نحن وشعوب أدغال إفريقيا والشعب الأفغاني ومن جاوره، الوحيدون الذين ما زلنا نُدخل قماش القبيلة في قنينة السياسة، ونظن أنه لولاها لغرقنا في المحيطات… شعوب الموز اللاتينية دفنت “القبيلة السياسية”، ومشت فوق جثمانها.
ويحادثك موظف شاب “طول بعرض”، لو خنق شجرة في ريعان شبابها لفقدت وعيها، لفرط صحته وضخامة جسمه: “نحن نسير خلف أمير قبيلتنا، إن وافق على كذا وكذا وافقنا، وإن رفضها رفضنا”. وتحار أنت، فلا تدري هل تصفعه، أم تركله، أم تسأل عن “محرمه”، بعد أن تأكدت أن روح الأنثى تتملكه.
ويناقشك خريج جامعة: “تبعيتي السياسية لأمير قبيلتي خير من تبعية غيري لحزبه”، فلا تدري هل تبكي، أم تلطم، أم تنوح كنائحات البصرة… وتعض على شفتك السفلى لتكتم غيظك، بعد أن يتضاءل أمامك حتى يغدو طفلاً مازال يتعثر في خطواته، وتشرح: “يا عزيزي، قبيلتك لم تخترها أنت، وأمير قبيلتك لم تختره، بينما الحزب أنت من يختاره، فإن أعجبك استمررت فيه، وإن تغير مسار الحزب، أو تغير مسارك أنت، فبين البائع والشاري يفتح الله، كما يقول الفكهاني. ثم إنه بإمكانك الوصول إلى رئاسة الحزب بسهولة، لكنك لن تستطع الوصول إلى رئاسة القبيلة ولو مشيت على أذنيك الكريمتين، ما لم تكن من ورثة رئيس القبيلة. بل إنك لا تستطيع، إن خالفت القبيلة وأميرها قناعاتك، أن تلغي اشتراكك وعضويتك فيها”.
ويجادلك: “لكنك تقبل بآراء الحزب حتى وإن خالفت قناعاتك”، فتستعين بالصبر وتوضح كما الطفل: “العمل الجماعي له شروطه وآلياته، ومنها أن يلتزم الفرد برأي الأغلبية (ركز على كلمة الأغلبية، لم أقل رأي رئيس الحزب)، والفرد هنا يشمل رئيس الحزب”.
ويصر: “حتى أمراء القبائل يستشيرون أبناءها قبل اتخاذ القرارات”، فترفع نظرك إلى السماء قبل أن ترد: “أحياناً صحيح، وأحياناً غير صحيح”. فيكابر: “القرآن ذكر القبيلة (وجعلناكم شعوباً وقبائل)، فلماذا تخالفون القرآن وتسعون إلى إلغاء القبيلة؟”، فتصرخ في وجهه: “أكمل الآية (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وأعتقد أن كلمة “لتعارفوا” لها معنى اجتماعي، ولا تعني “لتشكلوا حزباً سياسياً”.
فيشوح بيده: “الغرب شوه تفكيركم، فملامحكم عربية وأفكاركم غربية”، فتشوح أنت وتتمتم بكلمات العلامة توفيق عكاشة: “روح البس حفاظة تحت البنطلون (الجينس) بتاعك”.