لا يوجد استبيان، لكننا نتحسسه ونشعر به كحمل ثقيل يجثم فوق الصدور، ولا يبدو أي بصيص أمل لينزاح عن وعينا وأحلامنا، هو الجو العام الخانق الذي نحيا به هذه الأيام، وهذه الشهور الطويلة منذ لحظة إدراكنا أن أمورنا أضحت سيئة وستمضي للأسوأ، نردد مع أوبريت بساط الفقر “من يوم ما انسرق البساط والحالة كسيفة”، مع ان بساطنا الكويتي -والخليجي- لم يسرق رغم أن سرقات ضمانات الحاضر والمستقبل لم تتوقف، ولكن بساط ألف ليلة وخيبة طار من دون ركاب. متابعة قراءة «من يوم ما انسرق البساط»
التصنيف: حسن العيسى
«ياشواطي السالمية»
حدث مرة عند شاطئ البدع والبحر كان جزراً أن غرست أصبعي في طين الساحل فعلقت به رائحة حمامات البلدية (دورات مياه عامة)، كنت أحاول محاكاة الراوي عند مارسل بروست بالزمن المفقود، حين أذاب قطعة الحلوى بالقهوة، فشده عبقها لذكريات زمن الطفولة الجميل، أما في حالتي فقد قذفت بي رائحة المجاري المتوغلة في طين الشاطئ لا لذكريات الحنين لشاطئ بحر “الدمنه” (اسم السالمية قديماً)، كما أتذكرها بطفولتي، وإنما لنتن فساد ضرب أعماق الدولة.
نشر بيان الهيئة العامة للبيئة بهذه الجريدة قبل يومين لم يحدث الأثر المفترض عند القراء، البيان يتحدث عن البراز وغيره من مخلفات إنسانية تقذف بها مجارير وزارة الأشغال بالبحر، وبطبيعة الحال تسربت للأسماك التي تستهلك. نشر الخبر، كما أرجح، مر مرور الكرام على وعي الناس، فلم تثر أسئلة عن مسؤولين رسميين لهذه الجريمة وغيرها من جرائم بحق البيئة وبحق الإنسان الذي يحيا بها، ولماذا لم تقدم كلمة اعتذار رسمية للدكتور حمد المطر الذي كتب عن تلوث الأسماك بالكويت فتم تقديمه للمحاكمة عندها… وهكذا يكون الجزاء عادة بدول سنمار. متابعة قراءة «ياشواطي السالمية»
مصانع ألبان كاملة الدسم
يتساءل د. غانم النجار، في مقال الجريدة، عن “الجبنة الكبيرة”، التي ذكرت كرمز للفساد بالكويت في أوراق بنما، وهي التي نشرتها منظمة صحافية دولية بعد تسريب من مكتب محاماة في بنما، ويسأل غانم ما إذا كان من الممكن فتح تحقيق في مسألة “الجبنة” الكويتية أم أن “الحديث عن الفساد ضار بالأمن الوطني…؟!” طبعاً، من دون تفكير ولا تدبير الحديث عن الفساد ضار بالأمن، ومدمر للاقتصاد الوطني، بدليل الحالة التي تمر بها الدولة الآن، فلولا مثل تلك المانشيتات والافتتاحيات والمقالات الملتهبة بالصحافة الكويتية الحرة، لما وصلنا لهذه الحال، لكننا مستقرون مطمئنون مرتاحون، نردد صباحاً ومساء عبارة “شاربين ماكلين مو ناقصنا شي، وشنبي بعد”، مثلما يرددها أهل السويد والدنمارك، وهما الدولتان الأقل فساداً بالعالم، ولا يسبقهما غير “العراق المحرر”، ومعه عدد من دول الغبار العربي. متابعة قراءة مصانع ألبان كاملة الدسم
فسحة من غير كاميرات
“الواقع الذي كنا ندركه لم يعد موجوداً، فالمنازل والشوارع والطرق كلها تبحر بعيداً مع الزمن، واأسفاه على تلك السنوات. الأماكن التي اعتدناها لا تنتمي إلى مساحة حددناها في زمن آفل، هي صورة ملتصقة في الذاكرة لزمن مضى” (ترجمتي لفقرة من “البحث عن الزمن الضائع أو الغائب أو المفقود” لمارسيل بروست عن الترجمة الإنكليزية لأرثر غولدهامر بكتابه المصور عن الرواية).
بروست على لسان الراوي لا يكابد الحنين “نوستلجيا” لزمن الأمس للماضي، بل يتحسر على غياب المكان، حين طوته صفحة من كتاب الزمن، وهو كتاب لا ينتهي ولا نعرف من أين بدأت أول كلماته. الراوي يتحسر على ضياع أماكن ذكرياته الجميلة في الحديقة والغابة التي التقى فيها جلبرت وعشقها أيام طفولته، لم تكن حسراته على جلبرت ابنة سوان، بل على رحيل تلك الأماكن وضياع معالمها، هي المساحات التي أحب فيها، ونحتت ذكراها على حوائط وجدانه، فالمكان هو المساحة التي ضاعت، وهو ينبش عنها في تلافيف الزمن، يقلب ذكرياته عله يجدها.
متابعة قراءة فسحة من غير كاميرات
لو كان عربياً
عندما حرض سارتر قوات الأمن الفرنسية على عدم إطاعة الأوامر العسكرية بضرب الثوار الجزائريين أثناء حرب تحرير الجزائر لإيمان الفيلسوف المناضل بحق الشعب الجزائري في الاستقلال، وجهت السلطات الفرنسية تهماً جنائية له بهدف سجنه، عندها بادر الرئيس ديغول بالعفو عنه وقال: “لا يصح بفرنسا أن تسجن فولتير”، أيضاً بذلك الوقت تعرضت صحيفة فرنسية “ماوية” (نسبة للزعيم ماوتسي تونغ) لتهديدات بالإغلاق، بعد أن تخصصت في النقد والهجوم على السلطة الفرنسية، ورغم أن سارتر الذي كان يرأس وينشر مع فلاسفة آخرين مجلة “الأزمنة الحديثة” لم يكن متفقاً مع الخط السياسي “الماوي”، فإنه بادر حينها بترؤس تحرير تلك الجريدة الماوية بغرض حمايتها من الإغلاق، فاسم الفيلسوف وشهرته بحد ذاتهما يفرضان نوعاً من الحصانة الأدبية لتلك الجريدة، مواقف لا تحصى للروح النضالية لسارتر كتوسطه للأديب اللص والمنحرف جنسياً جان جينيه عند الرئيس الفرنسي ليعفو عنه (ولجان جينيه، فيما بعد، مواقف لا تنسى بالوقوف مع القضية الفلسطينية ومساندته ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا)، ومشاركته (سارتر) في مظاهرات ضد حرب فيتنام، وكان محرضاً وخطيباً في تمرد 1968 بفرنسا (ثورة الطلاب)، وغير ذلك من مواقف كثيرة تشهد إيمان ومصداقية الفيلسوف الأديب لما كتب ودعا إليه. متابعة قراءة لو كان عربياً
مرحاض المقاول
مقاول شمال الصليبيخات لبيوت هيئة الإسكان حصيف، يدرك تماماً كيف تسير الأمور في دولة المقاولات. يعي جيداً أن الحال مؤقت، ولا شيء سيبقى في النهاية، يفهم أن هذه النهاية قريبة، ربما خمس أو عشر أو عشرين سنة، العدد ليس مهماً، المهم أنه يدرك أن الحال مؤقت في الديرة، مثلما تعلم وحفظ عن ظهر قلب حكمة البلد التراثية “من صادها عشى عياله”، ولأنه أحد الذين صادوها فيلخزن ملايين ومليارات عقد المقاولة في إمبراطورية المقاولات في حساب بنكي بعيد عن الخيمة المؤقتة، ليصون مستقبل أولاده وأجياله من بعده، فالدنيا كما علمته التجارب الثرية أن دوام الحال من المحال، وأنه إذا هبت الرياح فليغتنمها، وقد هبت رياح الثراء وصيد الفرص في ديار بني نفط، فاغتنمها واغتنم زمانه كما يقولون، وابتلع زمان غيره، وليذهب غيره للجحيم، أليس الغير هم الآخرون؟ وهو يعمل بحكمة “سارتر” الخليجي بأن الآخرين هم الجحيم، فليذهبوا لجحيم المعاناة والمجهول في دولة المقاولات، والجحيم الآن على الأبواب. متابعة قراءة مرحاض المقاول
بنز الوزير المخالف
ما شأننا كيف أوقف وزير التجارة سيارته بموقف المعاقين أو على هاوية جبل كي تلتهب الكلمات، وتضج مانشيتات جرائد “الحرية” عن الوزير وكيف يبتسم الوزير، وكيف يشكر الوزير رجال الشرطة، وكيف نهلل ونزغرد فرحين بالاكتشاف الكبير لدولة القانون في حارة “من صادها عشى عياله”، وأنه لا أحد فوق القانون، والجميع سواسية أمام دفتر المخالفات المروري، مثلما هم سواسية في الفرص الاقتصادية وفي توزيع خيرات برميل النفط الآفلة، لا فرق بين شيخ وغير شيخ، ولا بين كبير من الدائرة المغلقة ولا صغير من أصفار الشمال…!
ما شأننا بالوزير وفرحة الوزير وهو يشاهد “الشو” الإعلامي لتحرير المخالفة، ما شأننا بمعاليه وبمعاليكم، أنتم الذين تقودون (أو يفترض هكذا) الديرة في أحلك ظروفها الاقتصادية والأمنية، تقدمون خطوة ثم تتراجعون بعشر خطوات، تقولون كلاماً في الليل وتنسونه في النهار، ضائعون في “حيص بيص” البرميل النفطي المتهاوي، لا تعرفون أين تبدأون وأين تنتهون، خلقتم نوابكم كي يبصموا معكم في كل صغيرة وكبيرة، وها أنتم الآن محتارون معهم لا تدرون كيف تدارونهم وكيف تراضون شعبيتكم وشعبيتهم في مؤسسات المحسوبيات والترضيات وتطييب الخواطر. متابعة قراءة بنز الوزير المخالف
مأزق الدولة
قدم عدد من نواب الاستعراض الشعبوي مشروعاً بقانون مفصل على مقاس عقابي للنائب عبدالحميد دشتي، في هذا المشروع الذي يدعو لإنشاء لجنة قيم بسلطة لجنة تحقيق برلمانية مهمتها تحديد القيم الدينية والأخلاقية أو الاجتماعية التي يخالفها النائب، ومن هذه القيم “التعرض للأشخاص أو الدول الشقيقة”، ولهذه اللجنة، بعد التحقيق، أن تحيل موضوع النائب للمجلس للتصويت على إسقاط عضويته.
مشروع هذا القانون يشكل اختراقاً خطيراً لمبدأ الفصل بين السلطات، بتخويل المجلس سلطة قضائية بعقوبة العزل من النيابة، وفيه شبهات دستورية، كما أنه ابتدع جريمة جديدة مبهمة غير محددة المعالم سائبة خطرة ومدمرة اسمها “التعرض للقيم الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية”، وأضاف أيضاً جريمة ثانية هي “التعريض للأشخاص أو الدول الشقيقة”…! وخول الولاة الجدد بمجلس الصوت الواحد أنفسهم سلطة تحديد القيم والعادات الأخلاقية والاجتماعية والدينية، وما يعتبر تعرضاً للأفراد أو لعلاقات الدول الشقيقة، إلخ، هنا تصبح اللجنة هي الخصم والحكم… وبكلام آخر تعد هذه اللجنة إحياء لميت “هعامنعم” (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما اسماها الزميل عبداللطيف الدعيج قبل عشرين عاماً) بعد أن تفتحت عبقرية نواب السلف الحكومي للعودة لمثل تلك اللجنة المقبورة مع تحديد اختصاصها الآن بزملائهم النواب، وبالغد سيتمدد فكرها “الداعشي” لتشريع متكامل لكل مواطن ومقيم في مثلث الهم الكويتي، وكأن هذا ما ينقصنا! متابعة قراءة مأزق الدولة
الصلح سيد الأحكام
قيام الكويت بالوساطة بين دول مجلس التعاون والجمهورية الإيرانية هو عين العقل، وأمر مستحق الآن أكثر من أي وقت مضى قبل هذه الوساطة التي تتم خطواتها الأولى عبر رسائل من سمو الأمير للقيادات الخليجية، ينقلها وزير الداخلية، بفرض صحة الأخبار الصحافية، كانت هناك إشارات إيجابية نحو “حلحلة” الوضع الخطر في المنطقة، فالانتخابات الإيرانية أنتجت قادة هم أقرب للوسط وأكثر اعتدالاً ممن سبقهم، وفي الجانب الآخر من ضفة الخليج نسب للأمير تركي الفيصل أن المملكة العربية السعودية مستعدة للحوار الكامل مع إيران، وكذلك نقلت وسائل الإعلام أخبار دعوات التهدئة والحل السلمي في اليمن، بعد أن تأكد للجميع أن المدنيين الأبرياء هم الذين يدفعون ثمن حرب القبليات، وأن اليمن بتركيبته القبلية ووعورة تضاريسه لا يمكن أن يخرج منه أحد كطرف منتصر، وأن الصلح هو سيد الأحكام. متابعة قراءة الصلح سيد الأحكام
أوباما «مع الخيل ياشقرا»
عرض الصحافي “جيفري غولدبرغ” بشهرية اتلانتك تصوراً عاماً لمبدأ “عقيدة” أوباما، وهو عبارة عن لقاءات وحوارات مستفيضة مع الرئيس الأميركي حول السياسة الخارجية للدولة بصفة عامة، استغرقت طباعة تصورات أوباما نحو مئة صفحة (بخط عريض)، وبمثل ذلك العرض الشمولي الذي يتنقل في التاريخ من “هوبس” بفكرة حرب الكل على الكل والليفانثان، وكيف نقرأ خريطة الشرق الأوسط بهذا المنظار، إلى لمحات نقدية لنظرية “هنتغتون” عن صراع الحضارات، إلى واقع الدولة القبلية في الشرق الأوسط، إلى دعوته لتجديد الفكر الديني في عالمنا الإسلامي، مع رفضه وإدانته لأطروحات منغلقة متعصبة ضد الإسلام، كما تبناها بعض السناتورات الجمهوريين مثل المرشح الجمهوري دونالد ترمب، لا يمكن أن نصدر أحكاماً انفعالية متسرعة عن “مبدأ أوباما” بطريقة “مع الخيل ياشقرا”، لأنه انتقد سياستنا ونهجنا، فالرجل يقود أقوى دولة في العالم، ويملك ثقافة قانونية وسياسية عميقة، ويحيط به مستشارون ودور بحث “ثنك تانك” هائلة، فلنتمهل قبل أن نستعرض عضلاتنا الفكرية في تقييمه، وليس لأحد أن يرتدي بذلة “نعوم تشومسكي” بنقده العميق للسياسة الأميركية إن كان لم يقرأ حرفاً للأخير. متابعة قراءة أوباما «مع الخيل ياشقرا»