المسؤول الوحيد الذي يمكن أن أصدقه إن هو تحدث عن “خصوصية” بلده، هو المسؤول الإسرائيلي. بلده محاط ببلدان تنظر إليه على أنه العدو الأول في هذا الكوكب، وتتمنى زواله، وإن في الظاهر على الأقل، ومع ذلك لم يحتج المسؤولون الإسرائيليون بهذا، فيقمعوا معارضيهم، ويخنقوا صحافتهم، ويمنعوا خصومهم من السفر، وينكلوا بهم، وينهبوا خيرات بلدهم. بل على العكس، تفوقوا على محيطهم في جل المقاييس، وتفرغوا لتدليك أكتاف شعبهم، ودهس رؤوس أعدائهم.
وفي بلد عربي لا يشكو حتى الزكام لشدة عافيته، يأتيك مسؤول بارد الوجه والقفا، فاسد الكف والضمير، فيسرق الكحل من العين، ويلعب على الحبلين، ويفتح الخطوط السريعة بين المال العام وجيبه الخاص، فتنتشر رائحة فساده لتخنق السنجاب عابر السبيل، فيغضب الناس، فيندهش سعادته ويتحجج ويتبجح: “خصوصية بلدنا توجب على المعارضة ألا تهيج الشارع”. هاجت عليك جروحك سعادة المسؤول. قل آمين.
وينحدر التعليم، ليش؟ معلش نحن دولة لها خصوصية… وتطول الدورة المستندية على الناس، فيصبح إنجاز المعاملة أصعب من مهر عبلة بنت مالك، ليش؟ معلش نحن دولة لها خصوصية… وتتحول المرافق العامة إلى أطلال يأنف البوم من النعيق فيها، ليش؟ معلش لنا خصوصية… وتنتشر الرشى بين الموظفين والمسؤولين، ليش؟ خصوصية… ويتم اختيار أبشع اللصوص، وأغبى البشر، وأتعس العقليات لتولي المناصب، ثم تنتكس الدولة، وترتفع حرارتها، وتتدثر بالبطاطين، فيتذمر الناس، فيكتب المصدر المسلول، أو المسؤول: “المعارضة تهيج الشارع دون مراعاة لخصوصية البلد”… خصوصية دي تبقى خالتك سعادة المصدر المسؤول.
خذوها قاعدة، وردوها لي: “كل من يتحجج بالخصوصية ويراها سبباً ومبرراً للتخلف والقمع والنهب، هو إنسان مملوء بـ(الخسوسية) أو الخسة”. يجب أن نعطي كل حرف حقه. وما بين السين والصاد كما بين العربان وإسرائيل. معلش.