سينصب دونالد ترامب الرئيس 45 للولايات المتحدة بعد غد. وحتى الآن اعتذر 7 من كبار الفنانين عن عدم المشاركة في حفل تنصيبه، في وضع غير مسبوق.
يستخدم ترامب ما يعرف في علم السياسة بـ”سياسة المفاجأة”، التي تقوم على إحداث خبطات إعلامية ينشغل الناس بها ربما لتمرير قضايا أخرى، وتعتمد على إبقاء الناس مشغولين بما يقول، ولا غضاضة في التراجع بعد ذلك.
كان من أشهر من فعلوا ذلك غورباتشوف، والسادات، والقذافي، ولكن أثرهم كان محدوداً بقضايا معينة.
كان لافتاً مثلاً أن أول سياسي أجنبي لا يشغل منصباً رسمياً التقاه ترامب هو البريطاني نايجل فاراج، اليميني ومؤسس حزب “يوكب” الصغير الشعبوي، الأمر الذي أثار أزمة سياسية داخل بريطانيا، زادها بترشيحه لفاراج على “تويتر” سفيراً لبريطانيا في واشنطن، وكان الرد البريطاني مقتضباً: “لا توجد شواغر”.
ولم يتعود العالم على رئيس أقوى دولة مستخدماً سياسة المفاجأة، فالمصالح الأميركية كونية ومتداخلة، وقد تحدث ردود فعل حارقة، وربما من الصعب ترميمها، كتلك التي فتحها مع الصين مثلاً.
الوضع الأميركي داخلياً ملتهب عرقياً واقتصادياً. في زيارتي الأخيرة لكاليفورنيا كان ملحوظاً زيادة القمصان والملصقات التي تقول صراحة “جمهورية كاليفورنيا”. أن تكون في كاليفورنيا بعد انتخاب ترامب يعني أنك في جزء حزين.
يقول ترامب إنه مع 23 مليون متابع في “تويتر” لم يعد بحاجة إلى الإعلام التقليدي، ولذا يؤكد أنه لن يتخلى عن “تويتر”، حتى جاء الإعلان بأن “تويتر” قد تغلق حسابه بسبب الشكاوى من الأقاويل العنصرية التي يثيرها بين حين وآخر.
لم يفعل أي رئيس أميركي ما فعله، فبعد الفوز، عاد ليتجول في الولايات في جولة شكر لناخبيه، وتبدو كأنها حملة انتخابية جديدة.
كان الخوف واضحاً في أوروبا أكثر من غيرها، حيث تنادى زعماؤها إلى اجتماع في ألمانيا بحضور الرئيس أوباما للتباحث بشأن ترامب، وصدرت في إطار ذلك تصريحات معادية.
يقولون في أوروبا إن عصر ترامب وما يعلنه يمثل نهاية للقيم الأوروبية، التي ترى في التيارات الشعبوية العنصرية الناشطة في أوروبا خطراً يهددها من الداخل، وأن ترامب هو جزء من ذلك التوجه. ذهب ترامب أبعد من ذلك، مؤكداً حصافة خروج بريطانيا من أوروبا، ومؤكداً أن “الناتو” عفا عليه الزمن.
ترجمة ذلك الخوف برزت حتى الآن بعقد أكثر من 23 حلقة نقاشية لمختصين في أنحاء العالم شاركت شخصياً في 3 منها، كلها تبحث عن ترامب وإلى أين سيتجه.
أحد مؤشرات اتجاهه هي اختياراته لحوالي 2000 إلى 3000 شخصية في فريقه الإداري بمستوياته المختلفة، والتي تأرجحت حتى الآن بين متطرف ومعتدل. وربما كانت خياراته للشرق الأوسط هي الأكثر خطورة.
نحن أمام محطة كونية مختلفة عن سابقاتها، والأرجح أن النزق السياسي سيخضع أمام الواقعية السياسية، ويعود النظام الدولي إلى حاله كما كان، فما أحدثته السياسات الاقتصادية داخل أميركا وحتى خارجها منذ الانهيار الاقتصادي في 2008، كان مزيداً من الانحياز للشريحة الأكثر ثراء، وهو ما سيسعى ترامب إلى الدفع به بقوة أكبر، وبالتالي نحو مزيد من الانتكاسات.
كانت حملة ترامب توصف بأنها “نكتة” طويلة، ويبدو أن تلك النكتة قد تحولت إلى حقيقة، وسنشهد بعد غد في القرارات الرئاسية الأولى مؤشرات لذلك.