في أبريل 2016، أجريت سلسلة من الحوارات * مع قادة حركة النهضة في تونس العاصمة، وعلى رأسهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، كان الحوار مع الغنوشي بحثياً وعلمياً تطرقنا فيه إلى فكر الحركة ونشأتها ومسارها السياسي.
مرت الحركة بأطوار ومراحل فكرية عديدة ومتنوعة، ولكل طور ظرفه الخاص، وذكر راشد الغنوشي أن نشأة حركة النهضة مرت بمراحل عديدة، وتتلمذت في البداية على أفكار المدرسة الإصلاحية المشرقية، وخصوصاً فكر “الإخوان المسلمين” والجماعة الإسلامية في باكستان، وبمزيج فكري مغاربي، وأهم شخصيات هذا المزيج هوالمفكر الجزائري مالك بن نبي الذي أولى اهتماماً كبيراً لقضايا الحضارة والنهضة الفكرية وتطور العالم الثالث، وقد تفوق ابن نبي على سيد قطب في هذه المسائل، وهذا ما جعلنا أقرب إلى أطروحات الأول، فضلاً عن أن فكر سيد قطب والإخوان المسلمين لا يعيننا على حسن التأقلم والاندماج في البيئة التونسية. وقد تأثرت الحركة بأطروحات المفكر السوداني حسن الترابي، وخاصة حول موضوع المرأة ودورها الاجتماعي والسياسي؛ وهذا ما جعله أقرب إلى رواد المدرسة الإصلاحية التونسية (خير الدين التونسي، سالم أبوحاحب، محمود قبادو، عبدالعزيز الثعالبي، الطاهر بن عاشور… إلخ).
إن الأفكار المشرقية التي تأثرت بها حركة النهضة في بداية النشأة لا يمكن فرضها على المجتمع التونسي، أي أن لكل بيئة ثقافتها الخاصة، وهذا ما جعل الحركة أمام مفترق طرق، إما أن تستمر في حمل الوافد الفكري المشرقي وأن تنعزل عن المجتمع، أو الاندماج والتأقلم مع الواقع بفكرة تونسية، أو كما يقول الغنوشي “تونسة الفكر”، وأعتقد لو اختارت حركة النهضة مسار العزلة والصدام مع طبيعة المجتمع التونسي، لما عرفناها الآن وسمعنا بها، لتكون مجرد معلومة في كتب التاريخ التونسي!
ومن أهم نتائج المخاض الفكري السابق قدرة الحركة على “تبيئة” الأفكار والمفاهيم التي تأثرت بها والموازنة بين المهم والأهم، واستئناف ميراث الحركة الإصلاحية التونسية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهذا لا يعني أن حركة النهضة من مكونات المدرسة الإصلاحية التونسية، بل استطاعت أن تراجع الواقع بمنطق إصلاحي “غير مستورد” لما هو سياسي واجتماعي وثقافي، ومن يقرأ كتابات الغنوشي وبشكل خاص “الحريات العامة في الدولة الإسلامية، والمرأة بين القرآن وواقع المسلمين” سيلاحظ مدى تأثر حركة النهضة بأفكار المدرسة الإصلاحية وتجاوزها لما هو إخواني. التأثر بأفكار الإخوان المسلمين – أو بأي فكر آخر – لا يعني تبنيها، أو الارتباط بهم عضوياً كما يعتقد البعض. وتجاوز أفكارهم هو تدشين لمرحلة جديدة يطلق عليها بعض الباحثين كآصف بيات “ما بعد الإسلام السياسي أو الإخوان”. وأعتقد أن حركة النهضة حالياً، ولاسيما بعد مؤتمرها العاشر تمثل هذه المرحلة.
* سينشر الكاتب قريباً تفاصيل حواراته مع حركة النهضة التونسية في كتاب خاص.
آخر مقالات الكاتب:
- ساعة مع الغنوشي
- من هم الإسلاميون التقدميون؟
- الإسلاميون والكماليون في تركيا: صعود الهامش وتراجع الأساس
- الحشاشون في المخيلة الروائية
- قراءة في قرار مشاركة “حدس”
- وعود حزب النهضة التونسي
- حزب حركة النهضة التونسي : من خيار الدمج إلى خيار الفصل
- أزمة الفكر العربي
- قراءة لقصة مناضل يعيش بيننا الآن
- لم تكن سجيناً يا أبا حمود