أ.د. غانم النجار

عندما تحترق المخازن

خلال مسيرة الفساد في البلاد ومنذ الخمسينيات، كانت هناك نقطتان متواترتان، حتى دخلتا ضمن أمثالنا الشعبية، وصارتا ضمن عاداتنا وتقاليدنا. الأولى هي تحول إنسان بسيط إلى شخصية أسطورية وهو فراش البلدية، أما الثانية فكان الحريق السنوي لمخازن وزارة التربية والتعليم، أو المعارف، كما كانت تعرف حينذاك.

ففي كل سنة، في ذات المكان، وقبل الجرد بأيام قليلة، يتحرك فأر دايخ من الجوع في مخازن التربية، ليبدأ بقضم واير كهربائي، دايخ هو الآخر، ومن ثم يعلن سبب الحريق بأنه تماس كهربائي، ثم يغلق الملف، وتأتي السنة القادمة ليتكرر ذات الفعل، ويتحرك ذات الفأر الجائع الدايخ، ليقضم ذات الواير الكهربائي المنسلخ، وتعلن نتائج التحقيق مجدداً، ثم يغلق الملف، حتى أصبح إغلاق ملفات الفساد، الموجهة لمتهمين مجهولين، أو فئران جائعة، جزءاً من عاداتنا وتقاليدنا. متابعة قراءة عندما تحترق المخازن

أ.د. غانم النجار

«النهضة» وليدة بيئتها

نحن نعيش زمن المتناقضات الحادة، لا بل الحادة جداً.
ففي زمن “داعش” وأخواتها، بطرحها المتطرف جداً، والرافض لدول المنطقة، وكل من يحمل فكراً إسلامياً آخر، دع عنك أصحاب الفكر غير الإسلامي، فالكل حلال جز رقبته كالخراف أو كالدجاجة، إن شئت، فالخيار بين رقبتين مجزوزتين. في ذات الزمن تخرج لنا أفكار أكثر تعايشاً مع نمط الدولة القومية. كان آخرها إعلان حركة النهضة التونسية، حسب رئيسها راشد الغنوشي، الفصل بين الدعوي والسياسي، وذلك في المؤتمر العاشر للحركة الذي عقد في مدينة رادس في القاعة الأولمبية. وصف الغنوشي حركة النهضة، من الآن وطالع، على أنها “حزب ديمقراطي وطني متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام”. جاء ذلك بعد دراسة مستفيضة لتجارب تركيا والمغرب، ومصر. وكانت حركة النهضة، بتجلياتها المتنوعة، قد تعرضت منذ الثورة التونسية، إلى “إكراهات” متعددة، بين اغتيالات موجهة، راح ضحيتها شخصيات بارزة كشكري بلعيد ومحمد البراهمي، وزيادة وتيرة العنف والتشدد، وتهديد اقتصاد الدولة القائم على السياحة، وبالتالي إضعاف مشروع النهضة في الحكم. فكان لابد من إعادة التقييم.

متابعة قراءة «النهضة» وليدة بيئتها

أ.د. غانم النجار

قضاء وقدر واستقلال

أما القضاء فلابد من استقلاله ونزاهته، وأي تلاعب بالقضاء هو تلاعب بنمط إدارة الدولة التي تعاني الأمرّين من حالة تراجع، وأورام خبيثة. افترضنا منذ البداية أن قضاءنا مستقل “نسبياً”، وتيقّنا أن داخل الجسم القضائي أشخاصاً مستقلين ونزيهين مطلقاً، يحاولون بجد واجتهاد تحويل ما هو “نسبي” إلى “مطلق”. وكان لهم أن حققوا بعض النجاحات، التي من المفترض أن تتراكم لكي يصبح القضاء مستقلاً بالكامل. فالحكومة، كما تعلن في بعض لحظات التجلي، غير قادرة على إدارة ٧٠٪ من مشاريعها، فكيف تفكر، مجرد تفكير، في أن تنشئ مجلس دولة لكي تهيمن به على القضاء، وتحيله إلى مشروع فاشل، ومرفق سياسي؟! متابعة قراءة قضاء وقدر واستقلال

أ.د. غانم النجار

تسمية مبنى التأمينات «حمد الجوعان»

بلغني خبر رحيل الرجل الفذ حمد الجوعان، رحمه الله، أثناء حضوري مؤتمراً خارج البلاد. مر شريط طويل من الذكريات، عن الصلابة والموقف ومحاربة الفساد، إلى الغزو، إلى خبر محاولة الاغتيال الشنيعة، إلى الصمود والإصرار والترشح لانتخابات ١٩٩٢، فكان حزناً من نوع خاص. متابعة قراءة تسمية مبنى التأمينات «حمد الجوعان»

أ.د. غانم النجار

في رثاء حمد الجوعان

بوفاة المرحوم حمد الجوعان فقدت الكويت واحداً من أبرز الكفاءات الوطنية المخلصة، وكان طموحه السعي والمشاركة بفعالية لدفع عجلة التطور والتنمية للكويت، ودعم مطالب الشعب وقضاياه، وأهمها مكافحة الفساد والترهل الإداري، وهما مرضان لم يكونا بالحجم المنتفخ الذي نعانيه اليوم.
سطر سجل حياته العملية ببروزه كأكثر الكفاءات الإدارية، الشاب الواعد، وكان دوره مرموقاً مع المناضل الوطني جاسم القطامي في صياغة قانون التأمينات الاجتماعية لتحويل قرار مجلس الأمة لعام 1971 بمطالبة الحكومة بإنشاء نظام للتأمينات الاجتماعية. متابعة قراءة في رثاء حمد الجوعان

أ.د. غانم النجار

صار ضرورياً إنقاذ مفاوضات اليمن

مضى أكثر من شهر على بدء المفاوضات اليمنية في الكويت. وحسناً فعلت الكويت باستضافتها المفاوضات، فعلاقتها باليمن خاصة جداً، وتحرُّكها على أعلى مستوى له دلالاته الطيبة. وفي كل الأحوال، سواء نجحت المفاوضات أو تعثرت، فالكويت تضيف إلى رصيدها إضافة مهمة ليست جديدة عليها.
والشهر في حسابات التفاوض الصعبة مدة ليست طويلة. طول المدة أو قصرها لا يقاس بالرغبات والاتهامات المتبادلة إعلامياً، فمن يصغي إليها لن ينتهي إلا إلى الإحباط. المدة تقاس بالإنجاز على صعيد مسارات التفاوض، وانعكاساتها على الأرض. وفي هذا المعيار فإن المدة معقولة، ولكنها بحاجة إلى ضخ المزيد من دماء الإنجازات. متابعة قراءة صار ضرورياً إنقاذ مفاوضات اليمن

أ.د. غانم النجار

انتصار على الخوف

كلما زاد عنف الإنسان وشراسته دلَّ ذلك على خوف يعشش داخله.
الإنسان العنيف، الذي يقتل ويعذب أشخاصاً لا يعرفهم هو إنسان خائف، وللتعبير عن ذلك الخوف يستسهل كراهية وتصفية الآخر، ويبحث عن مبررات ذلك العنف لاحقاً، فهي دينية حيناً، وعرقية حيناً آخر، وطائفية ولغوية وغير ذلك أحياناً أخرى.
الخوف يدفع القطة لتقاتل ما هو أقوى منها إذا حوصرت في زاوية. خوف القطة مبرر، بإحساسها الفطري دفاعاً عن نفسها أمام تهديد مباشر مادي واضح، غير متخيل.
“الانتصار على الخوف” كانت العبارة التي تفوه بها صادق خان حين إعلان فوزه كأول عمدة مسلم لأكبر مدينة عالمية وهي لندن. متابعة قراءة انتصار على الخوف

أ.د. غانم النجار

حلب… مأساة تلد أخرى

تدور حول مدينة حلب مأساة إنسانية محزنة، والمؤسف أنها ليست الأولى، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، سواء في حلب أو في غيرها من بقاع الأرض. استهداف المدنيين، وحصارهم وتجويعهم مستنكر ومرفوض، من كل الزوايا، دون “لكن”، و”حيث إن”، و”ربما”. فالإنسان البريء، المدني، هو ذاته في كل مكان، بصرف النظر عن دينه، أو مذهبه، أو عرقه، أو ملته. إلا أن هذا المفهوم غير موجود عند الكثير من الأطراف المستنكرة أو الأطراف التي تستنكر الاستنكار.
سيتوقف غداً أو بعد غد نزيف الدم في حلب، باتفاق سياسي، ولكنه سينزف في مكان آخر. فأين نقف عندما يكون الدم النازف هو لفئة غير فئتنا، أو غير عرقنا، أو غير مذهبنا؟ متابعة قراءة حلب… مأساة تلد أخرى

أ.د. غانم النجار

الكتابة على جدران الحمامات العامة

“الكتابة على الجدران” مصطلح إنجليزي المقصود منه أن الأمور صارت واضحة وجلية، وأن كل شيء ظهر وبان، وعليك الأمان، إن شئت.
كانت كتابتنا على حوائط بلدنا هي أول فعل احتجاجي على الاحتلال والغزو المشؤوم. الكتابة على الجدران في أغلبها تأخذ طابعاً عاماً.
إلا أن الكتابة على جدران أو أبواب الحمامات من الداخل تأخذ منحى آخر.
هي طبع بشري، سمها عادات وتقاليد الكتابة على جدران الحمامات العامة. وأقول العامة، فلا أحد يكتب على جدران حمامه الخاص. هي في الغالب تكون كتابات من النوع الاحتجاجي الموغل في القضايا الشخصية، مخلوطاً بعبارات جنسية وشتائم بذيئة أحياناً. والغريب أنك تجد أحياناً من يكتب رقم تلفونه، فماذا يتوقع كاتب تلفونه على جدار الحمام؟ متابعة قراءة الكتابة على جدران الحمامات العامة

أ.د. غانم النجار

من هو الجبنة الكبيرة وما علاقته بفراش البلدية؟

من يعرف “فراش البلدية”، سيعرف بسهولة من هو “الجبنة الكبيرة”.
حكاية التمويه، واستغلال النفوذ للإثراء غير المشروع، واختلاس الأموال، يبدو أنها صارت ثقافة سائدة مع الحقبة النفطية. حكاية فراش البلدية تم ردمها، ووضعها في مطمر منذ فضيحة تزوير وثائق الأراضي منتصف الستينيات. في إطار بحثي لرسالة الدكتوراه جمعت الكثير من الوثائق النادرة حول التلاعب بالتثمين والأراضي. وخلال مقابلاتي الميدانية حكى لي جزءاً منها رجل فاضل هو أحمد البشر الرومي، رحمه الله، وجزء آخر حكاه لي رجل فاضل آخر هو محمد العدساني، شفاه الله، ومعاناته حين كان رئيساً للمجلس البلدي من ١٩٦٤ إلى ١٩٦٦، إلى أن تم حل المجلس في مايو ١٩٦٦، ليبدأ هبش ميزانية التثمين دون حسيب أو رقيب. إلا أن القضية أعاد نبشها مرة أخرى بسؤال نائب فاضل هو أحمد النفيسي في مجلس ١٩٧١. كان رد الحكومة الرسمي بأنها لم تقدم أياً من المسؤولين للمحاكمة، ولم تكلف نفسها حتى عناء التحقيق، حفاظاً على السمعة، ثم ألقت اللوم على “فراش البلدية”، الذي تم إبعاده عن البلاد، وحافظت البلاد على عفافها من درن الفساد، وانتهت حكاية تزوير وثائق الأراضي. فراش البلدية كان كبش فداء لحالة متأصلة، يتم رمي الضحية في البحر ليغرق، ويخرج الفاسدون بثيابهم البيضاء بلا اتساخ، فلا لغو ولا تأثيم. وبالتالي لم يكن مستغرباً، بعد ثلاثة عقود، أن تظل أكبر فضيحة تمس أموال الناس في مؤسسة التأمينات الاجتماعية لهذه المدة الطويلة من الزمن، شاركت فيها حكومات، ووزراء متعاقبون، ونواب موالون ونواب معارضون، كلهم صمتوا وسهلوا ذلك الاستلاب، بل إن الطامة الكبرى كانت أن الكشف عن الجريمة، أتى عن طريق فرد، لوحده، وبجهد ذاتي، شخص فاضل آخر اسمه فهد الراشد. عندما شرح لي صديقنا د. فهد التفاصيل، وأسماء من تعاقبوا على إدارة التأمينات وتواطؤ وزراء وحكومات ونواب من اتجاهات مختلفة، تذكرت “فراش البلدية”.
فإن كانت الحال كذلك، وهي كذلك للأسف، فهل نستغرب ظهور جبنة كبيرة في “إيميلات موناكو”، قبضت مليونين ونصف من الدولارات فقط لتسهيل الحصول على عقود نفطية؟ ولا أظن أن الشخصيات المهمة عندنا تقبل بهذا المبلغ التافه، فلعله كان فراش بلدية آخر. متابعة قراءة من هو الجبنة الكبيرة وما علاقته بفراش البلدية؟