من مرحلة الإبل التي تحمل الزبد، في صحراء ملأى بـ”الذيابة”، يسوقها راعٍ يغني على الربابة، انتقلت دبي إلى مرحلة وضعت فيها كلَّ قدم في سحابة. كل ذلك في غضون سبع ساعات، وقيل بل أربع ساعات، واختلف الرواة والمستشرقون.
هي حديقتنا، نحن أهل الخليج، نجلس فيها كل “عصرية” مع عوائلنا وأطفالنا وكبارنا وصغارنا نشرب الشاي، ونقضي فيها أعيادنا، وما أكثر الأعياد، وما أكثر لقاءاتنا. هي مدينتنا التي نتحدى بها أعتى عواصم العالم، ومدنه الخيالية، وهي متنزه العالم وموطن انبهاره.
هي لا تعتمد النظام الرأسمالي، ولا الاشتراكي، ولا الإسلامي، ولا أيّاً من الأنظمة الاقتصادية المعروفة، بل تعتمد نظام “شبيك لبيك”، فهنا “مدينة الإعلام”، وهنا “مدينة الإنترنت”، وهنا مدن ومدن متخمة بأماكن السهر والسمر، وهناك أكبر مركز تسوق، وخلفه أطول برج في العالم، يبلل أقدامه في أعظم نافورة في العالم، إلى جانب أفخم قاعة مؤتمرات في العالم، بالقرب من أعظم جزيرة سكنية مستحدثة في العالم، يخدم الجميع أحدث مطار في العالم، يحتوي على أكبر سوق حرة في العالم، وهلم سحراً. وقبل أن يُكمل السائل سؤاله الذي يبدأ بـ”أين يقع أكبر أو أطول أو أجمل أو أفضل أو أضخم…”، قل له فوراً: “في دبي”، ونم قرير الكبد.
قال حسادها عنها: “دبي تعجبك لكنك لا تحبها”، وقال محبّوها: “كأن الكرة الأرضية انكمشت في بقعة صغيرة”، وقلت عنها: “هي العروس التي لا تريد خلع فستانها”… أين تقع الهند؟ في جزء من دبي. وأين مصر؟ في طرف من أطراف دبي. وأين أميركا؟ في شارع الشيخ زايد في دبي، بالقرب من أستراليا. وأين وأين وأين؟ في دبي طال عمرك.
هنا، بناء الجسر أسهل من شم العطر. هنا تتخذ البلدية قراراتها صباحاً فتُنفَّذ الساعة الرابعة قبل المغيب، لا وقت لدى دبي.
وقبل أيام، في “عيد الحب”، يبدو أن سكان الكوكب اتفقوا على التلاقي في دبي، وكان ذلك، وكنت معهم، وطرحتُ على الأصدقاء رأياً: “تعالوا نضع في سواعدنا شرائط كالتي توضع في الصقور خشية فقدان أحد منا بين هذه الجموع”! كلهم أتى ليشبع “غريزة الدهشة” لديه.
وأخشى على دبي، أكثر ما أخشى عليها، أن تخلع فستان فرحها، وتقص شعرها المنسدل على ظهرها، فترتدي ملابس السياسيين، وتتحدث بمفرداتهم، وتفكر بعقولهم، وتخاصم، وتعادي، وتسجن، وتقاضي، ووو، لأسباب سياسية، فينفض الجمع، وينتشر البؤس، وتصمت الموسيقى، وتعود الحواجب إلى وضعها الطبيعي، وتموت الدهشة.
ولو كنت المسؤول في دبي لكتبت على بوابة المطار: “اخلع سياستك قبل الدخول فالأرض هنا مفروشة بالفرح”.