يعتبر جو بايدن مثال السياسي المحترف في عالم السياسة الغربية اليوم. بدأ بايدن حياته السياسية مبكراً، حيث اُختير، وهو في التاسعة والعشرين من العمر، سيناتورا عن ولاية ديلاور، القريبة من العاصمة واشنطن. وطوال مدة نيابته كان يستقل القطار في التوجه لعمله في الكونغرس، والعودة مساء. ويبدو أنه استقل القطار نفسه، ربما للمرة الأخيرة، في العودة لبيته، عندما انتهت ولايته كنائب لرئيس أقوى دولة في العالم، بعد أن انفضت البهرجة الإعلامية والأمنية والوظيفية عنه.
اختار باراك اوباما جو بايدن نائباً له عام 2008 في حملته للفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية، وأعاد الأميركيون انتخابهما عام 2013 لفترة اربع سنوات أخرى!
فقد بايدن زوجته وابنته في حادث مرور مريع، وفي عام 2015 أصيب ابنه بالسرطان، وتوفي وهو لم يتجاوز الـ45 من العمر. وقيل حينها ان نائب الرئيس لم يكن يملك ما يكفي للصرف على علاج ابنه! وعلى الرغم من صعوبة تصديق مثل هذا الخبر، فان الحقيقة ان ثروة نائب رئيس أقوى رجل في العالم واقوى دولة عرفها التاريخ، تقدر حالياً بأقل من 300 الف دولار، وهو مبلغ متواضع جداً لسياسي قضى أكثر من أربعين عاماً في الإدارة الأميركية، اي ما يزيد على ثلثي عمره، وكان صاحب نفوذ كبير في أكثر من لجنة حساسة!
عاد جو بايدن إلى بيته وهو مطمئن البال، مرتاح الضمير، بعد ان ادى واجبه، من دون فضائح ولا اختلاسات، ولا تربح غير مشروع، ولا تورط في هدر أموال الدولة!
فعلى الرغم من كل إخفاقات الإدارة الأميركية في الخارج، فانها نجحت داخلياً في وضع قواعد أخلاقية يمكن لدول كثيرة، وبالذات نحن، الاقتداء بها أو التعلم منها.
وفي الكويت، المتواضعة في كل شيء، مقارنة بأميركا، قام رئيس وزرائها قبل سنوات بالاستغناء عن أحد الوزراء، وعاد بعد سنتين او ثلاث باستدعائه، وتكليفه بالحقيبة الوزارية السابقة نفسها! من دون ان يقول لماذا أقاله، إن كان جيدا، وإن كان سيئاً فلماذا كلفه بتولي حقيبة وزارية مرة أخرى؟!
المهم أن هذا الوزير، الذي لا تتعدى علاقته بالسياسة سنوات اربع أو خمس، قام في الفترة الثانية من توليه منصبه، بإدخال الدولة برمتها في إرباك كبير، وعفس الأمور عفسة لم تنته آثارها، وخلط ولخبط الكثير من الأوراق، وهدد بقراراته موازنة الدولة، بإهداره ما يزيد على ملياري دولار، تسببت ليس في تخريب بعض النواب فقط، بل والكثير من المواطنين أيضاً، وخلق حالة من الحسد في قلوب من لم ينلهم شيء من «رشة» الوزير، وحالة من الحسرة في قلوب محبي هذا الوطن والخائفين على مصيره!
ثم بعدها تستقيل الوزارة، فيذهب الوزراء السابقون إلى بيوتهم، وبينهم الوزير المعني، الذي تسبب في كل تلك الزوبعة والخسائر والفضائح، لينام قرير العين، مطمئناً إلى أن أحداً لن يسائله أو يحاسبه، لأنه يعرف أن هذه هي الكويت!