حسن العيسى

أين أنتم؟


أكاد أردد مقولة الدكتور عبدالله النفيسي أثناء احتجازه أيام دواوين الاثنين حين نسيت قضيته ولم يزره أحد في معتقله، وقال: "أنا غسلت إيدي من الشعب"، فهل أقول مثله اليوم ولست معتقلاً مثلما كان النفيسي، لكنني مرهون بالقلق على حرية الضمير وحق الكلمة وأنا أشاهد وألمس باليد العارية اللامبالاة عند معظم ما يسمى "مؤسسات المجتمع المدني" في مأساة اعتقال الزميل محمد الجاسم…! بيان واحد يتيم موقع من عشر جمعيات فقط، أما جمعيتا الصحافيين والمحامين، ومحمد الجاسم عضو في الاثنتين، فما أذكره أنهما لو صمتتا لكان أفضل من صيغة بيانيهما المهلهلين اللذين يبدو أن أربابهما جاهدوا لإمساك العصا من منتصفها.


لنترك جمعياتنا المتعايشة على صدقات وهبات السلطة، وهي تكيل بيانات الشكر والعرفان لأريحيتها وكرمها، ونهمس في آذانهم: إن من يقبض يخسر حريته، ويصبح صوته صدى يردد كلمات الواهب. لنبحث عن نواب الأمة من الذين توسمت فيهم خيراً… أين هم؟ ذكروني بغير النائب مسلم البراك، وهو كوكب في سماء الناشطين من أجل حرية الضمير، ومعه قلة من التكتل الشعبي مثل خالد الطاحوس، وبضعة نواب آخرين، من غير هذا الكوكب ورفاقه من النجوم المتلألئة في ليلنا، ومعهم الزميل أحمد الديين وقلة من كتاب الضمير، يرافقهم نواب سابقون مثل مشاري العصيمي والدكتور فهد الخنة والكبيران الخطيب والنيباري، من غير هؤلاء انتفضوا ورفضوا ما يحدث لحرية الضمير وسجين الرأي؟ من غير مسلم البراك وأحمد الديين وغانم النجار، ومعهم شباب واعون قد دعوا إلى التجمعات الشعبية، وأصدروا بيانات الرفض… وقالوا كلمة "لا" كبيرة لما حدث لتكبيل صاحب الرأي بالقيود، وزجه في سجون أمن الدولة من أجل كلمات نقد ونصح لمسؤولين ولا أكثر…؟


كم مضى على حبس الجاسم…؟ لا نعد بالأيام ولا بالأسابيع… وخشيتي أن نبدأ الحساب بالشهور وغداً بالسنين لا قدر الله… فأين أنتم يا نواب الشعب؟ وأين أنتم يا وكلاء الحق بعد أن خيط فم من فوضكم وصوت لكم بكلبشات الحديد…؟ أين دفاعكم عن الحريات…؟ أين اقتراحاتكم لتعديل قوانين الجور ونسف الكلمات المطاطة في قوانين أمن الدولة والجزاء والمطبوعات والنشر…؟ ليست هي قضية محمد الجاسم الآن… هي قضية حرياتنا وحرياتكم… ليست هي قضية محمد أو زيد أو فلان من الناس الذين اختلفنا معهم في السابق، وتحفظنا على مواقفهم وإنما هي قضية موضوع… عنوانها حرية الضمير.


لا أحد يريد أن يتدخل في القضاء ولا في سلطانه، فلا تتذرعوا بتلك الذريعة، ولا بتلك الحجج الواهية… لأن من حقنا أن نتدخل ونستنكر على من أوصل الأمور إلى هذا الحد، وطرق باب القضاء من دون مبرر معقول… من حقنا أن نفرق كبشر أحرار بين حكم القانون والتعسف في حكمه… لا تقولوا لنا إنه ليس من مصلحة الدولة أن تصل مسألة الجاسم إلى المنتديات الدولية… فهذا مصلحة لحرية البشر… وما هو صالح لهم يكون بالضرورة صالحاً للدولة… لتصل حكايتنا إلى أسماع منظمة العفو الدولية وبقية منظمات حقوق الإنسان والدول المهتمة بالشأن الإنساني… لأننا بصراحة نكاد نفقد الأمل بكم، ومللنا ثرثرتكم… فإذا كنتم لا تسمعون… فهم حتماً بالخارج سينصتون… فسيادة الدولة ليست مطلقة في عالم اليوم… فحرية الضمير تضع حدوداً واضحة لهذه السيادة في الدول التي تتبجح بديمقراطيتها المزعومة وبحرية إعلامها المقهورة… تذكروا يا سادة أننا مواطنون ولسنا رعية في فيافي الجدب.


آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *