في مقالين متتاليين في هذه الزاوية أوضحنا مواقف متباينة لبعض تنظيمات الاخوان المسلمين من غزو العراق للكويت عام 1990، كما بينا المواقف المشرفة والبطولية لاخوان الكويت الصامدين، أو الذين كانوا في الخارج إبان الغزو الغاشم. وكان ذلك رداً على من يتهم الاخوان الكويتيين بما ليس فيهم، ومن يحاول ان يحول الاعمال الوطنية الى خيانة وعمالة!
واليوم أبدأ مقالتي بهذا الاستفسار: لماذا لا يتم طرح التساؤل عن مواقف التيارات الاخرى غير الاسلامية من الغزو نفسه؟! هل لأن مواقفها كانت ايجابية تجاه الحق الكويتي؟! لا أظن ذلك، فالجميع يشعر بكم التخاذل الذي مارسته هذه التيارات، خصوصاً القومية منها واليسارية! أم لانها – كما يقولون – ما عليها شرهة، أي مرفوع عنها العتب؟!
إن التركيز في كل عام على موقف التيار الاسلامي من دون التطرق إلى مواقف غيره، لدليل على ان الآلة الاعلامية لخصوم هذا التيار ضخمة، وانها تريد ان تبعد الاقلام والتساؤلات عن مواقفها المخزية أثناء الاحتلال.
عند تشكيل اتحاد طلبة الكويت (اسلامي) لأول لجنة كويتية في لندن، رفض رموز العمل الوطني والديموقراطي المتواجدون هناك المشاركة فيها من حيث المبدأ، ولم يشاركوا الا في مسيرة واحدة فقط لإثبات الحضور! وعندما تم توجيه الدعوة لهم بالاسم لحضور مؤتمر جدة رفضوا في البداية بحجة انه لا بد أولاً من ان تتعهد الاسرة الحاكمة في الكويت باعادة العمل بالدستور اذا ما تحررت الكويت! ولما شاهدوا حجم المشاركة المتوقعة في المؤتمر قرروا العودة عن موقفهم المخزي، وللتاريخ لقد كان للعم جاسم الصقر دور في اقناعهم بالحضور، ولقد كتب الدكتور عثمان الخضر، أحد الذين عايشوا تلك المرحلة، تفاصيل هذه المواقف المتخاذلة، من هذه الرموز في كتابه «ملحمة العمل الشعبي الكويتي في لندن إبان الغزو» تحت عنوان: مذكرات د. الخطيب تحريف للحقيقة والتاريخ!
في ديوانية لندن التي يتواجد فيها بعض رموز التيار الوطني الكويتي والتيار الديموقراطي آنذاك (1990) كانت هذه الرموز تطرح فكرة اعطاء صدام حسين بعض مطالبه، مثل جزيرتي وربة وبوبيان، لكي نتقي شره! (المصدر السابق).
بعد مؤتمر جدة، تم تشكيل الوفود الشعبية لزيارة دول العالم، لينقلوا لها رفض الشعب الكويتي للاحتلال، وتم اختيار أعضاء كل وفد بعناية تامة، بحيث يتوجه الوفد إلى الدولة التي لأعضائه – في الغالب – علاقات مع احزابها أو قيادات فيها، وكان أصعب وفدين هما اللذان زارا دول الضد، سواء في شمال أفريقيا أو بعض الدول العربية، وطلب من رمز اليسار الكويتي ان يشارك في الوفد الذي سيزور سوريا والاردن واليمن للتواجد القوي للأحزاب اليسارية والقومية فيها، لكنه رفض! ولم يشارك في أي من هذه الوفود! بينما شيبان التيار الاسلامي يقطعون آلاف الكيلومترات من أجل قضية الوطن.
اذا كانت بعض تنظيمات الاخوان المسلمين لها مواقف سلبية من الغزو، فان معظم التنظيمات اليسارية والقومية في العالم العربي كانت مؤيدة للطاغية في غزوه للكويت، ولقد شاهد الوفد الشعبي الذي زار الدول التي فيها هذه الاحزاب تلك المواقف العدائية، ففي احدى الندوات التي أقامها الوفد بالاردن، وحاضر فيها كل من محمد الصقر وأحمد الربعي سمعنا من الحضور اليساري في تلك الندوة ما يغث ولا يسمن، والموقف نفسه تكرر معنا في مصر، مع هيكل، وفي اليمن مع علي سالم البيض، وصاحبه آنذاك، وفي سوريا من الحكيم حبش ومن غيرهم.
إذن، لماذا التركيز على التيار الاسلامي من دون غيره؟
التاريخ يشهد بمدى الاجحاف في تقييم الامور من الآلة الاعلامية للتوجهات الليبرالية، سواء الحكومية منها أو العلمانية، وان استمرار ظلم هذا التيار ومحاولة اقصائه من الحياة العامة والسياسية بالذات لدليل على أصالة هذا التيار وسلامة وجهته.
«يَا أَيُّهَا الَّذ.ينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إ.ذَا اهْتَدَيْتُمْ».