هناك وجه آخر ــ بخلاف الأنظمة ـــ في الأحوال التي تمر بها حالة التردي العام في العالم العربي، وهو الموقف السلبي للنخب المثقفة والسياسية التي تؤثر السلامة ولا ترغب في تغيير الحال، ونظرها لا يتعدى تحقيق المراكز الوسطى في كل شيء. والموقف الوسطي الهلامي في كل شأن، فهي فئة تتكسب من الأوضاع وتسعى الى تحقيق ذلك، ولا تحرص على غيره، ولذا فإنه على الرغم من أهميتها والتعويل عليها في كل المجتمعات عادة، فإنها في بعض مجتمعاتنا العربية صارت هي أداة الأنظمة فتعتلي مسرح العرائس، سواء كانوا وزراء أو نواباً أو زعامات حزبية أو سياسية أو رواداً لحركة فكرية أو ثقافية، إذ إن كلهم يعتلي ذلك المسرح كي يمارس دور التبرير للأوضاع السيئة والتضليل للناس والرأي العام، فدورهم صار مشبوها مفرطا بالمصلحة الوطنية، وهم يلتحفون الوطنية لباسا كاذبا لتمرير أدوارهم التمثيلية في مسرح العرائس.
ولذا فإن العالم العربي بشكل عام، يعاني من حالة تردي كبيرة في كل الشؤون التعليمية والاجتماعية والسياسية والثقافية وكل المجالات الأخرى، فبعض الأنظمة إما عاجزة عن أن تتولى إدارة شؤون الدولة بصورة كفؤة وناجحة أو أنها تتعمد تعطيل مصالح الناس وشؤونهم حتى يستمروا في حاجة ملحة إلى تصدقها عليهم بتخليص شؤونهم في كل مجالات حياتهم، وما ذلك إلا كي يغطي على عجزها أو فسادها في إدارة شؤون الدولة، ولما كان التغيير هو سنة الحياة في أن تأتي حكومة أفضل من سابقتها أو وزراء أكثر إخلاصا وعطاء من سلفهم، إلا أن هذا الأمر صار حالة ميؤوسا منها في العالم العربي، إذ انه من يأتي لاحقا نراه أسوأ حالا وأقل قدرة من سابقيه.
والأمر الأكثر بروزا في هذا الشأن هو غياب حالة النقد الموضوعي والنصح العام الجريء والمعارضة العاقلة التي معول على النخبة في ممارستها وإصلاح أحوال تلك البلدان، إلا أن هذه النخب المثقفة أو السياسية صارت كمّا بلا قيمة ونخبا بلا فائدة، إذ انها تحسب مصالحها أولا وتعيد الحساب في مكاسبها وخسائرها قبل أن تنطق بكلمة أو تقدم نصحا أو تتجرأ بنقد موضوعي، فتوارى في الغالب، في بعض بلدان عالمنا العربي ذاك الصنف من الرجال الذي ترتفع لديه معاني الوطنية لأسمى درجاتها فلا يرى له وجود دون أن يحقق لوطنه مصلحة ورفعة في المكانة والشأن، وحلّ محل أولئك الرجال وزراء ونواب وزعامات فكرية وسياسية وحزبية صارت على استعداد أن تبيع مصالح الوطن ليل نهار، استرضاء للحكومات أو تقربا لها أو تكسبا من وراء مواقعها التي تشغلها أو حتى يحتل أقرباؤهم أو أهلوهم أماكن متقدمة في الدولة، منصبا هنا أو رئاسة شركة هناك أو عضوية لجنة مهمة في مكان آخر، وهكذا قدمت النخب، الوطن كبشا سعيا وراء رضاء الحكومات وأصبحت الميكافيلية هي المنهج الذي يحكم كل تصرفاتهم وقراراتهم، فلا غرابة أن تنحدر بعض بلدان العالم العربي وتصبح عرضة لمطامع الطامعين وفي مهب الريح، رغم حاجتنا إلى قوة في عالم متغير آخره انتخاب (ترامب) رئيسا لأميركا، مع التوقعات أن تكون له سياسات معادية للعالم الإسلامي والعربي، وبعضنا لا يزال يعيش حالة النفاق السياسي، فيما صار الإصلاح مطلبا يوميا وحلما يراود الناس، ولكن من يرجى بهم خيرا في هذا الشأن، ودورا ينتشل البلد من مستنقعاته، وهم النخب، صار أغلبهم صورا تمثيلية في مسرح العرائس الكبير وهو أمر يحزن، وأقول انه مهما زادت ظلمة الليل، وغاب بصيص الأمل بسبب تخاذل مثل هؤلاء النخب، فإننا لن نيأس، لأن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بأن لا نستسلم وأن نستيقن بأن التغيير قادم لا محالة، وهو ما يجعل التفاؤل – رغم المؤشرات السلبية – دائما موجودا.