أتمنى ألا يشغلنا الشأن الداخلي وصراعاته وتصفيات الحساب فيه عن الشأن الخارجي وما يجري فيه من تطورات سريعة وخطيرة على أمن المنطقة واستقرارها.
كما أتمنى ألا يكون اهتمامنا بالشأن الخارجي وانشغالنا به سبباً لتمرير التجاوزات وتوزيع الهبات والتطاول على الحريات العامة والخاصة.
هذه المعادلة تحتاج إلى حكمة.. حكمة تدرك خطر التمدد الإيراني على الأرض وفرض الأمر الواقع قبل توقيع الاتفاق النووي مع أميركا، التي باعت حلفاءها المشغولين بالحرب على الإخوان وأنفقوا – وما زالوا ينفقون – المليارات لضمان عدم عودتهم إلى الساحة السياسية وحتى الدعوية مرة أخرى! وحكماء يعرفون كيف يوازنون بين الاهتمام بالشأن الخارجي من دون الانشغال عن الشأن الداخلي.
اليوم، إيران، التي كنا نتوقع أنها تعاني من انهيار اقتصادي وتفكك اجتماعي، تحقق انتصارات سياسية وعسكرية على أرض الواقع في حرب لم يتم الإعلان عنها إلى الآن، تكفيها لمعالجة أي تداعيات في الجانب الاقتصادي نتيجة الحصار الغربي وانهيار أسعار النفط. إيران اليوم هي الباقية.. لتتمدد، ونحن ما زلنا نعيش في وهم المأزق الإيراني في العراق واليمن! إيران لا تعيش المأزق، أيها السادة، من يعيش المأزق هم عرب الخليج، الذين يرون الأحداث تتسارع أمامهم، وهم ما زالوا يأملون أن يستخير أوباما ويتراجع عن قراره المضي قدماً في توقيع الاتفاق النووي مع إيران! عندما يستفيق عرب الخليج من الصدمة سيكتشفون الحقيقة المرة، وهي أن أوباما باع حلفاءه القدماء بالحليف الأقدم! وأن المبدأ الأميركي الوحيد المُعتبر هو «تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأميركية وشعبها أولاً وقبل كل شيء».
انظروا إلى ما يجري حولنا! ما الذي يمنع أميركا من وقف التغلغل الإيراني في العراق؟! ما الذي يحول بين أميركا وبين وقف الانتهاكات التي تتعرض إليها مناطق السنّة في العراق؟! لماذا لا توقف أميركا عمليات التهجير القسري لعرب العراق من مناطقهم؟! لماذا يترك الغرب بقيادة أميركا إيران وحزب الله لدعم نظام بشار الأسد؟! إنها المصلحة التي تتحقق بوجود هذا النظام الدموي الذي تسبب في تهجير نصف شعبه إلى الدول المجاورة! بينما حوّل مدنه وقراه إلى أكوام من الأنقاض لا تجد فيها إلا الخراب والدمار ورائحة الكيماوي!
إذن هي المصلحة التي من أجلها تخلت أميركا عن معاهداتها وتراجع الغرب عن مبادئه، وحتى أكون واضحاً أكثر أقول: بل هي الحرب على الإسلام المعتدل، واستغلال المتأسلمين المتطرفين في تشويه صورة هذا الدين للقضاء على التيار الإسلامي الوسطي. انظروا إلى الحرب الخفية التي تمارسها بعض الأنظمة العربية بالوكالة عن أميركا، الحرب ضد الجماعات الإسلامية المعتدلة التي ممكن أن تعطي صورة ناصعة للمنهج الديني والفكر الوسطي في إدارة شؤون الناس. لذلك، فإن ما نشاهده اليوم من إقصاء للإسلاميين من مناصبهم، وتغيير المناهج الوسطية بمناهج مائعة، وتقييد الحريات بل وقمعها تحت مرآى العالم ومسمعه من دون أن يحرك ساكناً، ثم ما بدأنا نسمعه جهراً لا سراً من اعتبار المقاومة الفلسطينية للصهاينة تهمة يُحاكم عليها فاعلها، بينما دولة الكيان الصهيوني مشروع اعتراف قادم! كل ذلك يؤكد أن العرب اليوم يمهدون الطريق لتنفيذ الاتفاق الإيراني – الأميركي على أكمل وجه، ونقول لهم افعلوا ما شئتم فأنتم أول ضحايا هذا الاتفاق.
***
أثناء رحلتنا إلى لندن نزلنا ترانزيت في مطار الدوحة الجديد، وشاهدنا مشروعاً غاية في الإبداع، فشعرت «أم معاذ» بالقهر والحسرة على مطار الكويت وسألتني: متى نصير مثل قطر وبقية دول العالم السنعة؟! فقلت لها عندما تتم إقالة وزير أشغالنا بسبب محاولته الإصلاح فلا تنتظري أن نكون دولة سنعة.