مصطلح «القيد الأمني» تعرفه جيدا شريحة «البدون»، وقد ظهر هذا المصطلح بعد التحرير مباشرة لتحديد من تعاون مع العدوان العراقي على الكويت، وبالذات من انخرط بالجيش الشعبي العراقي. لكن هذا المصطلح اتسع نطاقه في عهد من تسلم ادارة اللجنة التنفيذية للبدون في منتصف التسعينات من القرن الماضي ليشمل شرائح اخرى مثل من تسلم راتبا او راتبين من عمله اثناء فترة الاحتلال، حتى وان لم يذهب للدوام! وكذلك من وجدوا احد اقاربه مسجلا في كشوف الجيش الشعبي، واخيرا اضيف إليه بند جديد تفتقت عنه ذهنية القائمين على هذه اللجنة المنكوبة، وهو من ثبت لدى اللجنة ان اصوله عراقية!
وأعتقد جازما ان هذه الافكار العقيمة والتي تنتج عنها قرارات جائرة هي السبب في تأخر حل ازمة البدون التي وصلت الى مرحلة الخطر وتنذر بالانفجار في اي لحظة.
بعد التحرير مباشرة طالبنا بإعطاء الحقوق المدنية والانسانية للبدون، ولو بحدها الادنى! وكان رد المسؤولين علينا: لو فعلنا ذلك لما استخرجوا جناسيهم الاصلية! وكانت النتيجة مزيدا من التضييق والحرمان ومزيدا من الاحتقان. اليوم وبعد عشرين عاما يأتون ليتحدثوا عن الحقوق المدنية بعد ان فشلوا في تحقيق مرادهم، لكنهم جعلوا العصا في الدولاب عندما اشترطوا على الاغلبية العودة الى اصولهم واستخراج جوازاتهم العراقية!
هذه العبارة قيلت لعائلتين اعرفهما جيدا عندما ذهب افرادهما لتجديد بطاقاتهم الامنية.
اما الاولى فأسرة شهيد واجب قبل الغزو، ترك اولاده القصّر السبعة في حضن والدتهم التي سهرت عليهم وربطت الليل بالنهار كي ينشأوا نشأة صالحة.. فيتخرج منهم الطبيب والمهندس والجيولوجي وعالم الحاسوب، الابن الاكبر اليوم عمره 45 عاما وكلهم مواليد الكويت، واستشهاد والدهم لم يسعفهم لتجديد بطاقاتهم الامنية، وسجل احد الظالمين من العاملين باللجنة امام اسم العائلة: الاصل عراقي!
يقول الابن المهندس: كنا نتأمل يتصلون فينا في اي لحظة ليخبرونا بقرار منحنا الجنسية الكويتية، لكننا فوجئنا بقرار حرماننا من الحقوق المدنية المزعومة!
عائلة اخرى قدم والدهم للكويت في الثلاثينات وعمل في الاربعينات موظفا في KOC، وفي السبعينات ارادت الشركة ان ترسله دورة في الخارج تقديرا له، فاضطر إلى الذهاب للسفارة العراقية لاستخراج وثيقة سفر مزورة بعد ان دفع مبلغا من المال لموظف بالسفارة. تزوج وانجب اولادا وكبروا وتزوجوا كويتيات وعملوا في الجيش والشرطة وانجبوا اولادا الذين كبروا بدورهم وتزوجوا. وكان لهم دور مميز في حرب التحرير، توفي رب الاسرة وبقي اولاده على رأس عملهم وعندما تقدموا لطلب الحقوق المدنية قيل لهم: انتم عراقيون! استخرجوا جناسيكم الاصلية والا فلا حقوق لكم! قال كبيرهم الذي بلغ 55 عاما لكنني لا اعرف غير الكويت وطنا لي!
لو اردنا ان نطبق بدعة «ارجع لأصلك» لسحبنا الجنسية من ثلث سكان الكويت، وكلنا نعرف المجاميع التي وفدت على الكويت في الخمسينات والستينات وحصلت على الجنسية الاولى. وكلنا يدرك ان اهل الكويت اما من اصول سعودية او ايرانية او عراقية، وكلنا يعرف من تم تجنيسه وهو في العراق لم تطأ قدمه الكويت، وكلنا يعرف من تم تجنيسه لابداعه في الغناء او الرقص.
قانون الجنسية الكويتية يمنح الجنسية للعربي الذي امضى 15 سنة في الكويت دون مغادرتها. فكيف بمن امضى حياته كلها من الميلاد الى اكثر من نصف قرن؟!
القيد الامني سيعيدنا الى المربع الاول.. وقد تدخلت المزاجية والشخصانية فيه، فهل يفعلها السيد صالح الفضالة ويضع حدا للتلاعب فيه؟! حل مشكلة البدون لا يكون بالنظام والمسطرة، بل بالروح الانسانية التي تنظر بعيدا لمصلحة البلد.