ذكرت كثيرا أن داعش منا وفينا، وليست نبتا غريبا. وأنها لم ترتكب أمرا، أو تأتي فعلا لم يرد ذكره في كتب التاريخ. كما ذكرت أن القضية ليست فيمن يقف وراءها، فهذا ليس مهما بنظري، فقد تكون أميركا هي التي خلقتها، وإسرائيل التي مهدت لها، وإيران التي دربتها، وسوريا وتركيا اللتان سهلتا، والخليجية مولتها، إلا أن كل ذلك لن يغير من حقيقة أن المشكلة مع داعش لا تكمن فيمن خلق أو مول، بل لبعض الأفكار الدينية التي يبديها البعض والتي زينت سهولة أن يهجر الإرهابي اهله ووطنه ويذهب لأقصى الأرض لينتحر مفجرا نفسه في سوق خضار او مجموعة من الأبرياء يتمشون على شاطئ البحر، ويحارب في بيئة لا يعرفها.
إن تبرير انخراط الآلاف في صفوف داعش بوجود اضطهاد سياسي في دولهم، في ظل أنظمة دكتاتورية، ووجود بطالة رهيبة، وفقر وضيق حال، أمر لا يمكن قبوله. فهذا الوضع يواجه غيرهم في أفريقيا وآسيا، فلم لم يفكر احد هؤلاء المضطهدين المسحوقين المهمشين بقيادة شاحنة ودهس عشرات الأبرياء، من نساء وأطفال، بعيدا آلاف الأميال عن وطنه الذي سحقه، ودكتاتوره الذي اضطهده؟ إننا هنا لا نتكلم عن الوحشية المطلقة التي مارستها شعوب بعضها ضد بعض على مدى التاريخ، ولكننا نتكلم عن قتل عشوائي في ساحات معركة بعيدة وغريبة، وبين قوم لا علاقة لهم بنا ولا بقضايانا، وسبق ان قدموا لنا كل عون، وآووا الملايين من مهجرينا، فكيف أصبحت بلجيكا او هولندا أهدافا؟
ربما يكون مفهوما لدى البعض، وليس لدي، أن ينتحر الإنسان أو يقتل نفسه في سبيل عقيدته، ولكن لماذا يجب أن يقتل معه من لا علاقة له بنا ولا بقضايانا ومعتقداتنا؟ هنا مكمن الخطر وهنا القضية التي يجب التصدي لها ومعالجتها واقتلاعها من جذورها.
إن معركتي الموصل في العراق والرقة القادمة في سوريا، ستحسمان حتما، وستزال داعش منهما، وهذا سيقضي على مشروع الخلافة الإسلامية مؤقتا، ولكن الفكرة ورغبة السيطرة على العالم وفرض الأفكار عليه ستبقى معششة في العقول. كما أن توالد المؤمنين بالفكرة سيستمر، وسيستمر معه زرع الرعب وقتل الأبرياء ومهاجمة المؤسسات العامة والخاصة في العالم أجمع، وسيبقى الاستنفار في المطارات، ومعه الخوف من العرب والمسلمين، وكل هذا واكثر منه لن يختفي بين يوم وليلة، إن لم نبذل المال والوقت والجهد لتغيير المناهج والعقول من خلال حملة تطوير، تشمل كل دولنا، للمنهج والمنحى، لنصبح جزءا من هذا العالم، وشيئا في هذا العصر، وبغير ذلك سيستمر الصراع الحضاري، بين من لديه كل مقومات الحضارة وبين من لا يمسك حتى بذيلها، والنتيجة محسومة سلفا.
إن علينا مواجهة الحقيقة وواقعنا المأساوي، فأمريكا قادمة لتلقيننا درسا في التسامح وقبول الآخر، بعد أن فشلنا في تعليم أنفسنا هذا الدرس، وأوروبا ستنضم لها في محاربة كل دولة «مارقة». فإما ان نتغير ونتطور أو نباد، وهذا التغير يجب ان يكون شاملا وقويا وفاعلا، وأن نؤمن به ونشارك فيه.
لقد تعاملنا مع أخطار كثيرة باستخفاف، كالصراع العربي الإسرائيلي، فماذا كانت النتيجة؟
ألا نعيش الآن نفس حالة الاستخفاف العبثي مع «داعش»، بإنكار خطرها والانشغال بالصراعات المذهبية بيننا؟