ليلة رأس السنة، وفيما العالم متأهب لعام ميلادي جديد، كانت تركيا التي تعيش جزءا جديدا من فيلم بوليسي على موعد آخر مع الإرهاب، هذه المرة في مطعم بإسطنبول خلف وراءه 39 ضحية و65 مصابا من جنسيات عدة. لم تكن تركيا هدفا إرهابيا ضمن نشرات الأخبار أخيرا، ولنقل عامين ماضيين. وكان العام الماضي 2016، عاما شهدت فيه تركيا عشرات العمليات الإرهابية الدامية من تفجير وهجوم مسلح، قد تقدر بنحو 28 عملية دامية أوقعت نحو 1500 قتيل ومصاب.
من بين هذه العمليات الأشهر التي شدت أنظار العالم هو ما حدث أخيرا من اغتيال أندريه كارلوف السفير الروسي في تركيا، عندما كان السفير حاضرا في أحد المعارض الفنية في العاصمة أنقرة. لكنه لم يكن سوى جزء من سلسلة طويلة من الأحداث منها تفجير مزدوج خارج ملعب لكرة القدم في إسطنبول، وهجوم بقنبلة على حفلة عرس، والعملية الإرهابية التي شهدها مطار أتاتورك الدولي، وغيرها كثير من الأماكن السياحية والعسكرية أيضا. ولا يمكن أن يبتعد المتابع في تحليل الوضع التركي الأخير مع الإرهاب بعيدا عن سورية، سواء جاءت من مستفيد مرجح تشير إليه بعض الأصابع مثل إيران، أو من إرهابيين مرتبطين بتنظيمات متطرفة أوصدت تركيا دونهم الحدود إلى سورية، وذلك بطلب وتشديد دوليين. هي تركيا التي كانت تغض الطرف عن دخول هؤلاء إلى الأراضي السورية من خلال بوابتها العثمانية. ويبدو ارتباط السبب المرجح كذلك من جملة التهديدات التي أطلقتها قنوات “داعش” الدعائية وقادتها ضد تركيا. ولا سيما أن “داعش” أعلن مسؤوليته عن الحادث الأخير عبر وحدة الدعاية المركزية، وليس عن طريق وكالة “أعماق” التي تتولى عادة مهمة الإعلان عن هجمات الذئاب المنفردة. ما يعني أن الهجوم هو عملية رسمية. العام الماضي هو عام الدماء في تركيا، كذلك مطلع العام الجديد منذ انطلاقه الذي قد يكون عاما صعبا آخر في المشهد التركي، ما يضرب السياسة والاقتصاد والسياحة في آن معا. “داعش” قد زرع خلايا له في الأراضي التركية على مدى أعوام، وذلك في إطار تنظيم عمليات التنقل من المنضمين إلى صفوفه في العراق وسورية من خلال الحدود التركية. هي الحدود التي كانت وسيلة عبور ليس للجهاديين فحسب، بل أيضا لنقل الإمدادات العسكرية واللوجستية أو حتى التبادل الاقتصادي بين عناصر التنظيمات. كما ينضم إلى قائمة “داعش” جبهة النصرة وتنظيم القاعدة أيضا. وفي مقابل هذه التنظيمات الأكثر قربا للأحداث في أذهان القارئ للوضع التركي الأخير، هناك قائمة تركية أخرى من الجماعات الداخلية من بينها فصائل كردية، قد تشك الحكومة التركية بضلوعها في أي من أحداث الإرهاب بسبب مصالح ما. هذا إذا شاءت تركيا ضم كل عمليات الإرهاب في سلة واحدة رغما عن مسببيها وأهدافهم. لكن ما تمر وستمر به تركيا يتطلب إعادة النظر استراتيجيا، وليس من جانب ظرفي كقضية أمنية إرهابية عابرة. فالتهديد على أشده. وهذه مهمة صعبة جدا بسبب كمون عناصر الإرهاب التي قد تكون غاضبة من قطع الحبل السري إلى سورية؛ حيث يرون أن العمل مع روسيا نكوص عن العهد القديم. وذلك داخل المكون التركي، سواء من أتراك أو من جماعات متطرفة موجودة في تركيا.