مبارك الدويلة

جعلوني شريطياً!

كل الشعوب والحكومات تكرم الشهداء وترعى اسرهم وتقدم لهم كل ما يريدونه وتعطيهم الاولوية من دون منّة وتعالٍ إلا في الكويت.. وانا هنا اتحدث عن الشهداء «البدون» وليس الكويتيين، فمكتب الشهيد، الذي انشئ بهدف تكريم الشهداء واسرهم، كان عليهم اشد ممن قتل اباءهم، فمسؤولوه في ابراج عالية يعطون من يشاؤون ويمنعون عمن يشاؤون! والشهيد عندهم مجرد تصنيفات تبدأ بالجهاد وتنتهي بالواجب، ست مراتب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
هذه رسالة وصلتني من المهندس الكيميائي عبدالعزيز الشمري، وانا اعرف ان له اختا طبيبة وعددا من الاخوة اقلهم يحمل شهادة جامعية، يقول عبدالعزيز‍: «انا ابن شهيد واجب من شهداء وزارة الداخلية، قضى نحبه اثناء ادائه الواجب في حادث دورية عسكرية في أمن المنشآت، وهو يحمل الكويت في قلبه وعلى صدره، واسمه معتمد في مكتب الشهيد على الترميز السادس، اي انه شهيد بالاسم فقط، من دون خدمات، وان قدموا لنا الخدمات يقولوا لنا جملتهم المشهورة: «نحن يجب الا نقدم لكم هذه الخدمات ولكنها مساعدة منا لكم». مشكورين يا من تمنون علينا شهادة ابينا.
واما انا فابن شهيد «بدون» لم أرَ تكريما في حياتي من مسؤول او من شرطي مرور، فالكل يعاملني كمتهم، لاني «بدون»، وانا احمل شهادة الهندسة الكيميائية من جامعة الكويت منذ اربعة عشر عاما، ولم اعمل يوما كمهندس، بل حاليا ادرس الماجستير في حراج السيارات، فهو المكان الوحيد الذي يحترم «البدون» ويراعي ظروفه، وهكذا جعلوني شريطيا.
ملاحظة مهمة: انا «بدون» من عرب احصاء 65، ووالدي شهيد معتمد في مكتب الشهيد، اريد وظيفة كريمة تناسب مؤهلاتي، اسد بها جوع اطفالي، واريد وطنا يكرم ابي، واريد مسؤولا يخاف من الله اكثر من خوفه من الفئة التي تحارب «البدون»، يسمح لي بمقابلته وشرح معاناتي امامه».. انتهى.
ومنا الى الشيخ جابر المبارك الصباح، صاحب القلب الكبير، والاب الرحوم، الذي عليه يعقد الامل بعد الله عز وجل في تخفيف معاناة عبدالعزيز هذا وأمثاله.
أذكر بعد التحرير، اي قبل عشرين عاما، كانوا يقولون «لا تعطون «البدون» خدمات بل ضيقوا عليهم علشان يطلعون جوازاتهم او يرحلون»! واليوم بعد كل هذه المدة يطلع علينا من يتكلم عن الحقوق المدنية لـ«البدون» وما هي الا إبر تخدير لمزيد من المعاناة.. واتمنى من احد النواب ان يوجه سؤالا عن عدد شهادات الميلاد التي صدرت لـ«البدون» بعد هذا الاعلان!.. وعن عقود الزواج التي تم توثيقها، لنعرف مدى التضليل الذي يمارس ضد هذه الفئة! انه الحسد والنظرة الضيقة للحياة التي يحتضنها هذا البعض.. انه الخوف من ان يشاطرنا لقمتنا اناس غرباء لم نعرفهم الا منذ اربعين او خمسين سنة فقط! انه والله المرض الذي اعمى قلوبنا واصابها في مقتل.. نسأل الله العفو والمغفرة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *