قلت في مقال سابق إن كانت مذبحة رابعة أسقطت القناع عن الليبراليين العرب، وكشفت للشعوب حقيقة التيارات القومية وزيف إيمانها بالديموقراطية، فإن مجازر حلب كشفت قساوة قلوب بعض الطائفيين وأتباع الغير، الذين لم تهز مشاعرهم مناظر القصف العشوائي لطائرات بوتين وبراميل بشار، ولم يحرك إنسانيتهم صراخ الأطفال ومناظر الثكالى من النساء!
مع الأسف أن نقرأ ونسمع من أبناء جلدتنا اليوم من يطالب بعدم نقاش موضوع مجازر حلب في مجلس الأمة! ويدعي انقسام الشعب الكويتي تجاه هذه القضية، وهو ادعاء باطل، فلا يجوز لكائن من كان أن يساوي بين الجزار والضحية، ونحن الكويتيين أكثر الشعوب إحساساً بمرارة الظلم وقسوة التشريد من الأوطان، فلا يجوز أن أعطي اعتباراً للأصوات الشاذة من الشعوبيين والطائفيين، وهم قلة في هذه القضية، إذ إن غالبية الشعب، حتى الشيعة العقلاء، يستنكرون ما يفعله نظام بشار وزبانيته في سوريا ويرفضون سكوت الأمة عن هذه المآسي الإنسانية، خصوصاً بعد أن تبين للجميع تورط أميركا وروسيا وإيران، بل والأمم المتحدة في هذا الواقع المر، حيث كان جل اهتمامهم محاربة الإرهاب كما يدعون وهم من يرعاه ويدعمه بدعم الجلاد على حساب ملايين المشردين ومئات الألوف من الجثث والأشلاء!
اليوم لا بد أن نبين للعالم أن الكويتيين، الذين رفضوا غزو صدام لبلدهم وحشدوا العالم لنصرتهم، يرفضون ما يجري لأشقائهم السوريين، ويطالبون العالم الحر بأن يتحمل مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية لوقف هذه المجازر والمهازل.
استغرب ممن يتشفى من رؤية بكاء الأطفال والنساء ويفرح لأخبار انتصار الدب الروسي على الحلبي والحموي!
وهنا لا يسعني إلا أن أشكر القياده السياسية وحكومتنا الرشيدة بموقفها العقلاني من هذه المأساة الإنسانية ورفضها لكل مجازر النظام المجرم هناك، وأشكر مجلس الأمة على تحسسه لمشاعر إخوانه السوريين ومشاركته آلامهم وآمالهم.
كم كنت أتمنى لو أن الأخ رئيس مجلس الأمة قال كل من يتعمد أن يخرج عن المألوف سأضطر لإخراجه من القاعة أو إسكاته بدلاً من القول كل من سيخرج عن الجلسة سأضطر إلى رفعها. وكأنك نبهت أعداء الإنسانية إلى كيفية التخلص من الجلسة التي ستكشف للجميع كم هي متحجرة بعض القلوب.
كل ما يجري اليوم على الساحة العربية يثبت أن الأمة في حاجة إلى تيار إسلامي وسطي، يعيد إليها أمجادها، ويوقف الزحف والتيار التغريبي فكرياً وثقافياً، ولكن، مع الأسف، إن هذا التيار تتم شيطنته اليوم بدلاً من إفساح المجال له ليلعب دوراً تعجز عنه حكومات المنطقة وأحزابها من الجاميين والليبراليين وغيرهم، وهذا الموضوع لنا معه جولة أخرى بإذن الله.