لا شك أن العام المنصرم كان صاخبا جدا على كل الأصعدة والمقاييس، بعضها كان جذريا على المستويات السياسية الإقليمية والدولية. شهد العالم تحولات جيوسياسية، وتحولات في العلاقات الدولية، وحروبا ونزاعات، وسقوط طائرات، وأزمات اقتصادية، وأزمات أمنية شكلها الإرهاب الدولي، وتراجعا للعولمة، وصعود القومية والشعبوية والكثير جدا. ولا شك في أن يحمل العام الجديد تداعيات وارتدادات، كل ذلك من العام السابق والأعوام التي سبقته. ولربما يحمل هذا العام أيضا سمة المرحلة الانتقالية في النظام العالمي أو حتى البت في اتجاهاته. فهل سيكون للقوى التقليدية فيه دورها الحيوي العالمي التقليدي، أم سيصبح العالم كتلا سياسية تحمي مصالحها بعيدا عن سلطة القوى التقليدية، التي قد تتخلى عن جزء من دورها اختيارا؟ ولا سيما أن الولايات المتحدة تشهد مرحلة رئاسية جديدة في عهد ترمب، بعد ثماني سنوات من تخبط إدارة سلفه أوباما، التخبط الذي لحق بسياسة إدارته الخارجية في المنطقة والعالم، ما قلص من قدرتها في تمثيل مهمتها كشرطي العالم التقليدي. وليس ذلك بسبب التخاذل الأمريكي فحسب، بل بسبب عدم صواب القراءة التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية المنصرمة للأحداث، وتداعياتها المستقبلية على المنطقة وعلى الأمن القومي الأمريكي نفسه.
رؤية الإدارة الأمريكية الراحلة التي سهلت انكماش دور الولايات المتحدة العالمي تبنتها أيضا بعض النخب الأمريكية. وهو ما شكل أيضا صراع الانتخابات الأخيرة، بين من يتشبث بفكرة استمرار أمريكا في دورها الأصيل كشرطي العالم، وبين من يرغب بأن تنشغل أمريكا بسياساتها الداخلية وتغير سياستها الخارجية، وفي التوجه الثاني تعزيز لفكرة التحول في النظام العالمي. وإن كان كذلك فسيعني أن تكون أمريكا في نظام عالمي جديد، واحدة ضمن مجموعة قوى دولية متساوية، مع بعض التكتلات والتحالفات السياسية الأخرى التي أيضا بدورها تشكل قوى دولية. ومن المهم تأكيد أن النمو الاقتصادي هو الذي سيمثل القوة الرئيسة التي ستدفع بأي تحول مفترض في النظام العالمي، فمكانة الدول أو حتى التكتلات ونفوذها في نموها الاقتصادي أساسا.
إذن انتهى العام الأخير بأحداثه ولا سيما على المستوى الإقليمي انطلاقا من سورية، وبروز الدب الروسي وتهميش الدور الإيراني في الصورة، وهو ما يمثل انكسارا كبيرا في وجه إيران. وروسيا التي من المتوقع قريبا تحديد ملامح علاقتها الجديدة مع الولايات المتحدة. كما كان لاتصال دونالد ترمب، الرئيس الأمريكي المنتخب، بالرئيسة التايوانية، دور في توجس التنين الصيني حيت سرعت بكين بسببه وتيرة نشاطاتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي. وانتهى العام و”إف.بي.آي” الأمريكية تتهم المخابرات الروسية باختراق الأجهزة في الانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة. وانتهى العام مختلفا أيضا بالنسبة لوضع الاتحاد الأوروبي بعد “البريكست” كما الوضع البريطاني وعلاقات بريطانيا المتجددة مع الخليج. كما انتهى بخبر جيد على مستوى الخليج والمنطقة وهو انضمام عمان إلى التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة السعودية. وهذا ما يؤكد أهمية التحالفات كقوى سياسية. وهذا العام الجديد حتما لا يمكن التنبؤ به، فقد يحمل إلينا أيضا مفاجآت نفطية واقتصادية. كما أنه في قائمة الانتظار الجديدة ستكون نتائج انتخابات دول عدة منها فرنسا وإيران وألمانيا وهولندا ونيجيريا، وسيحمل ملامح ما بعد سقوط “داعش” من الموصل إلى سورية. وكذلك تطور الوضع الكردي، خاصة بالنسبة لتركيا التي عانت اهتزازات أمنية واستهدافا إرهابيا تخلله انقلاب فاشل.
بين السياسة الداخلية والخارجية وبين الاقتصاد والأمن، إنه عام التحولات والعمل الجاد جدا.