تنتابني دائماً مشاعر مختلطة عديدة كلما قرأت أو سمعت عن خبر كشف عملية تهريب خمور ضخمة.
تاريخيا، لم يكن تناول المسكرات علناً في الكويت مسموحاً به، لكن حتى صدور قانون 206 في منتصف الستينات، كانت الخمور تباع لغير المسلمين في الكويت عن طريق شركة كري ماكنزي البريطانية، وكان هؤلاء يعيدون بيعها لغيرهم من المسلمين، من مواطنين ومقيمين، محققين لأنفسهم دخلاً شهرياً بسيطاً. وكانت نقاط البيع معروفة للحكومة وتغض النظر عنها.
وبناءً على التحقيق الذي نشرته القبس بتاريخ 27 يناير 2009، وأشارت فيه إلى قيام صحيفة زميلة في أكتوبر 1963 بنشر تحقيق عن شركة كري ماكنزي، واتهمتها بأنها تحقق أرباحاً فاحشة من بيع الخمور، وإن الشركة تمارس الاحتكار، وهو أمر مستغرب في بلد يؤمن بالنظام الاقتصادي الحر.
وذكر التحقيق أن أعضاءً في مجلس الأمة قاموا في مايو 1964 بتقديم اقتراح برغبة للحكومة للاستيلاء على جميع كميات الخمر الموجودة حالياً وإتلافها.. وجرى نقاش حول الموضوع، وحول تعديل المادة 206 من قانون الجزاء.
شهدت الجلسة مناقشات مستفيضة من قبل عدد من النواب، فالنائب جاسم القطامي اعتبر ان المنع لا يكفي وليس علاجاً لأي مشكلة بل طالب بالتوعية وإشراك الحكومة بذلك، أما الدكتور الخطيب فقد اعتبر ان الظاهرة تحتاج دراسة وتحليلاً، لكن المجلس وافق من حيث المبدأ على مشروع القانون.
وفي 1964-10-12 وافقت الحكومة على عدم السماح لأي جهة كانت باستيراد الخمور والمسكرات، وسحبت رخصة الجهات المسموح لها. وصدر بعدها القانون 206 مكرر الذي يعاقب بالحبس كل شخص جلب أو استورد أو صنع بقصد الاتجار خمرا أو شرابا مسكرا، ويستثنى من تطبيق هذه المادة ما يستورد خصيصاً للسفارات والهيئات الدبلوماسية الأجنبية وباسمها، إلى آخر ذلك من تفاصيل قانونية.
المهم في الموضوع أن ما تجري مصادرته من خمور يجري إتلافه، ربما طبقاً للمذكرة التفسيرية للقانون، لكن من وضع تلك النهاية للمواد المصادرة ربما كان يفكر في كميات بسيطة، لكن حجم الكميات تطور كثيراً مؤخراً، وأصبحت قيمتها تقدر بعشرات ملايين الدنانير، وربما أكثر، فهل من المنطقي الإصرار على إتلافها بتلك الطريقة البدائية، وعدم تصديرها مثلاً لدول اخرى والاستفادة من قيمتها في علاج المدمنين على المسكرات والمخدرات بيننا، وما أكثرهم!
الشق الآخر يتعلق بما تمثله عملية التهريب من رعب، فإن كان بإمكان طرف ما إخراج اكثر من عشر حاويات دون تفتيش، خاصة أن ما يجري ضبطه يكون عادة جزءاً فقط من كمية أكبر، فهذا يعني أن بإمكان غيره إدخال مواد اكثر ضرراً بكثير من المشروبات، كالمخدرات والأسلحة، فهل نحن مدركون لحجم الخطر الذي نتعرض له، مع كل هذا الفساد الذي نعيشه؟!