محمد الوشيحي

من عمق المعارضة

ما يحدث الآن في المشهد السياسي الكويتي ليس إلا مسرحية طبق الأصل من مسرحيات الشوارع التي كانت شائعة في مصر في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. ويقول المؤرخون الفنيون إن "الممثلين" كانوا ينتقلون من منطقة إلى منطقة ومن شارع إلى آخر، وكانت قصة المسرحية تختلف باختلاف المناطق والشوارع، وباختلاف ملابس المشاهدين ومستوياتهم، وقد يتغير مسار الفكرة إذا دبت خناقة في الشارع أو بكى طفل على ذراع أمه أو أو أو. ويقول آخرون إن فكرة المسرحية يرسمها المتجمهرون بصيحة أو تعليق، فيلتقطها منهم الثلاثي ويبنون عليها في الحال حواراتهم، على وقع تصفيق الناس وضحكاتهم، إذ يقف الثلاثي أحياناً بين الناس دون أن يكون لديهم فكرة أو موضوع للحديث عنه، ويتبادلون التعليقات والقفشات مع البسطاء المحيطين بهم، وكان الله غفوراً رحيماً.
الأمر ذاته هنا، طبعاً دع عنك الحكومة وسوالف الحكومة وضياع الحكومة، فهذا هو العادي، وتعال نشوف البرلمان ونضحك أو نبكي أو نلطم، أيها قبل، لتتأكد أنها مسرحية شارع قطفة أولى.
البرلمان تخصص في تحويل أقوال المعارضة وتصرفات شبان الحراك إلى "أفكار مسرحية"، فقانون حبس كل من يرفض الوقوف للعلم جاء رداً على تصرف النائب السابق محمد هايف، وحبس كل من يحتشد أمام قصر العدل أو في أروقته جاء رداً على تجمع الناس في قضية مسلم البراك، والمطالبة بعودة قانون التجنيد الإلزامي، مع تأييدي لعودته بعد تحسينه، جاءت رداً على تجمعات شباب الحراك السياسي، ورغبة في إبعادهم عن المشهد، وحجزهم في معسكرات الجيش، وغيرها الكثير من اقتراحات القوانين التي تتتبع المعارضة، وتراقبها "مان تو مان" أو "برلمان تو مان".
لا شيء أكثر من المراقبة اللصيقة للمعارضة ومناكفتها بطفولية باهتة، اللهم إلا طلب "زيادات للرواتب" وعلاوات وما شابه من الاقتراحات التي يتفوق فيها "عسكر العنزي" ومن شابهه من سيناتورات البرلمات.
ولأن بعض نواب هذا البرلمان الممجوج يمضون الليالي والأيام بحثاً عن تصرفات المعارضة لاستنباط فكرة منها وصياغة اقتراحات مضادة لها، سأكشف للنواب هؤلاء سراً لعلهم يتصرفون بسرعة ويبادرون بصياغة اقتراح بقانون بخصوصه، فقد اكتشفت أن عدداً من السياسيين المعارضين والنواب السابقين يعشقون "وجبة السباغيتي" بشكل مثير ولافت للنظر، أقول ذلك وأنا شاهد عيان، وليتكم شاهدتم كيف "يمخمخ" فلاح الصواغ وهو يأكلها، أو كيف ينسى فيصل المسلم الطاولة ومن عليها وتخنقه العبرة على السباغيتي، ولولا الحياء لضم الطبق على صدره وأطفأ الأنوار، وغيرهما كجمعان الحربش وفيصل اليحيى والطبطبائي والبرغش ووو…
خذوها مني، صوغوا اقتراحاً بقانون يمنع استيراد السباغيتي، وستهرول المعارضة للجلوس معكم على طاولة الطعام.
أما خالد الطاحوس، فيكفي صياغة اقتراح بقانون يمنع ارتداء القميص تحت الدشداشة، وأضمن لكم أن ينشق عن المعارضة ويرفع شعار "طاعة ولي الأمر"، وقانون منع القهوة سيدفع الكاتبجي الوشيحي إلى مباشرة إجراءات الهجرة.

محمد الوشيحي

مشايخ السلطة… وريشتا النسر الأخيرتان

كانت ردود أفعال الناس في الكويت تجاه مشايخ السلطة وأتباعهم لا تتعدى الهمهمات والتذمر وكظم الغيظ. كانوا يخشون النسر الذي يحلق فوق رؤوسهم باسم الدين وبأجنحة السلطة، وكان النسر يهوي عند الطلب فيمسك بكل من يرفع رأسه دفاعاً عن كرامته، فيحلق به شاهقاً، ويبعده عن "أرض دين السلطة" إلى "أرض الكفار"، قبل أن يطلقه فيسقط المعارض على الصخور المدببة جثة هامدة.
وبعد صبر، وبعد ألم شديد، أعلن الناس الحرب على نسور السلطة، فأمسكوا بها (النسور) وراحوا ينتفون ريشها، ريشة ريشة، ويكسرون مناقيرها وأصابعها، فتألمت السلطة قبل النسور، وانطلقت "فريخات النسور" تشتم بلا هوادة، وتلعن بلا توقف، وتنعق بلا تنظيم.
وكنت قد أعلنت بدء المعركة على مشايخ السلطة ونسورها، واستعدادنا لمنازلتهم، بكل أدواتهم وأدوات السلطة من خلفهم، فوعدني أتباعهم بالرد، فكتبت مقالة طويلة في جريدة "سبر"، وجهت إليهم فيها أسئلة محددة، وتحدثت عن نقاط معينة، فلجأوا إلى سراديب الصمت، حتى لحظة كتابة هذه المقالة، باستثناء الشتامين واللعانين والمكفرين المكفهرين، الذين انطلقوا يتبارون أيهم أقذع شتماً وأقذر لساناً… علماً بأن المجال مفتوح لهم للرد في الموقع ذاته.
أتحدث معهم عن العقل، والتحرر من التبعية العمياء، فيسألني أحدهم بطريقة ظنها محرجة: "إذا لم نتبع مشايخنا فمن نتبع يا الوشيحي؟ هل نتبع اليهود أم الأميركان أم الليبراليين؟"، يبدو أنه نسي أن الله وهبه العقل، وله أقول: "اذهب إلى مشايخك، وأعطهم الكوبون الذي أعطوك إياه مقابل رهن عقلك ولسانك، وبعد أن تسترد عقلك اتبعه هو، اتبع عقلك أنت فقط، وتخلص من روح العبودية للبشر".
على أية حال، وكما ذكرت، ضاق الناس ذرعاً بنسور السلطة في الكويت، فقرروا نتف ريشها، وجار الآن نتف الريش بحماسة لم أكن أتوقعها، وبقيت ريشتان اثنتان، سيتم نتفهما قريباً، وسننجح في تطهير ديننا وأرضنا من دعاة العبودية والخنوع.

محمد الوشيحي

حفاظاً على سلامة أكتافكم

رحم الله ذلك الشايب الذي كان يعاني خلعاً في كتفه، وكان قبل ذلك كثير الحزن، كثير الصمت، قليل النوم، تحول قلبه إلى ملعب للهموم، لكن بلا مدرجات، فلا أحد يعرف ما الذي أحزنه وجعله بهذا الوهن وهذا الهزال وهذا الشحوب… كان لا يكشف شيئاً من أمره لأحد، حتى أعز أبنائه، وكأنما يعيش في علاقة سرية مع حزنه.
استطاع أبناؤه، بالتنسيق مع طبيب هندي، خداعه وإقناعه أن السبب في آلام الكتف هو قرب الكتف من القلب، وقلبه مليء بالحزن، والحزن يتراكم ويتضاعف، وليس له إلا أن يقلل الحزن عبر الفضفضة، وأن العلاج يكون فقط بالفضفضة عما يحزنه، أما مراهم الدهان فهي ثانوية وليست رئيسية في علاج الكتف.
وخلال فترة لا تزيد عن السنة، نجح الطبيب في علاج كتفه، ونجح الأبناء في تخفيف أحزانه، عبر إقناعه بأهمية الفضفضة، فاستعاد عافيته بعد هزال، وإشراقة وجهه بعد شحوب.
المضحك أن الشايب صار ينصح كل من يحزن بالفضفضة، خوفاً على سلامة قلبه وحفاظاً على سلامة كتفه، ويرى أن الفضفضة علاج ناجع لكل الأمراض دون استثناء.
ونحن نحمل نصيحة الشايب بأيدينا ونضعها في حضن كل من أغضبه منظر هذه الجماهيرية الكاسحة لضمير الأمة مسلم البراك، وصورة الحشود التي تزاحمت داخل قصر العدل وخارجه في جلسة محاكمته أمس… نقول ذلك حفاظاً على أكتاف كارهيه ليس إلا.
مسلم البراك علاجٌ ومرض في الوقت نفسه، قلة هم من لا يؤثر فيهم البراك سلباً أو إيجاباً. أما من يشكّل البراك علاجاً لهم فهم في ازدياد، وأما من يشكل مرضاً لهم فليس لهم إلا الفضفضة لصديق، أو فليفضفض كلٌّ منهم للآخر، ولا فضفضة ولا تفريغ للهموم أفضل من البكاء.
حفاظاً على أكتافكم، داووا أنفسكم بالفضفضة والبكاء، ولا بأس باللطم والنواح كلما شاهدتموه محمولاً فوق الأعناق… وطهور إن شاء الله.

محمد الوشيحي

المستشرقون من أبناء الصباحية

المعلومة التي يجهلها الكثيرون أن منطقة الصباحية، وهي منطقتي التي تعلمت فيها القراءة والخناق واللعب حافي القدمين والغزل والشعر المكسور والتدخين خلف فرع الغاز ووو، هي أكثر منطقة في الكويت أخرجت نواباً للبرلمان على مدى تاريخ الحياة السياسية الكويتية… حتى في هذا البرلمان غير المعترف به شعبياً، أخرجت الصباحية ثلاثة نواب، اثنان منهم من الطائفة الشيعية والثالث كندري…
أحد هؤلاء النواب الثلاثة، ناصر الشمري، كان أحد الموقعين على أجمل اقتراح بقانون، أيضاً على مدى تاريخ الحياة السياسية في الكويت، وينص على أن حق الترشح للانتخابات مقصور على من استوطن آباؤه وأجداده الكويت قبل عام 1920، وقد قام بالتوقيع عليه، كما ادعى، بتحريض من النائب عبد الحميد دشتي، الذي هو نائب كويتي (للتذكير فقط) حتى وإن استمات دفاعاً عن إيران وشكك في ولاء الآخرين وأهداف السعودية الشقيقة، وهو لا يعادي القبائل -أتحدث عن عبد الحميد دشتي – لكنه بالصدفة يدافع عن جويهل ويتحالف مع نبيل، وغيرهما ممن يتساقط شعره لمجرد ذكر القبائل، وهو متهم في قضايا مالية ينظرها القضاء هذه الأيام، لإصداره شيكاً بلا رصيد ومطعون في عضويته، وأشياء أخرى لا تثلم الذمة ولا تُغضب أشراف الأمة.
الجميل أن ناصر الشمري تراجع وانسحب من قائمة الموقعين، فسقط الاقتراح من علٍ والحمد لله، وإلا كنا، نحن المستشرقين، الذين أتى آباؤنا من قارات أخرى، ولم تكن هذه الأرض من ضمن مراتع إبلهم ولا ميادين خيلهم، ولم يكونوا هم من أطلق التسميات على أراضيها، ولا من سالت دماؤهم على أرضها دفاعاً عنها، ولا ولا ولا، أقول الحمد لله أن المقترح سقط وإلا كنا، نحن أبناء المستشرقين، ضعنا في الرجلين… يا ما أنت كريم يا رب.
المعلومة التي يجهلها الجاهلون أن عبد الحميد دشتي، استشهد في معارك الكويت، وأصيب في معارك أخرى، واستوطن الكويت قبل جزيرة وربة، وهو الذي زرع "الحمض" في الوفرة، الذي كانت تتزاحم عليه إبل القبائل، وكانت إبل دشتي "الشعل" وإبل صفاء الهاشم "الشقح" ترعى "العبدلية" وتحمض في "الوفرة"، والحمض، كما يعرف عبد الحميد دشتي وصفاء وكل عشاق الإبل، لا تستغني عنه الناقة.
بقيت نصيحة أهمس بها في أذن دشتي ورفاقه أصحاب القانون، وهم صفاء الهاشم وحسين القلاف ونبيل الفضل: إذا كان القصد استبعاد قبيلة مطير، أو أي قبيلة أخرى، فاجعلوا الاقتراح يبدأ من 1923 أي بعد معاهدة العقير بسنة، لأن التاريخ الذي اخترتموه يخدم القبائل ولا يخدمكم، فالكويت وقتذاك كانت تضم الكثير من مناطق مطير وغيرها من القبائل… خذوا هذه النصيحة وقبّلوها وخبئوها.

محمد الوشيحي

:على شاطئ صباح الناصر

لطالما سخر صديق سوء وهو يشاهد قارئ النشرة الجوية المتحمس يفصّل: "درجات الحرارة في الأحمدي كذا وكذا، وفي الوفرة كيت وكيت، وفي النويصيب كذا وكيت" ويعلّق: "كلنا عيال قريّة، وكلنا نعرف أن الجالس في الوفرة يمكنه أن يلمس النويصيب بيده الكريمة، بشرط أن يكون طويلاً، والجالس في الأحمدي يمكنه أن يسمع أحاديث أهل الوفرة وضحكاتهم، فلماذا كل هذه الفشخرة؟ وماذا تركنا للولايات المتحدة الأميركية، ونيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا، وساحلها الشرقي وساحلها الغربي، وولاياتها الشمالية وولاياتها الجنوبية؟" ويضيف: "ليس للكويت ولا لقطر ولا للبحرين أن تغوص في تفاصيل مناطقها، يكفيها القول إن درجة الحرارة في الدولة هي كذا، ونقطة".
ويضيف صديق سوء آخر، مؤيداً: "لو كانت الكويت مثل لبنان، حيث الجبل والسهل والوادي والنهر والغابة والساحل لما اعترض أحد على تفصيل النشرة الجوية، لكن الكويت كباطن كف الفتاة المترفة، ملساء من غير سوء… فشخرة مضحكة".
كنت أستمع لهما وأتمتم لنفسي: "الحمد لله أنهما لم يسمعا عن ترقيم كتائب الجيش، الكتيبة (51) دبابات، أي أن هناك بالتأكيد خمسين كتيبة دبابات أخرى أو أكثر، والكتيبة (82) إمداد وتموين، أي أن لدينا إحدى وثمانين كتيبة أخرى للإمداد والتموين، على الأقل، واللواء الخامس عشر، ووو، أرقام تجعلك تشفق على قوات حلف الناتو… ولا أدري بماذا سيعلّق الصديقان لو عرفا هذه الأرقام وهذه الفشخرة العسكرية؟".
كل هذه الأرقام، سواء للكتائب أو الألوية أو درجات الحرارة، تؤكد أن الكويت والولايات المتحدة الأميركية الكتف بالكتف والسن بالسن، وسيب وأنا أسيب.
وأمس الأول، ثبت بالقطع المبين أن الكويت كأميركا، قص ولصق، ففي أميركا لكل ولاية قوانينها الجنائية الخاصة بها، وفي الكويت كذلك لكل ولاية أو منطقة قوانينها الخاصة بها. ونخرج في مسيرة احتجاجية في منطقة قرطبة، فلا نعرف من أين تنفجر كل قنابل الغاز هذه، ومن أين تهوي كل هذه المطاعات (الهراوات) علينا، ولا ندري هل نعطس أم نسعل (نكُحّ) أم نئن أم نعرج ونحجل، فوضى مشاعر، وكنا نتساءل بعد كل مسيرة تتراقص فيها القنابل عن الميزانية المخصصة لها.
هذا ما حدث في قرطبة ومشرف وغيرهما من المناطق، في حين أن المسيرة في منطقة صباح الناصر لم يكن ينقصها إلا شاطئ بحر وفتاة حافية القدمين تمشي إلى جانبك، شعرها منثور مبلول، وعازف أوكورديون يستند إلى الجدار، وإنارة خافتة… كانت مسيرة رومانسية للغاية، تصلح لشهر العسل.
وكانت المطاعات تغني على ظهور شبان الصباحية، في حين كان شبان الجهراء، في التوقيت نفسه، يتبادلون الضحكات وفناجين القهوة مع القائد الميداني المسؤول.
يا صاحبي، لكل ولاية قوانينها لا شك. فأنت في الولايات المتحدة الكويتية.

محمد الوشيحي

:أم لا…

خلاص، بعد إغلاق قناة "اليوم"، لم يعد ينقصنا سوى المطرقة والمنجل، ونعيد إحياء حقبة الاتحاد السوفياتي… هانت.
وبالتجربة والمعايشة، أيقنتُ أن السلطة يمكن أن تصبر على الصحف، وتتفاهم مع أصحابها وكتّابها ومحرريها، لكنها ستموت لو ظهرت قناة فضائية تخالف نهجها، وستكمن لهذه القناة خلف الجبل، وستطعنها بخنجر مسموم… ففي يقين السلطة أن الناس تشاهد ولا تقرأ، وأن الصورة أخطر من الكلمة مليون مرة.
خلاص، هزّت السلطة فنجانها واكتفت من قهوة الحرية التي كانت تباهي بها وتتظاهر أنها تتلذذ بها، فالقهوة تُسهر، والسلطة ملّت السهرَ وتريد أن تنام، والسهر يرهق البشرة، والنوم يريحها.
والسلطة تريد أن تستر عورتها وتتستر على فسادها، وعورتها هو البرلمان، وهو برلمانها هي لا برلماننا، وهو فضيحة بجلاجل وخلاخل، ففي كل خطوة يخطوها مصيبة، وفي كل كلمة ينطقها كارثة، وهو يخرج إلى الناس بثياب قصيرة جداً وشفافة جداً، فتحاول السلطة مط ثيابه إلى الأسفل، وتنسى أنها بذلك تكشف أكثر مما تستر.
وهو برلمان ثغرة، تتسلل من خلاله السلطة في الليل "العتيم"، لتسرق حقوق الناس وهم نيام. أو هي تظن أنهم نيام.
ولا أدري هل تعرف السلطة مكانتها ومكانة برلمانها عند الناس أم لا، وهل تسمع ما يقوله عنها وعنه الناس أم لا، وهل تدرك حجم الغضبة التي تشتعل في صدور الناس أم لا… الإجابة طبعا "أم لا".  

محمد الوشيحي

وأسقطنا طائرات صقر الحشاش ورفاقه

مات عبد الناصر، وإعلامه حي ينبض ويشتد عوده، واعتزل أحمد سعيد أشهر الإعلاميين العرب على مر التاريخ، لكن كذبه مازال يلعب في الدوري المحلي.
و"تراجعت القوات الصهيونية أمام تقدم قوات جيشنا الباسل"، كما ادعى أحمد سعيد منذ اليوم الأول لحرب ٦٧، و"أسقط حماة الوطن هذا اليوم مئتين وستين طائرة للقوات الصهيونية"، أيضاً كما ادعى حضرته في اليوم الثاني للحرب، في حين كان عساكر الجيش الإسرائيلي لحظتذاك يتبادلون الأنخاب والضحكات والتهاني في الأراضي المصرية.
يومذاك صدّق المصريون كلام أحمد سعيد، باستثناء قلة مثقفة كانت تقيس الأمور بالعقل لا العاطفة، ومنهم مسؤول الكهرباء في السد العالي، الذي أعلن رأيه أمام العمال، وطالبهم باستخدام العقل والمنطق، فثار العمال في وجهه، وجاءه من الشتم والبصق ما يكفي شعب الصين العظيم: "حط المنطق بتاعك في… يا ابن الـ…"، إلى أن تبينت الأمور وانكشف المستور.
غاب أحمد سعيد عن المشهد واعتزل، لكن هناك من ارتدى فانيلته وأصر على استخدام طريقته ذاتها في اللعب الغبي، بكل ما أوتي من فخر، رغم تعدد مصادر الإعلام، بعكس الحال في عهده، أقصد عهد أحمد سعيد.
وتتجاهل غالبية وسائل الإعلام الكويتية ما يدور في الشارع من صمود الحراك في وجه الأعاصير، وتسمّي بعض وسائل إعلام السلطة كل هذه الجموع الغاضبة "المغرر بهم"، ويتبرع بعضها بتخوين المشاركين في الحراك السياسي، ويتطوع آخرون بإخراجهم من الملة، وفي المقابل تمتدح هذا البرلمان المنبوذ، وتسوّقه وتروّجه وتورّثه وتسرّح شعره، ووو…
والصدق، أن غالبية الناس لا تثق بنواب "مجلس السلطة" ولا بوسائل إعلام السلطة، ولا بكل ما يخص السلطة، وتحفظ أسماء شبان الحراك السياسي، وتثق بهم، وتقدر بطولاتهم وتضحياتهم، ويحتفظ كثير من الناس بصورهم، وينظرون إليهم بعين من الفخر وأخرى من الحب.
وتدفع السلطة بسيئي السمعة إلى الصف الأول، ويدفع الشعب بأبطاله صقر الحشاش ومطلق السند وسلام الرجيب وعياد الحربي وحمد البديح وراشد الفضالة وعبدالعزيز بو حيمد والمئات من أمثالهم  (كي لا أنسى أحداً) إلى الصف الأول، وشتان بين الصدارتين.
ومازال أحمد سعيد الذي يسكن داخل السلطة يردد: "أسقطنا طائراتهم" ومازال الشبان يتقدمون بصمت، ويرددون مع الشاب سلام الرجيب: "أنا كويتي… ما أنكسر"، ويردد ذووهم: "بكم نفخر".

محمد الوشيحي

كانت سنة…

كم أعشق السنوات الفارهات، كسنة ١٩٦٢ التي ولد فيها الدستور، وسنة ١٩٩١ التي عادت فيها الكويت إلى الحياة، بعد محاولة اغتيال فاشلة قام بها صدام وجيشه، وسنة ٢٠١٢ التي تميزت بابتسامتها الساخرة من السلطة.
كانت سنة، تسابق فيها الشبان الأحرار على الزنازين، وتزاحموا أمام نيابة أمن الدولة، فتداعى الشعب لدفع كفالاتهم.
كانت سنة، مسحت فيها المادة السادسة من الدستور دموعها عن عينيها، ونهضت، وهرولت تغسل وجهها، وتعيد تسريح شعرها، وتطل من نافذة سجنها، بمشاعر اختلطت فيها الرهبة بالفرح، على وقع صيحات الشبان وأهازيجهم… صحيح أن الشبان لم يطلقوا سراحها بعد، لكنهم عرفوا مخبأها، ومازالوا يتصارعون مع السلطة لتحرير الأسيرة وإعادتها إلى حضن الشعب.
كانت سنة، لفرط اختلافها، تعاقبَ عليها مجالس ثلاثة، أقصد مجالس أمة، مجلسان للسلطة والثالث للشعب، بعد سنوات عجاف كانت السلطة فيها تبني مجلسها من التمر فإذا جاعت أكلته.
كانت سنة، حكّت معادن الناس، فظهرت ألوان المعادن الحقيقية، واختلط فيها الشامي بالمغربي، والليبرالي بالإسلامي، والقبَلي بالحضري، والفقير بالغني، ووو…
كانت سنة، تكلم فيها ليبراليو السلطة بلسان يخجل غلاة المتدينين، عندما رفعوا شعار "طاعة ولي الأمر من طاعة الله"، ورفع فيها متدينو السلطة شعار "لن تخطئ السلطة ولن يصيب الشعب"، على عكس شعار الفاروق عمر رضي الله عنه.
كانت سنة، فارهة فارقة، بفستانها الفخيم، وابتسامتها الشامخة الهازئة بقنابل الغاز والمطاعات والرصاص المطاطي واتهامات أمن الدولة والكفالات ومنع السفر ووو…
كانت سنة، لم تغادر إلا بعد أن أوصت شقيقتها الصغرى ٢٠١٣ بحسم الأمر، وبعد أن أعطتها "نقطة" لتضعها في آخر السطر، فتعهدت الأخيرة "بشرفها" بأن تفعل، وستفعل.
كانت سنة، سحرت قلوب الشبان، وخطفت ألبابهم، فتقدم إليها الفرسان منهم، ممن اعتادت جلودهم السموم والرمضاء والزمهرير، وتخاذل "عيال الفيّ" و"عشاق الدفء والظل".
كانت سنة، غادرت وبقايا عطرها مازالت تُسكر، وطريقة خطوِها تفتن، وجمالها يقتل… كانت سنة… وكل عام وأنتم بشموخ.

محمد الوشيحي

فديت تمخ

الحند لله، كما تقول خالة عمرو طاهر، أن كل ما قيل عن الاتفاقية الأمنية الخليجية مجرد ترهات يثيرها دعاة الفوضى (بالإذن من المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية صاحب حقوق هذه الجملة).
قيض الله لي وقرأت الاتفاقية الأمنية الخليجية (سأختصرها تمخ) فما وجدت فيها ما يحظر تناول القهوة في فنجان أبيض، ولا حتى في فنجان شفاف، ولا أي لون، وها أناذا أكتب المقالة وأتناول قهوتي في فنجان أبيض بخطوط سماوية مائلة، ولم يقبض علي أحد. يا ما أنت كريم يا رب.
قلّبت الصفحات ومواد القوانين فما وجدت مادة تحظر الغناء بصوت عال في المخيم مع الأصدقاء والندماء، ولا أية مادة تحظر "جر الصوت" وأنت مستند بظهرك إلى خيمة من ماركة النمران، ولم أجد ما يمنعني من مجالسة سعد العجمي وسعود العصفور، وتناول الفطائر معهما في ليالي الشتاء. أصلاً لم ترد جملة "ليالي الشتاء" من الأساس، لا في ديباجة الاتفاقية ولا في ثناياها، فديت ثناياها.
نفضت الاتفاقية نفضاً مبرحاً، ورفعتها أمام الشمس، فما وجدت فيها ما يعاقب على الاستماع إلى أغنية "نسم علينا الهواء من مفرق الوادي" ولا "يا دارة دوري بينا ضلك دوري بينا، تا ينسوا أساميهن وننسى أسامينا" ولا أي أغنية لفيروز. أي والله.
أعدتُ قراءة الاتفاقية، فما رأيت فيها ما يمنعني من مداعبة ولدي سعود "بو عزوز" ذي الجبهة المترامية الأطراف، ولا ما يمنعني من تبادل اللكمات معه، أو حمله على كتفي، أو التسابق معه على الدرج. ولم تحظر الاتفاقية استهبال بو عزوز عندما يختبئ خلف الكنب، فأتظاهر بالبحث عنه، وأتساءل عن مكانه، فيرد علي بصوت شرطي "أكبر قوي" ليخبرني أن سعود "ركب الطيارة وراح فوق". صدقاً، الاتفاقية لم تمنع الأطفال من الاستهبال أو العبط.
قلّبتُ وفتّشتُ، بصّرتُ ونجّمتُ كثيراً لكني لم أقرأ أبداً (بالإذن من نزار قباني) اتفاقية بهذه الوداعة والرومانسية، وسأقسم بالله قسماً غليظاً أنني لم أقرأ فيها ما يفرض تقبيل أيادي أبناء الحكام ولا كتوفهم (لست متأكداً من تقبيل البطون). ويا ما أنت كريم يا رب… كل هذه الأمور مسموحة، فاستمتعوا وامرحوا وارقصوا، بالإذن من معمر القذافي صاحب القبضة الأمنية الأشهر.

محمد الوشيحي

الحضانة أولاً

كتبت قبل سنين عدداً، منذ أن كانت أميركا مجموعة من "العشيش والصنادق*" وأوروبا تجلب المياه على الحمير: "إنشاء جامعة الدول العربية وانضمام الدول إليها هو الخطوة الأخيرة، التي كان يجب أن تسبقها خطوات وخطوات".
وهنا تذكرت حكاية صاحبي المصري الذي كان يدرس في الجامعة، فاتفق مع صديقته على تناول القهوة، كنوع من جر الرجل، في مقهى خارج الجامعة، فسألته: "هيّه عربيتك نوعها إيه؟"، فصحح لها: "أنتِ قفزتِ إلى السؤال الثاني، كان يجب أن تسأليني أولاً ما إذا كنت أملك سيارة أم لا، كي أوفر عليك مصاريف السؤال الثاني".
وقبل أن تدخل الجامعة، أية جامعة، عليك أن تجتاز المراحل الدراسية الأساسية، في حين أن دول العربان تسلقت جدران "الجامعة" قبل أن تتمكن من فك الخط، ولو أنها خضعت لاختبار قدرات لما تمكنت من اجتياز مرحلة الحضانة.
واختبار القدرات يبدأ من السؤال الأول: "كيف يمكن أن تبني رصيفاً بشكل سليم، وشارعاً لا يغرق من دمعة سحابة خجلى؟"، وبالطبع الأكيد، كما يقول ذلك العراقي، ستفشل بعض دول الخليج في الاختبار، وفصل الشتاء يشهد ويفضح، ولا يكره زعماء العرب شيئاً كما يكرهون فصل الشتاء الذي يكشف الفساد ويغرق البلاد… طبعاً لا حاجة للتذكير بأن الدول الإسكندنافية تقع تحت "دش سماوي" لا يتوقف، لكن الماء يتسرب مباشرة إلى المناهيل، ولا يبقى إلا ما يبلل الشوارع، ولو انفتح "الدش" علينا هنا في بلاد العرب، لتكررت مأساة قوم نوح عليه السلام، ولنبتت لنا زعانف وخياشيم.
وأعود لأقول: قبل أن تدخلوا الجامعة، عليكم أن تجتازوا أولاً مرحلة الحضانة، فتعالجوا أرصفتكم وتسلّكوا مناهيلكم. على أن تكون هنالك هيئات عربية تبدأ من "حضانة الأمة العربية"، "ابتدائية الأمة العربية"، "إعدادية الأمة العربية"، "ثانوية الأمة العربية"، ثم بعد ذلك "جامعة الدول العربية"… لا تدخلوا الجامعة وأنتم لا تعرفون فك الخط. القفز ممنوع والعتب مرفوع.

—————-
العشيش: لهجة محلية يقابلها العشش بالفصحى.
الصنادق: لهجة محلية مفردها صندقة، وتختلف عن العشة في نوع مادة البناء.