لماذا يذهب الناس من كل الملل والنحل والطوائف والألوان إلى «قارئ كف وضارب رمل وفاتح مندل وصاحب بلورة» ليستشف الغيب ويقرأ .. المستقبل ويفهم المجهول؟! في الأمثال يقولون إن «الإنسان عدو .. ما يجهل» وفي حضارات «الإنكا» القديمة في أميركا الجنوبية والتي يصل عمرها إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد عثر على آثار لها تدل على أن الأقوام في ذلك الزمن السحيق كانوا يتلهفون على معرفة الغيب ويلهثون خلف الشعوذة من أجل معرفة ما وراء المجهول!!
الله سبحانه وتعالى وبواحدة من النعم التي أنعم بها على عباده إنه جعلهم لا يعلمون بالغيب وإلا.. تحولت حياتهم إلى جهنم وبئس المصير! إذ كيف ستستسيغ لك الحياة وانت تعلم ان ولدك الأكبر سيموت في حادث سيارة بعد أربع سنوات وثلاثة أشهر وستة أيام في تمام الساعة السابعة مساءا على الطريق السريع المؤدي إلى منزلكم؟! ولدك أيضا سيعلم بموعد موته وسيتوقف عن الدراسة ويبكي و..و..! ماذا عن حال الأم و الأشقاء والعائلة بأسرها؟ وهلمجرا! وقس على ذلك كل أمور الحياة من كوارث ومآسي .. وآلام!!
حين أحرق «البوعزيزي» نفسه في إحدى قرى تونس قبل أربع سنوات هل كان يعلم أن فعلته هذه وروحه التي أزهقها بنار الدنيا ستأخذ معها أرواح المئات من شباب بلده وشيوخها ونسائها فتظهر «القاعدة» و«داعش» و«حزب النهضة» و«الغنوشي» إلى آخر الموال ؟! لست متأكدا ولا أعلم الغيب ولكني أجزم أن «البوعزيزي» لو عرف نتيجة فعلته تلك فلن يسكب على نفسه وقودا ويشعل بجسده النار بل سيتوضأ ويصلي ركعتين لله طالبا منه الثبات والإيمان والصبر على بلاء الدنيا .. والله دوما قريب يجيب دعوة الداعي!
نعم هللنا جميعا وباركنا ما اعتقدنا إنه «التغيير» في ذاك المسمى بـ«الربيع» ولكنه كان «تدميرا» مغلف داخل شتاء ثلجي طويل ومخيف امتد إلى ليبيا ومصر واليمن وسوريا ووصلت إلى شمال الخليج في الكويت التي كادت أن تضيع .. لولا رحمة الله!!
زمان.. قام «حسني الزعيم» بأول انقلاب في سوريا في مارس عام 1949 وكان أيضا أول انقلاب في العالم العربي حتى قال له حكماء الشام « لقد فتحت للعرب يا حسني بابا لن ينغلق» فصدقوا وتوالت الانقلابات والانقلابات المضادة في كل أرجاء الوطن العربي فكان التغيير يأتي بالبلاغ رقم «1» واحتلال مبنى الإذاعة او التلفزيون ومبنى وزارة الدفاع .. ليبدأ المشوار!! هذا النوع من التغيير لم تكن الدماء التي تراق بعده تشكل واحدا بالألف من الدماء التي أريقت بفعل ما سمي بـ«الفوضى الخلاقة» التي أقحمنا بها أعداء العرب والمسلمين والانسانية جمعاء!!
في جسم الإنسان هناك 7 ليترات من الدم فإذا قلنا أن عدد القتلى في سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا وصل إلى ثلاثمائة ألف قتيل اضرب الرقم في 7 ليترات وتخيل مقدار الدم الذي أريق على أرض العرب والإسلام خلال السنوات الأربع حتى يستمتع «شافي» بنحر «عشرة» ويتلذذ «راعي الفلافل» بطعمها ممزوجة برائحة الدم السني والشيعي والدرزي والكردي..الخ .. الخ!! قبل أربع سنوات وحين أحرق«البوعزيزي» جسده لم تكن تعلمون بالغيب الذي ينتظرنا في السنوات القادمة ، لكن ها هو الغيب قد ظهر وانكشف واضحا جليا كأشعة الشمس في يوم تموز فهل ستصدقون من يقول لكم «نريد الربيع العربي في خليجنا المسكين الذي تلهث خلفه كل ذئاب الإقليم وخارجه»؟!.