مع تطورات الوضع في سورية وترتيبات مؤتمر الأستانة في الـ23 من يناير، الذي سيجمع المعارضة بالنظام لحل سياسي، وسط ترحيب دولي، بصفته مكملا لمؤتمرات جنيف، يبرز ما يمكن تسميته صراعا خفيا بين روسيا وإيران. صراع ليس في مصلحة إيران في الملف بل مفروض عليها، وهو الذي أظهره انطفاء الدور الإيراني وغموضه، رغم ما يبدو من استمرارية دورها في إدارة الحرب على الأرض في سورية حتى الآن. لكن الحل السوري بقيادة روسيا كما ضمن وقف النار سيتطلب إفراغ الأراضي السورية من الميليشيات التابعة لإيران بقيادة سليماني. وهنا تبدو العقبة الكامنة أمام روسيا، هي التي تنظر للحلول من منظار مصلحتها كقوة دولية. بينما تنظر إيران إلى الحلول من زاوية مشروعها الإقليمي الكبير بإطاره العقدي السياسي كما دعم محور الممانعة. وهذا المشروع تحديدا هو ما يجعل ثقة الأسد بإيران أكبر من روسيا في مسألة عدم التخلي عنه. لكن القوة والحماية والسيطرة كل ذلك بيد روسيا لا بيد إيران، ومن ذلك الحماية العسكرية والدولية، إضافة إلى ما يعد له في أوروبا مع مجلس الأمن الدولي لمحاكمة الأسد في قضايا جرائم الحرب واستخدام الأسلحة الكيماوية.
ولا شك أن ظهور تركيا على الساحة مع روسيا أربك المشهد في عين طهران. كما أن دعوة السعودية للمفاوضات أخيرا بشأن سورية أفقدها أعصابها. بينما بوتين يتصرف كإمبراطور واثق وممسك بخيوط اللعبة. وهنا يبرز السؤال المتكرر مجددا حول علاقة روسيا بإيران، هل هي استراتيجية أم تكتيكية؟ لاسيما مع الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد ترمب، وآفاق تطوير العلاقات بين واشنطن وموسكو. لكن تحسن العلاقات بين روسيا وأمريكا لن يعني انتفاء التنافس التقليدي بين البلدين على أي حال. وهي في مجملها مؤشرات واضحة تجعل من إيران حلقة هشة في قضية سورية، بعد أن كان لها دور محوري بتقديم المال والسلاح والميليشيات. وإن كان أي شيء من ذلك لم يكن ليبقي الأسد لولا السوخوي الروسي. وهذا ما صرح به سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي أخيرا، بصيغة قد تفهم أنها رسائل غير مباشرة للملالي.
الزواج بين الدب الروسي والملالي هو ارتباط مصالح، رغم العداء التاريخي بين الإمبراطوريتين. ولولا العزلة الدولية الإيرانية وظروفها الاقتصادية والعسكرية، التي ترافقت والتقاء المصالح لربما لم يحدث هذا التحالف وبهذه الصيغة. وبالطبع لن يكون مريحا لروسيا صعود قوة إقليمية على حدودها الجنوبية تقدم نفسها كإسلامية مثل إيران. ذلك لن يعني بالضرورة تخلي روسيا عن علاقتها بإيران كلية، فستبقى هناك مصالحهما في الظروف الراهنة. لاسيما أن مشهد إدارة بوتين للملف السوري مشهد معقد وصعب، من بين ذلك محاولة إبقاء الأسد في السلطة بعيدا عن أي عملية انتقالية وذلك بخلاف الاتفاق الدولي سلفا. وهذا التعقيد أيضا يحمل ملامح مختلفة مع دخول ترمب على الساحة الدولية، كمؤثر حيوي وداعم. وهذا التأثير سيكون نقطة ضعف وخضوع إضافية بالنسبة لطهران، وهي التي تعول على روسيا في حل ملف العقوبات الطويل والاتفاق النووي. إنها علاقة معقدة لكنها ليست ندية. إنها علاقة الملا الخاضع للدب المسيطر.
ومع احتمال اقتراب الأشواط من نهايتها، ثمة مشروع استثمار حيوي محتمل لأدوار مهمة، أمام هذا لاختلاف السياسي المرشح للتزايد بين روسيا وإيران فيما يتعلق برؤية مستقبل سورية.