عندما صرحت لجريدة الوطن بأهمية تنظيم العمل السياسي، ووضع حدّ لهذا الصدام الدائم بين السلطتين، عن طريق اصدار قانون لإنشاء الاحزاب، قامت الدنيا عند البعض ولم تقعد، وكأنني طالبت بما يستوجب اقامة الحدّ! علماً بأن الكثير من الرموز السياسية قبلي قالوا بما قلت وأشد، وعدد من التكتلات السياسية بدأ فعلا بخطوات عملية لتنظيم العمل السياسي الحزبي، ولكننا لم نسمع او نقرأ ردود افعال كتلك التي شاهدناها على تصريحي! ويبدو ان الحركة الدستورية الاسلامية لها من الخصوم ما يكفي لاشغال الساحة السياسية، خاصة اذا كان الخصوم المعترضون على خط الحركة امثال الزملاء شملان العيسى ونبيل فضل وعايشة رشيد وعزيزة مفرج وغيرهم من الاعلاميين، وكذلك بعض التيارات السياسية مثل السلفيين (تكتل باقر والعمير)، والجاميين وبعض اصحاب التحويلات والايداعات!
اما ما ذكرته من نية الحركة للسعي لتقديم مشروع لتنظيم العمل السياسي فلم يكن بدعة، وليس بجديد، فقد اقامت الحركة مؤتمرا وطنيا عام 2002 للتسويق للعمل الحزبي، كما تقدمت الحركة بهذا العمل من خلال نوابها، عندما كان لهم تواجد في مجلس الامة في سنوات سابقة، واما المطالبة بالعمل الحزبي الذي ينظم العلاقة بين السلطتين، فقد صرح به السيد جاسم الخرافي، عندما كان رئيسا لمجلس الامة عدة مرات، ولم يكن الوحيد الذي صرح بذلك، بل ان عدداً من السياسيين كانوا يطالبون بضرورة وضع حدّ لهذا الصدام بين السلطتين من خلال التشريع للعمل الحزبي!
ان الهدف الذي ننشده هو الوصول الى صيغة مناسبة تساعد السلطتين على تحقيق برنامج الحكومة دون تعطيل متعمد من مجلس الامة! لقد مضى على العمل بهذا الدستور اكثر من خمسين عاما، اثبتت التجربة خلالها ان هناك صداما مستمرا بين السلطتين تسبب في عرقلة الانجاز، وتعطلت نتيجة لذلك التنمية، ولم يحدث بتاتاً ان نفذت الحكومة برنامجها في اي سنة من السنوات الخمسين، ولعل اخطر النتائج المترتبة على هذا الوضع غير المستقر هو تشويه التجربة الديموقراطية حتى تعوذ منها الاشقاء قبل الاصدقاء، وأعطينا للانظمة المستبدة حجة شرعية على شعوبها، ولعنتنا النخب المثقفة في الدول النامية، لاننا اصبحنا نموذجا سيئاً لا يصلح للاقتداء!
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا عندما نتحدث عن العمل الحزبي نستذكر تجارب الدول المتخلفة، وبالذات نظام صدام حسين (حزب البعث)، وغيره من الاحزاب الهلامية التي في واقعها حكم فردي تسلطي دكتاتوري؟! لماذا لا استذكر التجارب الحزبية في بقية دول العالم المتحضر، التي تعطي صورة ناصعة للعمل الحزبي؟! بل لماذا لا استحدث قانونا على مقاسي في الكويت ومتوافقا مع ثوابتي الشرعية والاجتماعية الكويتية الاصيلة؟!
انا اعتقد اننا نحتاج الى تشريع ينظم العمل السياسي، ويسمح بانشاء الاحزاب، بحيث نضمن من خلاله الشفافية في التكوين التنظيمي لهذه الاحزاب والعلانية في مصادر التمويل ومجالات الصرف وتجريم العمل السري بأي شكل من الاشكال، على ان ينشئ مجلس الامة هيئة مستقلة تابعة له للاشراف على مراقبة الاحزاب، وضمان سلامة تطبيقها للقانون الذي ينظمها.
الذين ثاروا ضد تنظيم العمل السياسي هم المستفيدون من هذا الشتات الذي نحن فيه، وهم المنتفعون من تعطيل التنمية وانتشار الفساد والمفسدين في كل الميادين دون حسيب ولا رقيب، انهم الجبناء الذين اصابهم الرعب، عندما شعروا بان هناك حراكاً جاداً لوضع حد لهذه البربسة السياسية التي نخوض فيها منذ خمسين عاماً.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.