منظر حسني مبارك في قفص الاتهام، وهو يستمع الى الجرائم المنسوبة اليه، جعل البعض يعطف عليه ويقول بأنه كان حاكما لمصر سنوات طويلة، فلا تجوز إهانته بهذا الشكل. والحقيقة، فإن هذا الموقف المتعاطف مع شخص لا يختلف فيه اثنان على انه كان يعتمد في حكمه على أجهزة أمنية قمعية وحشية لا مثيل لها يعرفها الجميع، وكذلك على حفنة من البلطجية وسراق المال العام الذين حافظوا على حصته وحصة أبنائه بشكل لم يكن خافيا عن جميع المصريين، أمر مثير للاستغراب. اذن، لماذا هذا التعاطف معه؟
هذه الظاهرة موجودة عندنا منذ آلاف السنين. فمنذ بدء تاريخنا في أزمنة السومريين وحكامنا كانوا آلهة يعبدون، وكان البشر يعتقدون بأنهم خلقوا فقط من أجل خدمتهم كي يتفرغوا لمهامهم الالهية فقط وليست لهم أي أهمية. فهم ليسوا سوى خدم يعبدون الآلهة الموجودون في كل مكان والحاكم هو إله يعبد ويطاع ويقدس.
إذن، فكرة الإله الحاكم كانت موجودة عندنا منذ القدم، وعلى الرغم من أن الديانات السماوية ألغت فيما بعد كل هذه الآلهة البشرية المنتشرة في المنطقة، فإن هذه القدسية للحكام بقيت عالقة في ذاكرة الشعوب التي اصبحت تقدس الحاكم مع أنه بشر. ومما عزز من ذلك بالطبع بطش معظم الحكام لمن يعارضهم في أي شيء، لأن حلم السلطة المطلقة والحاسمة كانت هي الفصل،.لا بل وصل بنا الأمر الى ان دساتيرنا تنص على ان الحاكم لا تمس ذاته ليصبح وكأنه بمرتبة الإله، عز وجل، فما الفرق بين هذا والشرك؟
في الدول الديمقراطية والمتحضرة التي تحترم نفسها، الحاكم هو انسان عادي يخضع لجميع القوانين، ومنصبه لا يسمح له إطلاقا بأن يسرق او يقتل او يعذب أو يحرم الناس من حقوقهم في الكرامة والحرية. وإذا خالف القوانين فإنه يعاقب كأي انسان آخرمن دون استثناء أو رحمة، بل أشد من غيره لأنه خان الأمانة، وحنث بالقسم الذي أداه قبل توليه الحكم.