خلال اليومان الماضيان شهدنا تجربتان رائعتان لمعنى الديمقراطية الحقيقية، الأولى كانت بريطانية، والثانية وهي قادمة في الطريق بنكهة أمريكية، وكلا التجربتان مرتبطتان بملف واحد وهو الملف السوري وجريمة نظامه باستخدام الكيماوي ضد شعبه.
مجلس العموم البريطاني رفض باكثرية ضئيلة قرار رئيس الوزراء ديفيد كاميرون المشاركة في توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري، وقال كاميرون بعد إعلان نتيجة التصويت “اتضح لي ان البرلمان البريطاني، الذي يمثل آراء الشعب البريطاني، لا يريد تدخلا عسكريا بريطانيا. لقد اخذت علما بهذا الامر والحكومة ستتصرف بناء عليه”.
ولعل من الأهمية هنا ذكر أن 30 نائبا من حزب المحافظون الذي يتزعمه كاميرون صوتوا ضد التدخل، وهو ما قلب النتيجة الى رفض المشاركة، إذ صوت ضدها 285 نائبا مقابل 272 ايدوها.
أما التجربة الأمريكية، فهي ما أعلنه الرئيس باراك أوباما بقوله “ساطلب موافقة ممثلي الاميركيين في الكونغرس على استخدام القوة”، رغم أنه يملك الصلاحية في أخد القرار دون الرجوع للكونغرس، أسوة بما فعله من المشاركة في توجيه ضربة ضد نظام معمر القذافي عام 2011.
نظامان ديمقراطيان مختلفان، الأول برلماني والثاني رئاسي لم تختلف فيهما النتيجة بالالتزام برأي ممثلي الشعب، مهما كانت النتيجة أو أثرها على المصلحة الوطنية الأمنية أو العلاقات الدولية لهما، فكان الاحتكام الى الشعب هو الخيار الوحيد أمامهما بعد أن تعددت المواقف تجاه العمل العسكري.
لنسقط هذين المشهدين على التجربة الكويتية!
لو كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الصباح، ورفض مجلس الأمة إقرار المشاركة في توجيه ضربه عسكرية للنظام السوري، لانسحب من الجلسة وانسحب خلفه 15 وزيرا، واتجه فورا الى قصر السيف وعقد اجتماعا استثنائيا لمجلس الوزراء.
وبعد الاجتماع يرفع كتاب عدم تعاون مع المجلس، ويحل البرلمان ومن ثم يصدر مرسوم ضرورة بالمشاركة بالضربة العسكرية!
ولو كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما الصباح – ولكن برتبة رئيس الوزراء حتى تتواءم مع الشأن المحلي 🙂 – ، لما فكر أساسا باللجوء الى مجلس الأمة للحصول على الدعم الشعبي والسياسي لمثل تلك الحالات، بل لأقر القانون أو قراره بالمشاركة في الهجمة دون اعتبار لمجلس يمثل الشعب! و”يسطفل” الخمسون نائب ..
الديمقراطية شيء، والايمان بالديمقراطية ونتائجها شيء آخر، في الكويت لدينا الشق الأول ولكننا نفتقد شق الايمان بأن النهج الديمقراطي هو الذي يجب أن يحكم، وأن مجلس الأمة، ممثل الشعب، هو من يجب أن تكون له الكلمة الأخيرة حتى لو عاكست رغبات النظام والسلطة والحكومة.
للأسف، مازلنا ننظر الى ديمقراطية الآخرين بانبهار ونحن من لدينا هذا النظام منذ خمسون عاما، لم تعرف السلطة كيف تحترمه، ولم يعرف الشعب كيف يطوره، ولم يعرف النواب كيف يمارسونه ويطبقوه، لذا سنظل نتابع ديمقراطيات الآخرين باعجاب، وننظر الى تجربتنا الديمقراطية باحتقار.
في الأخير، يدور في عقلي سؤال موجه الى تنظيمات الاسلام السياسي، وخاصة تلك التي لبست ثوب الديمقراطية وعمامة الانسانية مؤخرا، ماذا لو جاء تصويت الكونغرس الأمريكي برفض الضربة العسكرية أسوة بمجلس العموم البريطاني، هل ستحترمون قرار الشعبين؟ أم أنكم ستوجهون سهامكم من جديد الى النظام الديمقراطي؟ وتنتقدون العلمانية والليبرالية؟