فقط لتذكير النرجسيين والإدارة الكويتية غير العابئة بالإنسانية بأن هؤلاء الذين يخدمون في منازلنا وأماكن عملنا والذين ينظفون شوارعنا ويسلّكون مناهيل مجارينا من مخلفاتنا والذين يدرّسون أبناءنا ويعالجوننا ويسهرون على راحة مرضانا والذين أصبحوا كالهواء والماء والغذاء في وطن الكفالات، كل هؤلاء، للتذكير هم بشر مثلنا، لا يختلفون عنا في جيناتهم الوراثية ولا في أي أمر آخر، هؤلاء الوافدون لا يريدون غير القليل من الإحساس الإنساني بأنهم كائنات بشرية، ولهم الحق في معاملة تليق بهم كبشر و”أشخاص” وليسوا مكائن “روبوتات” نحركهم بريموت كنترول بقرارات إدارية غير مدروسة، لم تعمل حساباً لنتائجها المخزية على الضحايا من الوافدين.
عيب وأكبر عيب، واقع الواقفين بالمئات في طوابير ممتدة لتسجيل البطاقة الصحية، ينتظرون ساعات ممتدة، أخبرني أحدهم أنه ذهب من الساعة الثالثة صباحاً ليأخذ دوره فوجد أن طابوراً من البشر المعذبين يفوق عددهم المئتين قد سبقوه، ونُشِرت صورة تظهر أحد هؤلاء البؤساء يحمل بطانياته معه ليقف بدور انتظار متحملاً برد الشتاء في مشهد سيريالي يشبه مشاهد اللاجئين السوريين والعراقيين الهاربين من جحيم حروبهم الأهلية، لا توجد حرب حقيقية هنا غير حرب الحيرة بشأن ماذا نفعل مع الوافد؟ وكيف يمكن عصره واستغلال قوة عمله دون أن نغرم فلساً واحداً يؤثر علي ميزانية الدولة؟
وزير الصحة، الذي هو خارج البلاد وخارج الزمان، أصدر قراراً بعدم التجديد لعقد الشركة التي تصدر بطاقات التأمين الصحي والذي ينتهي عقدها في يوليو المقبل، و”لا يمكن للوزارة الحريصة على المال العام مخالفة شروط العقد” (جريدة الراي) مثلما تحدث ناطق عن وزارة طوابير العذاب، الوافد لا يستطيع تجديد إقامته قبل الحصول على البطاقة الصحية، ودولة وزارة الداخلية، ممثلة بإدارة الهجرة لا شأن لها بدولة وزارة الصحة في مأساة طوابير العذاب… ما العمل بعد أن قلصت الشركة المعنية عدد موظفيها تحسباً لنهاية العقد! لا شيء، غير أن إدارة التأمين الصحي “في انتظار عودة الوزير ووكيله المساعد للشؤون القانونية” كي نجد حلاً، وليس على البؤساء الواقفين قبل الفجر غير انتظار فجرهم حتى يأتي معاليه من الخارج بحل سحري آخر مثل حل إنهاء العقد دون التحسب لنتائج ذلك الإنهاء.
طابور العذاب للوافدين، وهم من شريحة الأغلبية الفقراء المنسيين، هو وجه آخر من وجوه كثيرة لبلد الإنسانية…