العلّامة الذي سبق عصره وعصرنا الحالي، علي الوردي، يقول: “لا تُكثر الوعظ والنصائح، افعل وكن قدوة”. وعباس الشعبي، الشخصية الكويتية الشهيرة، فعلَ وكان القدوة.
عباس الشعبي – اسمه عباس محمد غلوم، واكتسب لقب “الشعبي” نتيجةً لدعمه التكتل الشعبي، وأقول هذا لمن يقرأني من خارج دول الخليج، فهو مشهور خليجياً – أقول: عباس مواطن بسيط عُرف عنه هيامه الوطني وعشقه للكويت، وتضحياته الجمة، فأصبح أيقونة للعشق النقي، لا يعاديه إلا من تدور حول رأسه علامات الاستفهام وعلامات التعجب، وسبع فواصل إحداهن بالتراب، ونقطة.
قد يخاصمك عباس فترة، ثم يصاحبك فترة، وما بين هذه وتلك، كان الخصام والصحبة بسبب معشوقته لا غير. على أن المسؤول الكبير، ذا البشت الباهظ الثمن، إن وقعت عينه على عباس الشعبي، أو جمعهما مكان صدفة، يتحول (المسؤول) إلى حبارى شاهدت الصقر عن قرب. فلا يعرف المسؤول، هل يتمنى أن تنقطع الكهرباء، أم يضرب المكان زلزال، أم هذه وتلك، كي يتخلص من هجوم الصقر عباس الشعبي عليه.
يقولون: “عباس لا يراعي ظروف الزمان والمكان والشخوص”. ونقول: “هذه ليست مسؤوليته، مراعاة هذه الظروف مسؤولية السياسيين، وهو ليس سياسياً، هو أعظم شأناً. هو عاشق، ويجوز للعشاق ما لا يجوز لغيرهم”.
سخر منه المرتزقة، وشككوا في مسلكه، فزاد عطاؤه… هاجمه الطائفيون، من الفريقين، في أوج انقسام المجتمع، فزاد نقاؤه. وإن كان اسم قيس بن الملوح تحول، لفرط عشقه، إلى قيس ليلى أو مجنون ليلى، فلا أظن أن عشق قيس يفوق عشق “قيس الكويت”، أو “عباس الكويت”.
وبسهولة يمكن اعتبار عباس معياراً صادقاً لمدى وطنية أحدنا، ويمكن قياس مستوى عشقك للوطن في لحظة ما بمقياس رضا عباس الشعبي عن موقفك في تلك اللحظة. هو من النقاء بحيث لن يجاملك ولن يراعي الظروف المحيطة. سيعطيك النتيجة نقداً على الطاولة.
ولا أبالغ إن قلت إنَّ شخصية مثل عباس الشعبي تستحق أن تؤلف عنها كتب، وتطرح فيها رسائل أكاديمية عالية المستوى. وليت الباحثين يولون أمراً كهذا اهتمامهم.
* * *
مساء الجمعة الماضي، أمس الأول، احتفل الكويتيون بزفاف نجل عباس الشعبي، حمزة، وكان حدثاً يستحق التوقف عنده كثيراً، والكتابة عنه، بعد التمعن في وجوه ضيوف الحفل… شكراً عباس.