لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة بالجهد الذي بذله فريق عمل في مركز الدراسات الدولية والإقليمية التابع لجامعة جورج تاون (فرع دولة قطر)، في دراسة (السياسة الطائفية في الخليج العربي)، فوفقاً لوصف المركز، فإن هذه الدراسة تضم مجموعة من أبرز العلماء المتخصصين في دراسة قضايا الهويات الدينية والطائفية والعرقية في منطقة الخليج، وكيف يمكن لها أن تفرض نفسها على كل من السياسات المحلية والدولية في منطقة الخليج.
خطر الطائفية وازدياد سعيرها في العالم العربي والإسلامي أجمع، وفي منطقة الخليج العربي تحديداً، لا يمكن تغافلها، سواء جرى البحث فيها وفق دراسات وأبحاث أو لم يجر، فالمخاطر تبعاً لهذه الظاهرة الخطيرة والمهملة، تتعاظم يوماً بعد يوم، فيما تكتفي كل الدول العربية والإسلامية (والخليجية) بالتصفيق لأهزوجة (نحن ضد الطائفية)! إلا أن الباحث المتجرد من التحريك والبرمجة السياسية الحكومية، والمستقل في فكره البحثي، يرى غير ذلك… فالهدف الرئيس من الدراسة التي أجراها فريق العمل في جامعة جورج تاون تناول الطرق الحيوية التي تطور الهويات والسياسة الطائفية في منطقة الخليج، ثم التركيز على الطائفية في عالم السياسة الداخلية في دول الخليج، وكذلك تلك التي تتناول تأثير الطائفية على العلاقات بين الدول في المنطقة.
قام مركز الدراسات الدولية والإقليمية بتنظيم الكثير من مجموعات العمل، كجزء من برنامج المبادرات البحثية التي تعقد في الدوحة، لبحث الكثير من القضايا ذات الصلة بمنطقة الخليج وذات الأهمية الدولية، والهدف الأساسي من هذه المشاريع، هو سد الفجوات البحثية القائمة، والمساهمة في تعزيز المعرفة بالقضايا المتعلقة بالأمن والاستقرار الاقتصادي، والسياسة في منطقة الخليج، وخلص إلى أن الصراعات بشأن الهوية الطائفية تكمن في جوهر السياسة الشرق أوسطية، تأسيساً على تعريف الطائفية بأنها العملية التي يتم فيها تسييس أشكال الهوية العرقية أو الهوية الدينية، وبذلك، تنسلح الهوية الوطنية تحت سعير هويات مذهبية، قبلية، عشائرية وعنصرية أيضاً.
تضم كل مبادرة بحثية لمركز الدراسات الدولية والإقليمية باحثين وممارسين وصناع القرار من الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وخارجهما، ويساهم كل مشارك في المشروع من خلال حضور اجتماع مجموعة عمل مركز الدراسات الدولية والإقليمية، وتقديم أوراق بحثية مطبوعة بشأن موضوع محدد متعلق بالمشروع.
حسناً، وفق قراءة الكثير من الباحثين المهتمين بشئون الخليج العربي، فإن «الغول الطائفي» يمثل واحداً من أكبر وأخطر التحديات الكارثية على حكومات وشعوب المنطقة حاضراً ومستقبلاً. وهذه المخاطر تزداد وتتضاعف يوماً بعد يوم في ظل تصاعد المد الطائفي في الإقليم قادماً من العراق وسورية ولبنان واليمن وتركيا، وفي الوقت ذاته، الغياب الواضح لمسار تعزيز قيم الوحدة الوطنية، واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة التزاماً بالدساتير والقوانين… أي تأثر مظلة الضمانات الأساسية حقوقاً وواجبات.
لا يمكن إطلاقاً إغفال المخاطر الكبيرة المحيطة بمنطقة الخليج العربي، إثر التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وانعكاساتها عليها، ولا يمكن التغاضي عن مجموعة من مثيرات الخطر التي تشهدها الكثير من دول الخليج، إلا أنه بالإمكان السيطرة على هذه المخاطر والحد منها، حينما تتصدى الحكومات بالدرجة الأولى، وقبل غيرها، للجهات التي تلعب على الوتر الطائفي داخليّاً أولاً. فمتى ما سلمت الساحة الداخلية من هذه المعاول وأوقفت عند حدها، وشعر كل مواطن بأن حقوقه مصانة، فإن هذه الجبهة تقوى وتستقر وتكون قادرة على صد أي اضطراب سلبي يهدد استقرار الوطن. كما أن هناك ظاهرة واضحة مبنية على المصالح الفئوية والشخصية، وهي تلك التي تنضوي تحت عنوان «الموالاة»، فمن الواضح أن هناك أطرافاً في منطقة الخليج تتلبس صفة الموالاة، لتلعب على الوتر الطائفي وتثير المشاحنات والتناحر في وسائل الإعلام، وفي سلوكياتها اليومية بهيئة لا يمكن أبداً أن يتم التغاضي والسكوت عنها، لكن هذا حاصل، ومع العلم اليقين بسوء ما يفعل هؤلاء، إلا أنهم يسرحون ويمرحون في منهج تدميري سيئ للغاية.
دائماً ما نطالب الباحثين بدراسة هذه القنبلة المدمرة (الطائفية)، لكن أين دور الدول والحكومات؟ يلزمها أن تقرأ الأوضاع بصورة حقيقية، والتركيز على التعليم والإعلام، وهذه مسئولية الدولة، إلى جانب تنشيط مؤسسات المجتمع المدني والرموز السياسية والاجتماعية الذين سيكونون سدّاً منيعاً في وجه الطائفية، وسلاحاً بإمكانه الحد من مخاطرها، ومنع أي تحرك طائفي مستقبلاً… لكن هل هذا ممكن؟ بالطبع، في الإمكان تحقيق ذلك في صورة برامج عمل وطنية استراتيجية حقيقية، وليست عناوين براقة للاستهلاك الإعلامي وحسب! وتقوية الداخل الخليجي على صعيد العلاقة بين المكونات المذهبية الموجودة في المجتمعات الخليجية، ولعل السؤال المحير: «لماذا تستمر أبواق الفتنة والتكفير والعنصرية وضرب انتماءات الناس ومعتقداتهم والدعوات لتحقير فئات ومكونات مجتمعية حتى في الإعلام الرسمي؟»… ربما نبحث الموضوع بتوسع مستقبلاً.