في بداية سبعينيات القرن المنصرم بجمهورية تونس تبلورت معالم تيار إسلامي يغلب عليه الطابع الفكري والبحثي أكثر من الطابع السياسي، ولا نقصد هنا عدم حضور المسألة السياسية في اهتماماته لأن مرحلة التأسيس كانت سياسية صرفة. يطلق على هذا التيار اسم «الإسلاميون التقدميون/ اليسار الإسلامي»، الذي تأثر في بداية الأمر بتوجه مجلة «المسلم المعاصر»، وبأطروحات المفكر المصري حسن حنفي ومقالاته في مجلة «اليسار الإسلامي»، وأهم كتاباته «التراث والتجديد» و»الدين والثورة في مصر»، كما تفاعل مع ما تناوله الفيلسوف الهندي محمد إقبال في كتابه «تجديد الفكر الديني»، فضلا عن متابعته لأدبيات حركة «مجاهدي خلق» المتأثرة بأفكار علي شريعتي ومحمود طالقاني.
لقد كان تيار الإسلاميين التقدميين مكوناً رئيساً لحركة الجماعة الإسلامية (حركة النهضة حالياً) وذلك قبل انشقاقه عنها، وتعود نشأة الجماعة الإسلامية إلى أواخر الستينيات، وكان راشد الغنوشي وعبدالفتاح مورو وأحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي من أبرز مؤسسيها.
أما فيما يتعلق بمبررات وأسباب نشأة تيار الإسلاميين التقدميين الذي أسسه كل من النيفر والجورشي وزياد كرشاني في مطلع السبعينيات، فهي تدور حول مأزق الإخوان المسلمين الفكري الذي تأثرت به الجماعة الإسلامية آنذاك وفكرة التنظيم السري، حيث يرى أنصار هذا التيار أن الجماعة الإسلامية ينبغي أن تكون مندمجة مع المجتمع التونسي، وأن تجيب عن أسئلته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا أن تكون مجرد حركة عقائدية فقط، وهذا ما لا يوفره الفكر الإخواني خصوصا في مجتمع له خصوصيته الثقافية، أما فكرة التنظيم السري فيعتبرها هذا التيار مدخلاً من مداخل التطرف والعنف.
ويعيب أعضاء هذا التيار على حركة النهضة أنها تأثرت في ذلك الوقت ببضاعة فكرية مشرقية وافدة (الإخوان المسلمين) اصطدمت بجدار الثقافة التونسية، ونحن في الوقت نفسه نتساءل: ألا تعتبر فكرة الإسلام التقدمي نتاجاً للفكر الاشتراكي كما يذكر عصمت سيف الدولة في كتابه «نظرية الثورة العربية» وأنها موازية لظهور الإسلام السياسي؟ ألم يتأثر هذا التيار بخليط فكري كما وضحنا في بداية المقال؟ إذاً أين الإنتاج الفكري المستقل الذي يسعى إليه اليسار الإسلامي التونسي؟
ولهذا التيار أنشطة ثقافية ولقاءات حوارية فكرية شهرية تديرها رابطة تونس للثقافة والتعدد، ويرأسها الدكتور أحميدة النيفر، كما يملك هذا التيار واجهة إعلامية متمثلة في مجلة (15/ 21) هدفها الأول إقامة الجسور ومدها بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن المرتكز الفكري هو أساس عمل هذا التيار، والذي قد يتحول إلى اهتمام وتفاعل سياسي في الأيام القادمة كما حصل مع الحركات الإسلامية التي فصلت ما بين المسألتين الدعوية والسياسية، وتحولت بعد ذلك إلى أحزاب سياسية دون عنوان إسلامي؛ لأن نشأة اليسار الإسلامي التونسي تعكس موضوع تطور الحركات الاجتماعية التي لا يستبعد تجذر البعد السياسي فيها.
آخر مقالات الكاتب:
- ساعة مع الغنوشي
- من هم الإسلاميون التقدميون؟
- الإسلاميون والكماليون في تركيا: صعود الهامش وتراجع الأساس
- الحشاشون في المخيلة الروائية
- قراءة في قرار مشاركة “حدس”
- وعود حزب النهضة التونسي
- حزب حركة النهضة التونسي : من خيار الدمج إلى خيار الفصل
- أزمة الفكر العربي
- قراءة لقصة مناضل يعيش بيننا الآن
- لم تكن سجيناً يا أبا حمود