كل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد استنكروا اقتحام النواب والجمهور لمجلس الأمة، كل وفق رؤيته، فالقوى السياسية استنكرت حرصاً على الممارسة الحقيقية للديموقراطية، بينما غيرها استنكر من باب «ما كذب خبر»، حيث اعتبر هذا الحادث نازلا عليه من السماء ليشفي غليله من حماة المال العام، الذين منعوه من ممارسة مهنته الدائمة.. حلب البقرة وسرقة ما فيها!
إلا أن الحكومة تعاملت مع الحدث بطريقتها الخاصة، فاستغلته لمزيد من التأزيم، وصعّدت الموضوع حتى أصبح التراجع عنه أمراً صعباً، فاعتبرت الحادث جريمة مستنكرة وعملاً إرهابيا وتهديداً لاستقرار المجتمع، فأحالت – بالتعاون مع شركائها – عدداً من المواطنين إلى النيابة العامة، ومن بينهم عدد من الأعضاء، موجهة لهم تهماً تصل عقوبة بعضها في أسوأ الأحوال الى السجن المؤبد.
أنا أتفهم مقاصد الحكومة السياسية، لكن ما هكذا تورد الابل، ولا هكذا تستفيد الحكومة من الحدث، فالطرف الآخر له أسلحته وأدوات المواجهة، وهو طرف ليس ضعيفاً كما تتصور الحكومة، بل يكفيه انه معتمد على قطاعات في المجتمع فاعلة ومؤثرة إذا تحركت، وغاضبة على أداء الحكومة الضعيف، بينما تعتمد الحكومة على أفراد معروف ولاؤهم الدائم للمعازيب على الخير والشر، وتأثيرهم في المجتمع ضعيف ومحدود.
ان إحالة النواب والمواطنين الى النيابة سيتم استغلالها بشكل كبير من المعارضة، وستكون لها ردة فعل سلبية على الحكومة، بينما لو اكتفت الحكومة بالاستنكار لحققت ما تريد من دون مواجهة، ولأصبح الشعب بكل أطيافه يواجه النواب على فعلتهم، لكن المشكلة ان الحكومة لا تعرف كيف تفكر.. ولا تعرف كيف تخطط!
* * *
• الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان إحدى هذه الواجهات التي تطبل للحكومة عندما يكون الطرف الآخر المعارضة السياسية الكويتية! لذلك انتقد مسؤولها في إحدى مقالاته ظاهرة الاقتحام وطالب بتطبيق القانون على المقتحمين! بينما ذكر في تقرير لجمعيته صدر بالأمس بالتزامن مع صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق البحرينية ما نصه «.. يتوجب على السلطات الأمنية في الكويت التوقف عن ملاحقة النشطاء البحرينيين..»، ويقول في ختام التقرير «ونأمل أن يتحقق للبحرينيين ما يصبون إليه من إصلاح سياسي».
أيهما أولى يا حامي حقوق الإنسان: هذا الكويتي الذي شارك بدخول مبنى مجلس الأمة وقبضوا عليه ورموه في النظارة عدة أيام حتى الآن، أم هذا الذي هدد أمن دولة شقيقة ودهس أتباعه رجال الشرطة وأردوهم قتلى وتظاهروا يطالبون باسقاط النظام؟ أليس أولى ان تتمنى ان يتحقق للمعارضة الكويتية ما تصبو إليه من إصلاح سياسي بدلاً من ان تجعل الدوافع الطائفية تهيمن!