أذناب إيران، أعداء الوطن…

والحال أن من حق المواطن أن يكون معارضاً، لا ضير في ذلك.

* خيمة نمبر 6: مرفق من مرافق الدوار لا وجود له إلا في عقول الفتنة والطائفية والادعاء الكاذب بالوطنية. لم يكن في الدوار خيامٌ مرقمة. كانت الأشجار والنخيل هي التي تحمل أرقاماً، ومع ذلك يستمتع باستخدامها من يدّعون أنهم (أولياء الله الصالحون).

* الطبالة: ليسوا أعضاء في فرقة موسيقية يقرعون الطبول، وليسوا بالقطع مواطنين موالين للحكومة ويعبرون عن ولائهم المطلق فهذا حقهم. إنما هم جوقة من البشر المتمصلحين الذين يقرعون الطبول مدحاً وثناءً ونفاقاً لينالوا ما يملأ جيوبهم، ولا مكان أصلاً للولاء للوطن في ثقافتهم.

* أهل الفاتح: مكوّن من الوطن اختار مركز الفاتح الإسلامي ليعبر عن ولائه ودعمه للحكومة، ولربما لرفضه لجزء من مطالب أهل الدوار أو كلها. هذا حقهم المشروع دون شك، لكن، ولأن هذا موقفهم، فهم ليسوا بالضرورة طبالة أو طائفيين أو كما سيأتي أدناه… (موب رياييل، ريموت كونترول، منافقون)، إطلاقاً، بل هم مكوّنٌ وطنيٌ لا يمكن عزله.

* موب رياييل: وصف لا يختلف عليه اثنان يشير إلى نماذج لا تريد خدمة الوطن وفق مسئوليتهم الدينية والوطنية والتشريعية، بل لأنهم اختاروا طريقاً واحداً… لا يهمنا الوطن ولا المواطن ولا حاضره ولا مستقبله، يهمنا فقط جيبنا وحسب!

* ريموت كونترول: ليس جهازاً للتحكم عن بعد، إنما حين يختارها أحد بني آدم ليصف به نفسه بكل سرور وفخر، فإنه في الحقيقة يتحوّل من الإنسانية إلى التشيؤ (أي التحول إلى شيء… مجرد شيء)، لا يمكن أن يخدم وطناً طموح شعبه كبير.

هناك من المفردات والمصطلحات والشتائم ما لا يليق المقام لذكرها لوقاحتها ودونيتها أكثر مما ذُكر أعلاه، لكن لو قُدّر لنا أن ندرج وصايا الدين الإسلامي ونصوص القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية المطهرة في شأن الكلام الطيب وجمال القول، لما نفع ذلك في نفوس من جُبل على سيئ القول وبذاءة اللسان، إنما من العار أن يكون المجتمع البحريني، مصدراً لمفردات صالت وجالت على ألسنة الكثيرين، وهي مما لا يُشرف البحرين وأهلها، وإنما جاءت مندفعةً من أقوام هم للتباغض والتناحر والعداوة قادة، وهم للشقاق والنفاق والخصومة والطائفية رواد… زادهم الإعلام السيئ وخطاباته الدنيئة انتشاراً وكأنهم أعلام التقى وجهابذة اللغة ليسيئوا إلى البحرين وأهلها إساءةً كبيرة.

هناك مفردات سيئة للغاية، يفرح بها من يفرح كونه جزءًا منها، ويستاء منها من يستاء كونه لا يرتضيها، بدينه وحسن خلقه ووطنيته، لا لنفسه ولا لغيره من أبناء الوطن.