أمضيت إجازتي هذا العام متنقلا بين جنوب افريقيا حيث الطبيعة الرائعة الى شمالها وتحديدا مصر بلد الثقافة والفكر والمتاحف والمساجد والكنائس التاريخية التي تتجاوز أعمارها آلاف السنين والتي أجزم بأن السائحين الخليجيين والعرب معهم ولربما حتى بعض المصريين لم يزوروها قط!
ويحيط بجنوب افريقيا خطران ماحقان أولهما فيروس الايدز المصاب به ربع السكان وهي النسبة الأعلى في العالم، وثانيهما تفشي الجريمة الذي يهدد بتحولها الى كولمبيا أخرى لا سيطرة لأحد عليها، بينما يحيط بمصر الحبيبة خطران أحدهما صحي ونعني فيروس الكبد (سي) المصاب به كذلك ما يقارب ربع السكان وهي النسبة الأعلى في العالم، أما الخطر الحقيقي الثاني فهو الصحافة الرصيفية الصفراء التي باتت تهدد الوحدة الوطنية المصرية والاستقرار السياسي هناك.
ويتقاسم صحافيون أمثال مصطفى بكري (الأسبوع) وابراهيم عيسى (الدستور) ووائل الابراشي (صوت الأمة) وعادل حمودة (الفجر) وعبدالحليم قنديل (الكرامة) وغيرهم عملية إفقاد الشعب المصري الشقيق الأمل بكل شيء وتظليم المستقبل أمامه اضافة الى مسّهم اليومي بالوحدة الوطنية وضربهم لهيبة السلطة واثارة الأحقاد عليها.
وقد أشار الزميل عبدالله كمال في عدد جريدة روزاليوسف اليومية الصادر قبل يومين الى ان سبب مقالات عبدالحليم قنديل ـ الذي التقيته أخيرا في حوار ساخن ضمن برنامج «المراقب» للزميل محمد موافي ـ المدمرة والحارقة للوطن اعتقاده بأن الحكومة المصرية تقف خلف استغناء جريدة قطرية عن مقاله الأسبوعي وقطع ما يتلقاه منها مما يعني ان الثوري العتيد لا يمانع في حرق مصر لأجل حفنة قليلة من الدولارات.
والمؤسف ان الصحف والمجلات المصرية القومية العريقة كالأهرام والأخبار ومجلة روزاليوسف مهددة جميعا بالتوقف بسبب تراكم الديون عليها وقيام الدائنين باللجوء للمحاكم لأخذ حقوقهم وهو ما يعني الاستغناء عن آلاف العاملين بتلك الدور الصحافية في مقابل صحافة صفراء لا يعمل بها إلا أفراد قليلون ثم ـ وهذا الأهم ـ غياب منابر التعقل والرد الحكومي على ما يأتي في تلك الصحافة الصفراء من افتراءات والتي تمول الكثير منها سفارات الدول الثورية وغيرها.
وضمن خطاب ألقاه الرئيس حسني مبارك قبل أيام في القوات المسلحة أوضح ان دخل مصر السنوي يقارب 177 مليار جنيه (1،8 مليارات د.ك) بينما يتجاوز الانفاق 274 مليار جنيه (13 مليار د.ك) ومعروف ان أغلب العجز الذي يقارب مائة مليار جنيه كل عام يذهب لدعم المحروقات والكهرباء والأغذية والاسكان ووظائف القطاع العام كنتيجة لسياسة ما بعد ثورة يوليو 52 الاشتراكية التي قضت على القطاع الخاص ولا يمكن في ظل صحافة التحريض والتأجيج القائمة ان يمس ذلك الدعم رغم انه لا يذهب للمحتاجين فقط بل للجميع.
وكان الرئيس مبارك قد استلم مقاليد الحكم عام 81 وعدد سكان مصر يقارب 40 مليون نسمة فأصحبوا هذه الأيام 80 مليونا على نفس رقعة الأرض وضمن نفس الموارد وبزيادة عددية تتجاوز ما كان عليه سكان مصر منذ بدء الخليقة حتى استلام مبارك الحكم.
إن جميع ناقدي الأوضاع القائمة في مصر لا يتحدثون قط عن الحلول، أو ما إذا كانت البدائل التي ستأتي بها الانتخابات القادمة أفضل لمصر مما هو قائم خاصة والجميع يرقب ما يحدث في غزة والقطاع.
آخر محطة:
أستمتع وانا في مصر بما أراه على محطة «العربية» واسعة الانتشار من تقارير يومية يبعث بها مراسلها النشط في الكويت الزميل سعد العجمي الذي يعمل ـ للعلم ـ وحيدا وينافس في عدد تقاريره ما يأتي من أماكن ساخنة كغزة وبيروت وبغداد.
وجود الكويت على خارطة الإعلام أمر استراتيجي هام.