ليس أمام شباب المجلس الجديد غير قضية الفساد بالدولة، لا يعني هذا أنه لا توجد قضايا أخرى يجب الالتفات إليها، بل تبقى قضية الفساد هي أولى الأولويات، وهي المرض الكبير المتجذر في أعمق أساسات الدولة، وبمعظم مؤسساتها، وترتبط بعلاقة قوية بمؤسسات القطاع الخاص والأفراد من أصحاب الحظوة، ومنازلة غول الفساد من شباب المجلس يجب أن تكون الهم الأكبر للنواب الذين يرون أن وطنهم ليس وعاء مالياً يغترف منه المقسوم، ويذهب كل واحد في سبيله، بل هو الماضي والمستقبل.
الفساد هنا ليس مجرد صفقات مالية مليارية أو عقود مقاولات ضخمة تم تفصيلها حسب الأصول المتعارف عليها بإمبراطورية المحسوبيات والرشا، بل يمتد من الأسفل للأعلى وبالعكس، الفساد يتمدد من أدنى القاعدة في السلم الإداري، أي من الموظف الصغير الذي يتقاضى أجراً دون عمل مقابل، ويستسهل الرشوة حتى أعلى قمة سلم البؤس وصولاً للوزير الذي يضبط الأمور بمعونة ترزية جهازه الاستشاري، ثم تعود هذه العلاقة المرضية الخبيثة نزولاً من الأعلى للأسفل، وتظل دورة الفساد على حالها في الدائرة الكويتية المغلقة. والفساد كذلك ليس محصوراً في الصور المالية، بل يمتد لعملية التشريع ومؤسسته النيابية ومؤسسات الرقابة التي تصبح بسبب غياب الوازع الأخلاقي وبسبب القصور القانوني، مرايا عريضة متقابلة تعكس صوره القبيحة إلى ما لا نهاية.
الفساد يتجسد في تكميم الأفواه وقمعها حين يتحدث عنه بوسائل الإعلام المحدودة، فتتم ملاحقة أصحاب الكلمة بقفازات القانون أحياناً، ويلقى بالأحرار في السجون ويطاردون إلى خارج حدود الدولة، أو تتم محاصرتهم بمصادر رزقهم وقوت أولادهم في أحايين أخرى، وهذا الشكل الأخير هو أخطر صور الإرهاب الفكري، حين يمنع الكلام عنه، وأكثر من المنع يفرض عليهم أن يقولوا ما يريده أصحاب السطوة كي يكونوا لائقين فكرياً في ميزانهم الفاسد، ويصبحوا تروساً صغيرة في مكائن الانتهازيين الضخمة، فتتوالد بجوف زرائب الملاحقات المسورة قطعان من الأغنام تخشى الجهر بحرف واحد عن الفساد وظلمه، تفكر ألف مرة قبل أن تخط كلمة يتيمة عنه، تستسهل آذانها سماع أحاديثه وكأنها من الأمور اليومية المعتادة مثل الأكل والشرب، وتظل تمضي في حياتها ترعى من هذه الأرض ولا تنظر إلى الجراز الواقف عند أطراف المستقبل القريب، فرقيب الخوف الذاتي انتشر كالسرطان في الجسد اللامبالي.
حالة اللامبالاة واللااكتراث، والغرق في سخف الاستهلاك اليومي هي كارثتنا اليوم، حين نتحدث وكأنه لا توجد مصيبة اقتصادية نزلت على الرؤوس ترافقها إدارة سياسية عاجزة تاريخياً، هي مازالت، حتى اليوم تدير الأمور بنهجها القديم بصفقاتها المعيبة وبمحدودية فكرها، ترفض أن تتبدل وتخشى مواجهة التحديات.
ليس المطلوب من هذا المجلس في المرحلة القريبة، تقديم الاستجوابات بغرض امتصاص النقمة وكسب شعبوية مؤقتة لمجالس قادمة يستسهل حلها في أي لحظة تتجاوز الخطوط الحمراء للسلطة، المطلوب حالياً، إثارة وتحريك الوعي الخامد عند قطاعات عريضة للجمهور غارقة في همومها اليومية، المطلوب كشف هذا الزيف الكبير في الوعي… تحديات خطرة أمامنا، تحديات في الداخل ومثلها على حدودنا، المنطقة تتغير وتتحرك بسرعة نحو مجهول يبدو مخيفاً، والجماعة رغم كل ما يجري “على حطة إيدكم”… انتبهوا لأمانة منصبكم.