يقول القارئ «علاء»: عندما يكون التعليم بمثل ما هو عليه من سوء في وطننا، والصحة بهذا الانحدار، وحصى طرقاتنا بهذه القدرة على التطاير، وزجاج مركباتنا بهذه الهشاشة، فمن غير المجدي الشكوى من سوء مستوى الخدمة البريدية!
قد يبدو الأمر كذلك، ولكن الحقيقة أن خدمات الدولة كل متكامل، فقد يتحمّل المواطن أو المقيم حفرة في الطريق وزجاجا مكسورا، ولكنه حتماً لا يستطيع تحمّل فقدان رسالة مهمة، وشكوى من سوء الخدمة البريدية تسمعها من كل من لا يزال «مجبراً» على الاعتماد على وسيلة النقل أو التواصل هذه.
ويستطرد علاء بأنه احتاج لإرسال أوراق بالبريد للخارج، فاتجه لفرع بريد النزهة، فاكتشف أنه مغلق. بالسؤال نصحوه بالاتجاه الى فرع بريد ضاحية عبدالله السالم. وهناك وجد مشرفاً كويتياً، رفض تسلّم شيء منه؛ بحجة أن عمله تسلم البريد وتوزيعه فقط! وطلب منه الاتجاه بالطرد الى برج المواصلات في كيفان، أو برج شارع بيروت. لشكه في وجود مواقف في كيفان، وزحمة السير في حولي، طلب منه المشرف الاتجاه مباشرة الى مكتب البريد الرئيسي في الصفاة، المركز الأكبر والأم الرؤوم للبريد!
وهناك، وبعد الثامنة صباحا بقليل، وجد موقفاً لسيارته، ووعد نفسه بالانتهاء من ارسال الطرد خلال دقائق، ولكنه كان متفائلا كثيرا. ففي الداخل لم يجد أي موظف! فاتجه الى صالة صناديق البريد، وهناك ايضا لم يجد أحدا، بخلاف بعض اصحاب الصناديق. عاد الى الصالة الرئيسية فوجد آسيوياً، وبسؤاله تبيّن ان العمل في بريد الصفاة يبدأ في الواحدة والنصف ظهراً، وينتهي في العاشرة مساء!
يقول علاء إنه غادر المبنى على أن يعود عصرا. وفي الثالثة كان في المركز ثانية، وكانت المفاجأة أن ليس بالامكان تسلم الطرد منه وإرساله؛ لأن ما لديهم من طوابع لا تزال تحمل تاريخ سنة 2016، وأن طوابع عام 2017 لم ترد إليهم بعد، وبعد اكثر من اسبوعين من السنة الجديدة، ويبدو أن انتهاء 2016 فاجأ السيد وكيل البريد المساعد، فلم يعمل حسابه!
اقترح عليه الموظف، بعد ان ابدى له حيرته، وأسقط بيده، أن يتجه الى فرع البريد في قرطبة، فهناك مكتب الوكيل، وقد يجد في المركز طوابع، وإن لم يجد، فلديه فرصة لتقديم شكوى لأعلى شخصية بريدية في البلاد، وسبب كل معاناته!
يقول علاء إنه شعر بمشاعر مختلطة تتفاعل داخله من كل هذا التسيّب والإهمال، وعدم المبالاة، بحقوق البشر ووقتهم وأعصابهم، وقرر الاتجاه الى أقرب مكتب بريد سريع، حيث دفع أكثر من عشرين ضعف ما يدفعه عادة في البريد العادي لإرسال الطرد!
ويتحسّر القارئ من الوضع المؤسف للخدمات، وكيف أصبحت حتى أبسطها بهذا السوء؟! فإذا كان هذا وضع تسلم وتوصيل رسالة، بعد كل ما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تقوم به نيابة عن وزارة المواصلات، بجيش موظفيها وميزانيتها، فما هي حال الأمن والتربية والصحة وغيرها من الخدمات الأكثر تعقيدا، والتي لم تستفد مثل المواصلات من وسائل التواصل؟ وهل سيأتي يوم يضطر فيه المواطن مثلا إلى أخذ رسائله الى دبي لإرسالها من هناك؟!