لرجل الدين، أي دين، وظيفة يؤديها لوجود حاجة إليها. وهذه الحاجة تزيد أو تقل مع درجة تقدّم أو تخلّف المجتمع؛ فنسبة رجال الدين الى عدد السكان تتفاوت من مجتمع الى آخر، وتكون عادة مرتبطة بما في ذلك المجتمع من متعلمين. فكلما زادت هذه قلّت تلك، أو العكس.
ولكن الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، ربما على مر التاريخ، هو في المجتمعات الخليجية التي يتزايد فيها، منذ نصف قرن تقريبا، عدد المتعلمين، من أطباء ومهندسين وباحثين وعلماء وأكاديميين، مع تزايد مماثل في أعداد رجال الدين. كما كان الوضع في هذه الدول أيضاً مختلفاً، عندما كان المتعلمون قِلة، حيث كان رجال الدين أيضا قلة.
يعود السبب وراء هذه الظاهرة الى الطفرة المالية من جهة، والى زيادة دور رجل الدين في المجتمع، بعد ان اصبحت العقيدة أداة لتحقيق وتنفيذ خطط وسياسات الدولة، وبالتالي شهدنا تحوّلاً في مهنة رجل الدين، وأصبحت جاذبة أكثر لما أصبحت تدرّه على ممتهنها من مال ونفوذ، خاصة بعد انتشار القنوات الفضائية الدينية، وتحوُّل مقدّميها الى نجوم ينافسون في شهرتهم وثرائهم ونفوذهم وأهميتهم السياسية نجوم السينما والغناء، وتم كل ذلك على حساب العقيدة ومصلحة المجتمع. وبالتالي، لم يكن غريبا قيام من كان بالأمس مزوّراً لشهادة الدكتوراه، بالعودة من اعتكافه وخوض المعركة الانتخابية، من خلال مطالبة من لا يزالون «مغترين» بصلاحه، للتصويت لهذا المرشح أو غيره، ليكون المبشّر بمقاعد إحدى الدوائر!
يقول المهاتما غاندي: «إن قيام الإنسان بالعمل قليلا من اجل الإنسانية أفضل بكثير من ألف رأس تصلي، وألف يد ترفع بالدعاء»! وهذا ما نريده بالفعل، أي من يعملون للإنسانية، وليس لمرشح او تاجر أو وزير أو سياسي جاهل.
لا أدري ما علاقة رجال الدين هؤلاء، وخاصة من السلف والإخوان والتلف، وغيرهم من الطرف الآخر، بالانتخابات وألاعيب السياسية ووحولها، وتدخلهم للتصويت لهذا المرشح أو غيره، ممن ثبت فسادهم، وهم الذين سبق أن أفتوا، أو آمنوا بفتاوى تحرم المشاركة في «اللعبة الديموقراطية»، التي لا تؤمن بمبادئ أو صداقات دائمة، بل بمصالح دائمة، وما علاقة رجال الدين هؤلاء ببدع الإنترنت، وحروب «الواتس أب» ومعارك «تويتر»، وجولات «السناب شات»، وصولات «الفيسبوك»؟! أليست كل هذه بدع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟
وماذا عن رجل الدين، الذي سبق ان تعرّض للضرب المبرح في أحد شوارع لندن، حيث كان يتسوّق، ربما لدوره في التغرير بمئات الشباب، وإرسالهم الى حتفهم، ليذهب هو ويتسوّق في لندن؟ وكيف يصدق المعجبون به ما ذكره في حديث تلفزيوني من أن ملائكة على خيول بيضاء كانوا يقاتلون مع «المجاهدين» في سوريا؟ أو قوله إن مطراً غزيراً نزل على أهالي مدينة الرقة، عاصمة «الدولة الإسلامية» وأنقذهم من الموت عطشاً، بعد خلو خزانات مياههم منها؟!
لقد تأثرت مجتمعاتنا كثيراً بجهل وخزعبلات هؤلاء، وآن الأوان لوقف هذا التجهيل.. المتعمَّد!