هي أسرة كويتية قدمت سبعة شهداء في الغزو العراقي. وتعتذر عن التقصير. لم تسعفها الظروف لتقديم أكثر. هي أسرة يهوى أبناؤها الحياة العسكرية. ففي الأربعينيات، كان فالح الوعلان أول كويتي تم تكليفه بتدريب شرطة الأمن العام، قبل شحيبر وغير شحيبر. وكان المرحوم فالح، قبل ذلك، مكلفاً بحراسة الطفل آنذاك الذي سيصبح حاكماً فيما بعد، الشيخ جابر الأحمد رحمه الله.
وفي عام الغزو ١٩٩٠، هجم الجار، فقرر البعض الفرار، وثبت الأحرار، فاستشهد النقيب الحميدي الوعلان، أثناء مهمة عسكرية كُلف بها. ولحق به ابن عمه راشد محمد فالح الوعلان، حفيد العسكري الأسبق، فاستشهد راشد، أيضاً أثناء تأدية مهمته التي كُلف بها.
وتقدم اثنان من الأسرة ذاتها، التي تسابق أبناؤها على الشهادة، فكان راشد الوعلان (ابن عم راشد الوعلان السابق ذكره) ذو الثمانية عشر عاماً، وناصر الوعلان، ذو الأربعة عشر عاماً (لم أقل ربيعاً)، من الذين جلبوا الصداع للغزاة… وذات مجد، كتبا على الحائط بخط عريض شامخ “يسقط صدام الكاولي ويعيش الشيخ جابر”، فقبض عليهما. ولأن الغزاة أمناء، فقد أعادوهما إلى أهلهما، وفي جسد كل منهما طلقتان، إحداهما في الجبهة. هكذا هم أبناء هذه الأسرة، يتلقون الرصاص من الأمام، لا الخلف.
واليوم تطالب وزارة الداخلية أسرة راشد محمد فالح الوعلان بتسديد قيمة المسدس، والحمد لله أنها لم تطالبها بقيمة الصابون الذي غسل دماء بقية شهدائها، ولم تتمادَ أكثر وتطالب بقيمة الأصباغ التي طليت بها الجدران الممتلئة بجُمل الاحتجاج على الغزو وإعلان مقاومته.
ذمة الشهيد راشد الوعلان غير بريئة، بحسب وزارة الداخلية. الذمة البريئة الناصعة هي ذمة العراقيين سكان البصرة، الذين تكفلت الكويت ببناء المستشفيات والمدارس لهم، وتعبيد طرقهم.
وتذكّرني الحادثة (أقصد مطالبة وزارة الداخلية أسرة الشهيد راشد الوعلان بسداد قيمة المسدس “المفقود”) بما قرأته عن الاحتلال الفرنسي للمغرب، عندما عجزت القوات الفرنسية، ومعها الإسبانية، عن ترويض المغاربة، في ثاني أكبر معركة تحرير في الوطن العربي، فصدرت الأوامر للجنرال السفاح “مانجن” بالتحرك إلى المغرب وترويض شعبه، فارتكب مجزرة، مازالت الكتب تتحدث عن بشاعتها، وعن بطولة المغاربة. ولولا انطلاق شرارة الحرب العالمية الأولى لما توقف… المضحك المبكي أن السلطات المغربية هناك، والتي كانت تحت سيطرة الفرنسيين والإسبان، قررت معاقبة أسر الشهداء، فألزمتهم بسداد تكاليف نقل القتلى الفرنسيين، وكافأت الخونة والمحتلين.
ويبدو أن وزارة الداخلية معجبة بالجنرال السفاح، لكنها، للأمانة، ليست متطرفة في حبه، بدليل أنها لم تلزم أسرة الشهيد بدفع تعويضات للعراقيين.